نحيفة.. دقيقة الملامح.. ذات ابتسامة رقيقة.. عيون تضيىء وتلمع فى وجهها الأسمر.. أسمر بسمرة طمى النيل.. ابنها فلذة كبدها نسخة منها فى جميع الملامح.. فى نظرة الحزن التى تطل من عينيها.. تصطحبه معها فى رحلة طويلة طولها أكثر من 900 كم ليصلا إلى القاهرة.. رحلة طويلة بدأتها منذ أكثر من أربع سنوات.. تركب قطار الليل لتصل ظهر اليوم الثانى.. كثيرا ما كانت تفترش هى وهو أرض القطار.. يحتمى الابن داخل صدرها من برد الشتاء.. وعذاب طول المسافة وعذاب آلامه التى لا تحتمل.. رحلة أخذت معها الأخضر واليابس.. إنها رحلة المرض.. بدأت الرحلة كما تتذكر الأم عندما بلغ الابن البكرى الثانية عشرة من عمره.. كان وجهه مشرقاً ضحوكاً يعيش طفولته كما هى الطفولة بكل شقاوتها.. يجرى ويلعب مع الأطفال فى مثل سنه.. كان يلعب على رمال الجبل العالى الذى تقع فيه قريته.. الأسرة تعيش كأى أسرة فى هذه القرية تحت خط الفقر.. الأب موظف بسيط فى إحدى المصالح الحكومية مرتبه ضئيل يكاد يكفى الأسرة المكونة من خمسة أفراد بالكاد ومع ذلك بحث ليجد عملاً إضافياً من أجل أن يوفر لهم احتياجاتهم وليس أفواههم الجائعة.. هذه الأسرة مثل آلاف الأسر إذا مرض أحد أفرادها لا يعرفون الطبيب أو المستشفى.. مجرد أعشاب طبيعية فهى الدواء والطبيب.. أو ليمونة ومشروب ساخن وكان الله بالسر عليم، ولكن هذه المرة لم تجد الوصفة ولا العشب فى تخفيف الآلام والشعور بالوهن والضعف الذى كان يشعر به الطفل الذى لم يكف عن البكاء والصراخ.. هناك شىء ما يشعر به، ولكنه لم تكن لديه القدرة على التعبير عنه.. وكيف يعبر وهو لا يفهم ما يدور داخل جسده النحيل حتى جاءت عليه ليلة لم ينم فيها.. بكاء متواصل.. ارتفاع فى درجة الحرارة.. جسده مشتعل من الحمى.. بطنه تكاد تتمزق أحشاءه داخلها.. التف الجميع حوله فى محاولة للتخفيف عنه، ولكن هيهات فهو مصاب بشىء ما.. ومع الخيوط الأولى من الفجر حملته أمه وأبوه إلى الوحدة الصحية بالقرية التى يعيشون بها.. الطبيب وصف للابن مسكناً وخافض حرارة فهو مصاب فى الغالب كما قال الطبيب لأمه بنزلة برد.. ولكن الطفل ظل يتأوه ويبكى ويصرخ من الألم.. حتى تحول وجهه إلى اللون الأصفر وأصبحت شفتاه باهتتين.. لم تنتظر الأم حملته إلى المستشفى العام، طلب الأطباء إجراء تحاليل طبية سريعة.. وكانت النتيجة صادمة.. الابن مصاب بورم بالطحال، ولم يكن هناك مفر من تحويله للمعهد القومى للأورام، فقد أكد الأطباء للأم أن علاجه لا يوجد إلا بالمعهد.. اصطحبته وقلبها يتمزق من الألم.. كان حملا ثقيلا بسبب الآلام التى تعانى منها الأم بسبب الآلام النفسية فهو الابن البكرى أول فرحتها وفرحة أبيه فى هذه الدنيا، ولكن هذه إرادة الله الذى لا راد لإرادته وقضائه.. وقدر الله وماشاء فعل.. وبدأت الرحلة الطويلة من الفحوصات والتحاليل والأشعة.. وأكد الأطباء أنه مصاب بالفعل بورم سرطانى بالطحال.. وأخبروا الأم أن الابن يحتاج إلى جراحة عاجلة لاستئصال الطحال وبعدها سوف يحتاج إلى علاج كيماوى وإشعاعى لفترة طويلة من الزمان وكانت رحلة مكوكية بين القرية التى تعيش بها الأسرة والقاهرة، ولكن كان الحمل ثقيلا على الأب لأن مرتبه الصغير لا يكفى متطلبات واحتياجات الأسرة بدون مرض الابن فمال بال المصاريف واحتياجات السفر للأم والابن إلى القاهرة والعيش فيها لتلقى العلاج الكيماوى والإشعاعى واضطر للاستدانة من أجلها ولكن بمرور الزمن وارتفاع الأسعار وقلة الدخل أصبح غير قادر على توفير المصاريف أو حتى الاستدانة فالجميع حالهم مثل حاله، وما زاد الطين بلة هو اصابة الابن فى حادثه حين وقع عليه جير حى مما أصاب عينيه، حيث أدى إلى عتامة بالقرنية ويعالج أيضاً بالقاهرة وفى ظل هذه الظروف البائسة لهذه الأسرة المسكينة أرسلت الأم خطابا تطلب تقديم المساعدة لها ولابنها وللأسرة التى تعيش ظروف صعبة لا يعلمها إلا الله.. فهل تجد من يساعدها؟ من يرغب فليتصل بصفحة مواقف إنسانية.