حذر خبراء علم النفس والاجتماع من خطورة مشاهد العنف والقتل والترويع التى تبثها القنوات خلال المرحلة الحالية، مؤكدين أنها قد تخلق جيلا جديدا ينتهج العنف أسلوبا بعدما انطبعت هذه المشاهد فى ذاكرته فى مرحلة الطفولة التى تعد كالصفحة البيضاء، وطالبوا وسائل الإعلام بالتقليل من هذه المشاهد كما طالبوا الأسر بإبعاد أطفالهم عن هذه الصور التى تؤدى إلى كوارث نفسية وتخرج شخصية مضطربة نفسيا.. هذه الظاهرة وسبل معالجتها نناقشها مع نخبة مع الخبراء. فى البداية يقول د. صلاح عبد السميع أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة حلوان إن الطفولة تعتبر مرحلة مهمة فى تشكيل شخصية الإنسان فكل ما تلتقطه ذاكرة الطفل تنطبع فى ذهنه كما أن أكثر شئ يؤثر على ذاكرة الطفل هو المشهد الكلامى خاصة عندما يعرض بالصور وما يتم أيضاً تداوله أمام عينه وبالتالى تصبح الصورة الفيصل لدى الطفل فى هذه المرحلة العمرية (3سنوات فأكثر) وتظل فى ذاكرته الوجدانية طوال عمره ربما لا يحتفظ به الآن ولكن بعد مضى سنوات يظهر فى سلوكياته بعضها فى صورة عنف أو عدوانية أوانطواء. وأوضح عبد السميع أن المشهد السياسى المصرى الآن به حالة من الغياب الأمنى والاجتماعى داخل الأسرة إضافة إلى خلاف اجتماعى وأصبح الحوار صداما انقلب لعدوان وتحول إلى خصام وذلك ينعكس سلباً على سلوكيات الأطفال والأبناء. وأشار إلى أن الإعلام يصنع الصورة الذهنية للأسرة ونحن بالفعل نحتاج لإعلام يبحث عن الرأى والرأى الآخر ونعيد القيم الإعلامية من جديد حتى ينعكس ذلك بالإيجاب على الأسرة المصرية وبالتالى نستطيع أن نعلم الطفل آداب الحوار التى لها دور فى تكوين بنيته الفكرية، وشدد على ضرورة أن تمارس المؤسسات التربوية دورها الحقيقى الآن فى التربية حتى يكتمل دور الأسرة فى التنشئة الاجتماعية السليمة للطفل لذلك لابد من وجود ميثاق إعلامى وتربوى وجامعى ومؤسسى حتى تكتمل أركان هذه المنظومة التى تؤثر فى الطفل ومن ثم يفيد المجتمع الذى يعيش فيه. وتحذر د.سامية الجندى أستاذ علم النفس الاجتماعى جامعة الأزهر من تداعيات وخطورة وتأثير الأحداث السياسية الراهنة التى تمتلئ بالأجواء المشحونة من المظاهرات الدموية وبعض من العمليات الإرهابية على الأطفال بالسلب حيث يتولد لديهم نوع من الخوف والرعب الشديد خاصة عندما يشاهدون صور القتل والدمار مما يؤدى إلى أن أحلالهم تتحول إلى كوابيس مؤلمة ومزعجة وتؤثر على سلوكياتهم وأفعالهم مستقبلاً. وأوضحت أن الطفل فى هذه الحالة لا يدرك ما يدور من أحداث سياسية وأسبابها وبالتالى يختزن كل ذلك بداخله مما يشعره بالخوف والقلق من الأحداث فيؤثر بشكل أو بآخر على الحالة النفسية وأدائه. وأكدت أن للوالدين ضرورة وأهمية كبيرة فى هذه المرحلة خاصة ما قبل المدرسة بمنع الطفل عن مشاهدة مثل هذه الأحداث التى تولد لديه عدوانية وعنف لذا ينصح بإبعاده تماماً عن مشاهدة الأحداث الدموية. وأضافت: لتربية طفل ديمقراطى بطبيعته منذ طفولته لابد من إتاحة الفرصة لديه من الوالدين بحرية الحركة فى المنزل والحرية فى اختيار ما يفضله من مأكل ومشرب وملبس واللعب أيضاً. وتشير الجندى إلى أن هذه الأمور تبدو بسيطة ولكنها فى مغزاها أهمية فى تشكيل شخصية طفل قادر على التعبير عن نفسه دون قيود ولديه القدرة على الاختيار الصحيح ولكن كثير من الأسر المصرية حتى الآن لاتعرف أهمية ذلك لشخصية الطفل. وأوضحت أن الطفل فى كثير من الأحيان لا يمكن التحكم فى أفعاله وتصرفاته ولكن نستطيع توجيهه بالثواب والخطأ وإعطاء الفرصة له فى التعبير عن رأيه وهذه أولى خطوات تنشئة طفل ديمقراطى. الجانب الإيجابى من جانبها طالبت د. نادية جمال الدين أستاذ بمعهد الدراسات التربوية جامعة القاهرة بالتركيز على الجانب الإيجابى فى مثل هذه الأحداث التى يشاهدها الأطفال وتوصيل المعلومات لهم بأن ما يحدث نتيجة للظلم الذى تعرض له الشعب «مثلا تقول الأم للطفل شوفت المجرمين فى سيناء تم القبض عليهم ولم يستطيعوا الهروب بمعنى اللى عمل خطأ سيحاسب عليه مهما استطاع الفرار» وتشير نادية إلى ضرورة أن يكون لدى الأسرة الوعى الكافى حتى تستطيع التعامل مع الطفل فى ظل هذه الظروف والأحداث وتبعده عن مشاهدة الأحداث الدموية. ويشير د. مصطفى عبد السميع عميد معهد الدراسات التربوية الأسبق إلى أن مشاهدة الطفل مثل هذه الأحداث العنيفة خاصة القنوات المحلية والعالمية تعلمه العنف بالإضافة إلى أنه يتولد لديه كثير من مشاعر التوتر والخوف ويتأثر نفسياً من جميع المواقف التى يعيشها المجتمع. مؤكدا أن للأسرة دوراً مهما فى منع الطفل من مشاهدة أى من مظاهر العنف وإذا حدث وشاهد الطفل بعضا منها فعلى الوالدين توضيح أسباب ذلك للطفل حتى لا يشعر بأن هناك أزمة تعرض لها. الوعى الكافى وأوضحت د. سوسن الفايد أستاذ علم الاجتماع ورئيس مركز البحوث الاجتماعية والجنائية أن الطفل فى هذه المرحلة لا يمتلك الوعى الكافى لفهم ما يدور حوله من أحداث سياسية مشيرة إلى أن العبء يقع على عاتق الآباء والأمهات الذين من المفترض إن يحرصوا على ما يشاهده أطفالهم وما يتعرضون له من مشاهد عنف وملاحظة كيفية تأثرهم من ذلك وبالتالى معادلة تلك المشاهد بما يقابلها من برامج تعمل على ترسيخ القيم والمبادئ بالإضافة للحديث المباشر مع الأطفال ومناقشتهم فى تلك القضايا العامة والأحداث ومحاولة تقديم التفسير المنطقى لما يحدث وما يلاقونه من ألفاظ ودماء و اعتداء وشرح الجانب الإيجابى من نجاح الثورة و تحقيق إنجاز وتقدم وحثه على تكوين رأى خاص به يجنبه التأثر بالعنف بشكل سلبى حتى يستطيع أن ينبذه شخصيا ويستنكره كما يجعل منه فردا ناضجا وواعيا فى المستقبل. لافتا إلى أن فهم الطفل لبعض القضايا السياسية من خلال أيديولوجية الأسرة التى ينشأ فيها حيث إن لها تأثيرا كبيرا فيجب أن ترشد الأسرة الطفل حول ما يتلقاه من وسائل الإعلام. وأكدت أن مرحلة ما قبل الدراسة للطفل تشكل فيها سماته الشخصية وبعض الاتجاهات النفسية كما أن الأسرة تساهم بشكل كبير فى التأثير الوجدانى للطفل بسبب ارتباطه وتعاطفه مع الوالدين كما أن تعرض الطفل لمشاهدة أحداث العنف بصفة دائمة يجعله يقتبسها وهذا أمرو خطير فيجب ألا يشاهد هذه الأحداث بشكل دائم لأنها ستؤثر على سلوكه بشكل ملحوظ وسوف يحدث تبلد فى مشاعره. وأضافت الفايد: على المسئولين بالإعلام محاولة تقنين أحداث العنف من خلال مواد وضمانات إعلامية وعلى الأسرة محاولة إبعاد الأطفال عن هذه الأحداث وزيادة مشاهدة أفلام الكرتون لكى تزرع القيم والمبادئ حتى نخفف من مشاعر العنف لديهم. وأشار د. أنور الأتربى أستاذ علم النفس إلى تأثر الأطفال فى سن ما قبل الالتحاق بالمدرسة بالأحداث الجارية نتاج التوتر الحادث فى البيت المصرى الآن والذى من شأنه التأثير السلبى على الطفل سواء نفسياً أو اجتماعياً .وأوضح أن الطفل فى هذه السن يكون ارتباطه بالأسرة شديداً وبالتالى يتأثر بما يحدث لهم، وأكد ضرورة عودة الأمان للبيت المصرى وألا تؤثر الأحداث السياسية على استقراره. دور الأسرة وكشفت مروة محمد مديرة المنظمة المصرية الدولية لحقوق الإنسان أن الأطفال يتابعون الأحداث وتأثيرها على الأسرة وما يؤثر فيهم بشكل مباشر وغير مباشر. فالطفل قابل للاختزان بشكل سريع بكل الأحداث التى يراها أو يسمعها ويحفظها فى عقله متأثرا بسلوكياته. مشيرة إلى أن دور الأسرة فى متابعة وتوجيه الأطفال ضرورة ملحة بالإضافة إلى عدم تركهم أمام شاشات التليفزيون حتى لا يؤثر ذلك على سلوكياتهم وقالت إن المنظمات الحقوقية المعنية بشئون الطفل تلعب دوراً مهما فى منح الآباء والأمهات أساسيات وتعليم الطفل طرق الإدراك الذى ينمو معه منذ الصغر وطالبت مديرة المنظمة بضرورة معالجة ظاهرة استمرارية جلوس الأطفال أمام الانترنت حتى لا تؤثر على ذكاء الأطفال الذى يقاس قبل سبع سنوات وبالتالى تلعب عمليات الإدراك العامة دوراً بارزاً فى تنمية قدرات الطفل ونموه فى مختلف مجالات الحياة الدراسية والتربوية وغيرها وأوضحت أن الدول المتقدمة تتبع أساليب حديثة لتوعية الأطفال عما يدور فى كافة وسائل الإعلام المرئى حتى لا يترك أثراً ويجب اتباع ذلك فى الدول النامية. شباب مشوهون وتقول الدكتورة عزة حجازى أستاذ الصحة النفسية إن أعمال القتل والعنف المفرط الذى يشاهده الأطفال من خلال التليفزيون سيخلق منهم شبابا مشوهين نفسيا ومضطربين سلوكيا ويقتنعون بأن العنف هو السبيل لحل مشكلاتهم وخاصة الأطفال الذين تعرضوا لتلك الأحداث بشكل مباشر ممن شاركوا عائلاتهم فى المظاهرات التى اتسمت بالعنف أو عملية لبس الأكفان التى استغل فيها الأطفال بشكل سادى بين مجتمع مريض ومصاب بجنون العظمة والشعور بالتمييز والاختلاف كما أن الأطفال العاديين فى الشارع أصبحت لعبتهم المفضلة هى «الحرب» حيث يقسمون إنفسهم لفرق تضرب بعضها بعضا مستخدمين أسلحة كالحقيقية وهو ما يشكل خطورة كبرى على عقول هؤلاء الأطفال وهو ما يظهر فى تعامل الطفل مع أقرانه فى المدرسة والمنزل مع أسرته فى غياب لدور الدولة والمجتمع للاهتمام بالعلاج النفسى الشامل الذى أصبح ضروريا ليس فقط للأطفال ولكن للمجتمع ككل الذى أصبح مصابا بما يشبه الذعر من الأخبار ومن الخروج للمجتمع والتعامل مع الغرباء كما غاب السلام المجتمعى جراء الانقسام الحاد الذى خلق عداء نفسيا بين كل منتمٍ لفريق مختلف مع غيره.