إذا رأيت طفلك يطرح أخاه الصغير أرضًا وهو يصرخ فى فرحة انتصار، فلا تندهش؛ فهو غالبًا ما يعتبر الأمر وسيلةً من وسائل الترفيه، ويستخدم فيه إحدى حركات فن المصارعة التى يشاهدها معك أو بمفرده؛ فقنوات المصارعة الحرة أصبحت فى بعض البيوت بديلاً لبرامج الأطفال وأفلام الكارتون. فالقنوات الرياضية تتعامل مع الأمر باعتباره تجارة رابحة بغض النظر عن الأضرار التى يمكن أن تعود على المتلقى، تاركين له مهمة الاختيار والانتقاء، فيما يترك الآباء صغارهم أمام هذه الرياضة التى تحظى بنسبة عالية من المشاهدة من قبل الأطفال. عنف الأطفال تشكو عزة الدمرداش انبهار حفيدها بالمصارعة الحرة قائلةً: "أصبحت مباريات المصارعة أهم لديه من برامج الأطفال والرسوم المتحركة، وعادةً ما ألاحظه يقلد كثيرًا من الحركات التى يشاهدها، كما يعيد تكرار أسماء المصارعين أمامى لأحفظها وأتجاوب فى حكيه عنهم". ويظهر السبب فى هذه التصرفات من شكوى أم رحمة التى تقول: «المشكلة تكمن فى أن زوجى نفسه هو الذى يحرص على متابعة المصارعة الحرة مع الطفلة»، لافتةً إلى أنها لاحظت تغير سلوكها، خصوصًا مع دميتها وألعابها، وأخذت تمزقها وتتعامل معها بالحركات التى شاهدتها. ووصل الأمر مع على "ذى سبع السنوات" إلى أن اشتكت منه مديرة المدرسة، وأخبرت والدته بأنه يضرب زملاءه؛ فى حين تؤكد الأم أن طفلها يجلس أمام قنوات المصارعة طول النهار، كما يحرص عند شراء الملابس أن يختار الملابس التى عليها صور المصارعين. ووصفت زينب (أم لطفلين) هذه القنوات بأنها "وسيلة لتغييب عقول أطفالنا، وتعليمهم أخذ حقوقهم بالقوة، وهو التأثير الذى شاهدته على ابنى وهو يضرب أخته مقلدًا حركات المصارعين". ويشير محمد محمد (موظف) إلى أن "ما يجذب أطفالنا إلى هذه القنوات هى كمية "الأكشن" الموجودة فيها، التى أحيانًا ما تكون غير حقيقة. والطفل لا يعرف هذا، ونحن منشغلون بلقمة العيش، وفى ظل غياب دور المؤسسات التربوية فالطفل يعتقد أن كل ما يراه حقيقة". العلاج فى يدك وفى المقابل، أثبتت كثير من الدراسات التربوية، أن الصغار الذين يحرصون على مشاهدة المصارعة الحرة على شاشات التلفاز، يصبحون أكثر ميلاً إلى العنف والتصرفات العدوانية مقارنةً بالأطفال الآخرين، أو مقارنةً بسلوكياتهم السابقة هم أنفسهم، وأن الإناث كن الأكثر تأثرًا من الذكور بهذه الرياضة. تؤكد الدكتورة عزة كريم -أستاذة علم الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية- أن المصارعة التى أصبحت تُخصَّص لها قنوات كاملة وتستقطب كل أفراد العائلة لمشاهدتها من أب وأم وطفل، وحتى الفتيات؛ يكون تأثيرها شديدًا ومدمرًا على العائلة. والمشكلة الكبرى تأتى من مشاهدة الصغار هذه المباريات؛ فمع شغفهم بتصرفات وعنف سلوكيات المصارعين لا ينتبهون إلى الأشخاص ذاتها بل ينظرون إلى حركاتهم، مضيفةً أنه عندما يشاهد الطفل البطل والجمهور يصفق له ويكرم بجائزة على هذا العنف، ويبدو المصارعون أمامه كأبطال أسطوريين فى عالم القوة؛ يترجم الطفل هذا بأن الحق لا يُؤخذ إلا بالقوة. وتضيف قائلةً: "ميل هؤلاء الأطفال إلى تقليد المصارعين تقليدًا عفويًّا وتلقائيًّا يؤدى إلى كوارث حقيقية فى كثير من الأحيان، خاصةً حين يفضلون شراء الملابس التى عليها صورهم، وتصبح أسماء هؤلاء المصارعين هى الأقرب إلى قلوب الصغار". على الجانب الآخر، يشير د. فاروق لطيف -أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس- أن المصارعة نوع من أنواع الرياضة المتعارف عليها فى كل أنحاء العالم، مؤكدًا أنها لا تؤثر فى الحالة النفسية؛ لأن التعامل معها يختلف من شخص إلى آخر، وينفى ما تردد عن التأثير السلبى للمصارعة فى أفراد الأسرة، خاصةً الأطفال، ويرجع سبب عنف الأطفال إلى الأسرة فيقول: "على سبيل المثال، لو الأسرة عنيفة يضطر الطفل إلى مشاهدة هذه الرياضة ليدافع عن نفسه. أما لو تربى فى أسرة سوية فلا يستخدمها بطريقة سلبية".