علاوة على التوترات السياسية التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط نتيجة لتفجر الثورات العربية، التى تستحوذ على اهتمام الرأى العام العالمى لما تمثله المنطقة من أهمية استراتيجية للنظام العالمى سياسيًا واقتصاديًا، فإن هناك توترات اقتصادية يشهدها النظام العالمى نظرًا لانفجار أزمة الديون فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ومنطقة اليورو ، حيث يزداد الدين الأمريكى بمعدل 500 بليون دولار سنويًا منذ العام المالى 2003، وهو ما أدى إلى رفع سقف الديون فى الولاياتالمتحدةالأمريكية بزيادة تبلغ 2 تريليون وهما دفع العديد من خبراء الاقتصاد الأمريكيين إلى الترويج لإقامة شراكة اقتصادية مع الصين للخروج من الأزمة.وفى منطقة اليورو دفعت أزمة الديون البنك المركزى الأوروبى للسعى لإقامة اتحاد مالى كونفدرالى أوروبى على غرار وزارة الخزانة الأمريكية لمواجهة أزمة الديون، والتأكيد على ضرورة إقامة اتحاد مالى قوى وفاعل حفاظًا على الاتحاد الأوروبى الذى تضعه أزمة الديون أمام خيارين إما إقامة اتحاد مالى قوى وتبنى سياسات مالية محكمة، وإما مواجهة خطر الانهيار. ويرى الخبراء أن هذه الأوضاع أدت إلى توظيف الثورات العربية لخلق اقتصاد حرب فى المنطقة لمواجهة هذه الأزمات والخروج من حالة الركود الاقتصادى العالمى خلال الترويج لإقامة مشروعات البنية التحتية، وفتح الأسواق أمام المنتجات الغربية والتحايل لخفض أسعار البترول والمواد الخام بهدف تحميل دول المنطقة أخطاء السياسات الاقتصادية الغربية. «أكتوبر» تناولت فى سياق الموضوع التالى تقييم الخبراء لهذه الأزمات وانعكاستها على الاقتصاد المصرى والاقتصاديات العربية. ونبدأ بإلقاء الضوء على آخر تطورات أزمات الديون فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ومنطقة اليورو. يتولى كبار المسئولين بالبنك المركزى الأوروبى إجراء سلسلة من المشاورات مع المسئولين بوزارة الخزانة الأمريكية بواشنطن بهدف التوصل إلى صيغة تمكن الاتحاد الأوروبى من إقامة اتحاد مالى كونفدرالى يساعد على مواجهة أزمة الديون وهو ما تناولته صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية، ونشرت الصحيفة ما جاء فى بيان للبنك المركزى الأوروبى من تأكيد على ضرورة إقامة اتحاد مالى كونفدرالى قوى يتجاوز مجرد إقامة الاتحاد لتوحيد العملة، وأوردت الصحيفة ما جاء بالبيان حول رؤية البنك للقارة الأوروبية بأنها مقبلة على إقامة اتحاد كونفدرالى أوروبى وهو ما يساعد على وضع وزير مالية كونفدرالى قادر على اتخاذ القرارات وإلزام الحكومات بتنفيذها. ومن ناحية أخرى يرى المحللون والخبراء تعقيبًا على ذلك أن هناك الكثير من التحديات التى تواجه إقامة مثل هذا الاتحاد يأتى فى مقدمتها معارضة حكومات الدول الأوروبية القوية اقتصادياً للتوجهات نحو الكونفدرالية لرؤيتها للاتحاد الكونفدرالى بأنه يضر بمصالحها الاقتصادية ووضعها المالى، بالاضافة إلى معارضة المحكمة الدستورية الألمانية العليا لمنطق مثل هذا النوع من الاتحادات، وذلك علاوة على تخوف العديد من الدول من عدم قدرة اليونان على سداد الديون والوفاء بالتزامتها تجاه الدول الدائنة. وفى تفسيره لأوضاع الاقتصاد العالمى فى ظل أزمة الديون التى تتعرض لها منطقة اليورو والجدل الذى دار بين الرئيس الأمريكى والكونجرس حول رفع سقف الديون لمواجهة أزمة اقتصادية محتملة من الممكن أن يتدهور معها الاقتصاد الأمريكى ومدى تأثير هذه الأوضاع فى مجملها على الاقتصاد المصرى والاقتصاديات العربية يرى فتحى ياسين الخبير المصرفى ورئيس مجلس إدارة بنك التجاريين سابقًا أن الأزمات الاقتصادية تمتد بظلالها فى أماكن كثيرة من العالم باستثناء بعض الدول فى مقدمتها اليابان والصين. وفيما يتعلق بأزمة الديون فى منطقة اليورو يرى أن أسباب هذه الأزمة ترجع إلى أن منطقة اليورو ضمت العديد من الدول الضعيفة اقتصاديًا وعدم الأخذ فى الاعتبار الأوضاع الداخلية لكل دولة وهو ما أدى إلى ظهور أزمة الديون ويرى أن الانتاج هو الحكم فى الخروج من الأزمات المتلاحقة التى تتعرض لها منطقة اليورو، حيث إن الدول التى تعطى أولوية لقضايا الانتاج هى التى تستطيع أن تقترض وتسدد الديون والفوائد وتنهض باقتصادها القومى. وفيما يتعلق بمدى تأثير هذه الأزمات على مصر والمنطقة العربية أوضح أن منطقة الخليج العربى هى المنطقة الأكثر تأثرًا بهذه الأزمات، حيث استغلت الولاياتالمتحدة هذه الأزمات للتحايل على أسعار البترول بهدف خفض أسعار خام البترول فى منطقة الشرق الأوسط وتحميل هذه الدول الخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذه الأزمات وما يهدد اقتصاديات منطقة البترودولار. وفيما يتعلق بمدى تأثر الاقتصاد المصرى بهذه الأزمات أكد أن الاقتصاد المصرى فى أمس الحاجة إلى دفع عجلة الانتاج على مستوى جميع القطاعات حيث يستطيع استرداد عافيته والتأثير والتأثر بحركة الاقتصاد العالمى. ويطرح د. أيمن محمد إبراهيم الخبير المصرفى رؤية مخالفة حيث يؤكد أن الاقتصاد الأمريكى يمر بأزمة اقتصادية حقيقية حيث تجاوزت الديون الدخل القومى الأمريكى، موضحًا أن الاقتصاد الأمريكى لا يستطيع فى ظل هذه الأزمة القيام بعملية السداد وهو ما يؤدى إلى خفض معدلات التنمية ويؤثر سلبيًا على الموازنة الأمريكية. ويرى أن انعكاسات هذه الأزمة على الاقتصاد المصرى والعربى تأتى فى صورة انخفاض فى نسبة المعونات الأمريكية علاوة على التأثيرات السلبية على البورصة والاستثمار المباشر. ومن ناحية أخرى أوضح أن إقامة مثل هذا النوع من الشراكة يحمل العديد من التأثيرات السلبية على الولاياتالمتحدةالأمريكية نظرًا لأن من شأنه زيادة المنتجات الصينية فى السوق الأمريكية وهو ما يزيد من تدهور الأوضاع المالية. وفيما يتعلق بأزمة الديون فى منطقة اليورو أكد أن هناك بركاناً خامداً من الأزمات فى منطقة اليورو وأنه سيضرب قريبًا أسبانيا ورومانيا والبرتغال والعديد من دول أوروبا الشرقية، وأضاف أنه من غير المحتمل بأى حال من الأحوال دخول انجلترا منطقة اليورو لمواجهة أزمة الديون، موضحًا أن انجلترا تحافظ على تحالفها مع دول الكومنولث الذى يتيح لها أسواقاً حيوية عبر دول الكومنولث الناطقة بالانجليزية . بدايًة أوضح د. يسرى طاحون أستاذ الاقتصاد بجامعة طنطا أن الدول النامية تتحمل أخطاء الدول المتقدمة وتدفع ثمن فشل سياساتها الاقتصادية، وفيما يتعلق بأزمة الديون فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وانعكاساتها أكد أن الاقتصاد الأمريكى محور الارتكاز بالنسبة للاقتصاد العالمى نظرًا لأن نصيب الولاياتالمتحدة من التجارة يبلغ 16% وهو ما يعنى أن أزمة اقتصادية تواجه الاقتصاد الأمريكى تؤدى إلى ركود اقتصادى عالمى وكساد بالأسواق العالمية وتنعكس سلبًا على جميع دول العالم باستثناء الدول القوية اقتصاديا مثل الصين ودول جنوب شرق آسيا ذات الاقتصاديات الصاعدة، وفيما يتعلق بالشراكة بين الولاياتالمتحدة والصين التى يطالب بها بعض الخبراء الأمريكيين يرى أنه من غير المتوقع أن تقبل الصين إقامة مثل هذه الشراكة حيث إنها تضر بالأوضاع الاقتصادية للصين، ويشير إلى أن أزمة الديون فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ترجع إلى العجز فى مديونيات الولاياتالمتحدة لصالح اليابان علاوة على ديون الحرب ضد الإرهاب فى أفغانستان والعراق. وفيما يتعلق بأزمة الديون فى منطقة اليورو فيرى د. طاحون أن أسباب تلك الأزمات ترجع إلى أن ميزانية الاتحاد الأوروبى كانت لا تكفى لدفع عجلة التنمية الاقتصادية ولا تأخذ فى الاعتبار العراقيل الاقتصادية التى تعانى منها الدول نتيجة للتحول من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق وفشل بعض نماذج الخصخصة.