يبدو أننا «عدنا» لسابق عاداتنا القديمة وكأن شيئا لم يكن.. أحداث فتنة طائفية عنيفة، وحوادث بلطجة وترويع للمواطنين، ومظاهرات واحتجاجات ومطالبات فئوية غير عاجلة. لم تدم فرحتنا طويلا.. بشباب مصر الواعى الذى فجر ثورة بيضاء سلمية وقوات مسلحة وطنية تستجيب لمطالب الثوار وتتبناها وتتعهد بالحفاظ عليها وحمايتها ممن يحاولون اججهاضها، ومجتمع يسعد بأبنائه وبدعمهم وينضم إليهم ويضغط فى مظاهرات مليونية متتالية ليعجل بتحقيق المطالب، ومن ثم كان التنحى وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة زمام الأمور وإصدار إعلانه الدستورى الذى حل فيه مجلسى الشعب والشورى وعطل العمل بالدستور، وغير الوزارة وشكل لجنة لتعديل بعض نصوص الدستور لتحقيق المزيد من العدالة والحرية وضمان شفافية ونزاهة الانتخابات المقبلة. كل ذلك تحقق بشكل متوالٍ متسارع فى أقل من 30 يوما فقط، وبدء التفاؤل ينتشر بين الجميع بأن مصر مقبلة على مرحلة جديدة من الحياة الديمقراطية السليمة فضلا عن الأمن والأمان ومراعاة حقوق الإنسان فى كل إجراء يتخذ ضد أى مواطن، ولكن «الأيدى الخفية» سارعت بالعبث وإفساد الفرحة حيث الحرائق فى كل مكان واقتحام المؤسسات عامة وخاصة.. واعتداءات على المواطنين وممتلكاتهم.. فى ظل غياب مؤثر لقوات الأمن المسئولة عن سلامة المواطنين وتطبيق القانون لانتظام حركة الحياة على أرض مصر، حتى بات أغلبنا يعيش فى قلق وخيفة مما قد يأتى به الغد من ظواهر سيئة أو أحداث مؤلمة غيرمتوقعة كل ذلك يحدث والجميع يعلم أننا نعيش على ما يسمى «باللحم الحى» بمعنى أن عجلة الإنتاج تكاد تكون متوقفة مع سحب متواصل من المخزون فأى نتائج تنتظر سوى انخفاض المعروض من السلع والمستلزمات الضرورية للحياة مع ارتفاع أسعارها بشكل قد يصعب على البعض مستقبلا الحصول عليها إن وجدت! لقد نادى الكثيرون قولا وكتابة «بلحظة» لالتقاط الأنفاس وإدارة عجلة الإنتاج وانتظام أمور الحياة اليومية وحتى تخرج البلاد من تلك الفترة المؤقتة لإعادة ترتيب البيت من الداخل ولكن البعض منا تربص بالبعض الآخر وانتشرت مطالبات الابتزاز الفئوية وأصبح البلد «كالعكة» الساخنة. يرغب كل منا أن يحصل على ما يطوله منها قبل أن تبرد وتجف سوائلها! هل هذا معقول؟ وهل هذه مصر التى نريدها؟ على هؤلاء أن يعلموا أن نزيف الخسائر الاقتصادية الآن تجاوز ال 30 مليار جنيه، وهو قابل للزيادة فى ظل العجز المتوقع لميزان المدفوعات المصرى والذى يحدد صافى تعاملاتنا مع العالم الخارجى، فقد كان هذا الميزان يحقق فائضا بلغ نهاية العام الماضى 571 مليون جنيه، ويتوقع أن يحقق عجزا فى الشهور المقبلة لا يقل عن 3 مليارات دولار. والكل يعلم أن الدخل القومى «الموارد» يتحقق من عدة عناصر محددة أهمها الإيرادات السياحية، والصادرات المصرية إلى الخارج وتحويلات العاملين المصريين وعائد الاستثمارات الأجنبية ورسوم المرور بقناة السويس. وإذا كانت عجلة الإنتاج متوقفة والعاملون بالموانى ومحطات الحاويات مضروبين عن العمل.. فماذا سنصدر إلى الخارج وهناك عجز مزمن من البداية بين الصادرات والواردات «الميزان التجارى» بلغ العام الماضى أكثر من 13 مليار دولار! وإذا كانت السياحة حققت العام الماضى حوالى 7 مليارات دولار.. فهل يمكن أن تحقق نصفها هذا العام فى ظل الشغب الدائم والاحتقان المستمر كذلك تحويلات المصريين فى الخارج والتى بلغت 5 مليارات دولار العام الماضى، فلا أعتقد أنها ستحقق رقما يعتد به فى ظل ما يحدث فى البنوك وإغلاق البورصة وحالة الضبابية فى الشارع السياسى. أما الاستثمارات الخارجية فحدث ولاحرج.. فمن هو المغامر الذى يأتى للاستثمار فى مصر فى ظل تلك الظروف؟ وقد يكون المرفق الوحيد الذى يعمل بانتظام حتى الآن هو قناة السويس بسبب عالميته وبعده عن التأثر بالأحداث الداخلية، ومع ذلك فالأرقام المحققة متواضعة ولم تتجاوز ال 3 مليارات دولار. تلك الأوضاع لا يمكن أن تستمر.. لابد من وقفة فمصر فوق الجميع ومصلحة مصر قبل أى مصالح شخصية أو فئوية مؤقتة، وإذا كنا نحيى القوات المسلحة على موقفها النبيل من الثورة والثوار فلا يجب أن نحملها أكثر من طاقتها حتى لا ينفد صبرها.