المرض لا يرحم سواء كان خفيفا أو عضالا.. المرض لا يرحم وخاصة عندما يكون صاحب المرض ضيق الرزق.. قليل الحيلة.. يزيد المرض من صعوبة الحياة عندما تكون هناك أفواه جائعة تمد يدها تطلب الطعام ولا تجده مع أنه لا يعتبر رفاهية، إنما ضرورة من ضروريات الحياة.. وهذه أسرة من ملايين الأسر الكادحة التى نراها حولنا يوميا.. أسرة حكم عليها القدر أن تعيش قهر المرض وذل الحاجة.. وتضطر إلى مد يدها طلبا للعون.. وإذا كانت الأسرة العادية فى هذا الزمن تعيش حياتها بالكاد فما بالنا بأسرة عادية وعائلة مريضة بل أكثر من ذلك ابن من أبنائها يعانى من المرض أيضا.. فماذا يخبئ لها الزمن عندما أصاب المرض الأب كان على مقربة من الستين من عمره، وبالرغم من عمره هذا فإنه كان يعمل عاملا باليومية يعيش مع أسرته الحياة يوما بيوم.. ويساعده أولاده الكبار يعمل كل منهم عملا يدر عليه قوت يومه ويجعله يبدأ حياة ويبنى أسرة نعم الرزق ضيق، ولكن الحياة تسير والأسرة تحمد ربها على ما يرزق.. عاش الأب رب الأسرة حياته منذ بدأ كفاح البقاء لم يفكر أبدا أن ما حدث له سوف يحدث يوما ما.. يعمل من أجل أبنائه ويكافح كفاح الأبطال لتعيش أسرته يحمل فأسه على كتفه كل صباح ويخرج بحثا عن الرزق.. ولكن ما حدث له كان رهيبا لم يستطع استيعابه هو وأسرته بالرغم من مرور سنوات أحد عشر عاما منذ بدأ الكابوس.. فقد أصيب بارتفاع بدرجة الحرارة وأوجاع فى جميع أنحاء جسده كان تفكيره وتفكير من حوله أنه مصاب بنزلة برد حاولوا علاجها، ولكن زادت الحالة وتدهورت صحته وأصيب بآلام بالمثانة واحتباس بالبول.. حمله الأولاد إلى المستشفى المركزى كان الإهمال فى العناية به وبتشخيص الحالة مما أدى إلى تفاقمها، ولكن فى اللحظة المناسبة أرسل له الله طبيبا طلب بعض التحاليل وأشعة مقطعية أثبتت أن هناك ورما بالمثانة وأنه يحتاج إلى نقله على وجه السرعة إلى المعهد القومى للأورام بالقاهرة وقام الأولاد بحمل أبيهم للاطمئنان عليه، وجاءت النتيجة سريعة صادمة أنه مصاب بأورام سرطانية بالمثانة ويحتاج أن يدخل حجرة العمليات لإجراء جراحة لاستئصال المثانة بأورامها حتى لا تتفاقم الحالة وينتشر السرطان وخرج بعد الجراحة ليواجه جلسات العلاج الكيماوى والإشعاعى سنوات وهو يواجه السرطان الذى يحاصره من كل جانب فى أثناء رحلة المرض الطويلة والتى جعلته غير قادر على العمل ومواصلة السعى من أجل البنين والبنات والتى اضطر الجميع إلى الاعتماد على النفس والعمل.. واجهته صدمة عمره.. كاد يفقد حياته بسببها برغم آلام مرضه التى لا تحتمل فإنه كان متماسكا.. صامدا.. ولكن عندما علم بمرض ابنه الأكبر لم يتحمل وسقط صريعا محموما لأيام حتى رأى ابنه ومن شدة خوفه عليه اضطر إلى أن يتماسك وعرف الحكاية التى لم تدر بخلده أو تخطر على باله أو بال زوجته وأولاده.. الابن هو أكبر أبنائه تعلم وحصل على دبلوم تجارة ومنذ نعومة أظافره وهو يعمل ليساعد أبيه وأسرته عاش حياة كلها كد وتعب.. يذهب للمدرسة ويعود فى نهاية اليوم ليعمل هنا وهناك ليوفر لقمة العيش سنوات من العذاب والقهر.. ولكنه بالرغم من ذلك استطاع أن يبنى أسرة ويتزوج ابنة عمه التى وقفت بجواره حتى جاء اليوم الذى أصيب بآلام لا تطاق وكانت آهاته تصل عنان السماء.. بل أطراف القرية وتجوب أزقتها من مشرقها إلى مغربها سمعها الجميع الذين تجمعوا فى دقائق معدودة حملوه إلى الوحدة الصحية وكان علاجه بعض المسكنات التى لم تفلح معه.. اقترح العم حمله للمستشفى العام وقد كان، أجريت له بعض التحاليل وتأكد أنه مصاب بفشل كلوى وأكد الأطباء احتياجه إلى جلسات غسيل دموى ثلاث مرات أسبوعيا.. وأسقط فى يده.. فقد اضطر إلى ترك العمل والتفرغ لجلسات الغسيل فهو لن يستطيع الذهاب إلى العمل بعد يوم شديد الألم.. حيث يخضع لجلسة مدتها تزيد على الأربع ساعات يخرج بعدها منهوك القوى غير قادر على الحركة أو حتى الجلوس.. بل يظل راقدا على سريره حتى موعد الجلسة الثانية، وهكذا أصبح بدون عمل ولديه ابن لا يتعدى السنوات الثلاث ولا يستطيع أن يساعد أبيه مريض السرطان وأخوته الثلاث الطلاب بالمدارس الإعدادية والذين يحتاجون الوقوف بجوارهم بشدة. الأب المريض يحصل على معاش ضمان اجتماعى 125 جنيها شهريا والابن مريض الفشل الكلوى يحصل هو الآخر على نفس المبلغ.. سنوات عجاف ماضية وحاضرة ولا تستطيع الأسرة الآن توفير احتياجاتها.. فهل يجد الرجلان من يقف بجوارهما ويمد يد العون لهما.. فمن يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية؟