“تحت المعطف” هي آخر رواية صدرت للكاتب والروائي السوري عدنان فرزات، الذي يعد من أوائل الكتاب والأدباء السوريين الذين ناصروا ثورة شعبهم ضد الطغيان والاستبداد. وقد صدرت له قبل ذلك أربع روايات، هي “جمر النكايات” 2010 (ثلاث طبعات) والتي ترجمت إلى اللغة الإنكليزية، و”رأس الرجل الكبير” 2011 (طبعتان في العام نفسه)، و”كان الرئيس صديقي” 2013، و”لقلبك تاج من فضة” عام 2014. وقد اشتغل فيها جميعا على الحدث السوري الجديد بامتياز. كما صدرت له مسرحية بعنوان “عنق الزجاجة”، كتبها بالاشتراك مع سليمان آرتي. عن الدوافع التي أملت عليه كتابة عمله الروائي الأخير “تحت المعطف”، يقول فرزات: هذه الرواية كانت استقراء لمأساة اللاجئين التي برزت أخيرا بشكل جلي، لقد قرأت مأساة المهاجرين في البحر قبل استفحالها وكتبت عنها، وفعلا فإن ما حدث لاحقا للاجئين، مكتوب في رواياتي التي صدرت أواخر العام 2014. وتحكي الرواية عن المهاجرين العرب إلى الغرب بطرق التهريب، وكيف يتعرضون لابتزاز المهربين، ثم بعضهم يغرق والآخر يصل، وبعض الذين يصلون يتعرضون للاستغلال من قبل المتطرفين وتجنيد بعضهم، أو يتم استغلالهم إنسانيا من قبل أبناء جلدتهم الذين سبقوهم بسنوات إلى هناك. كل هذا مدون في الرواية كرؤية استشرافية لما يحصل”. يمزج صاحب “جمر النكايات” في مجمل أعماله الروائية بين معاناة الإنسان والحب، ورغم كل المآسي التي تشهدها بلاده النازفة منذ نيف وأربع سنوات، فإنه مازال مؤمنا أن الحب هو سلاحه الأول والأقوى، وهو لا يخفي أنه يستمد هذا الإيمان والقوة وهو يواجه كل هذا الاستبداد ووحشية الطغاة من المحبة، مؤكدا أن “الشعور الوحيد الذي لا تهزمه الحروب ولا يقدر عليه الطغاة هو الحب. أساسا عندما يشعل المعتدي حربا ما، فإن أول ما يفعله هو تحييد المحبة بين الشعب المعتدى عليه كي يسهل انتصار المعتدي، وأول خطوة يقدم عليها الدكتاتور ليتمكن من السيطرة على شعب ما هو أنه يجعل الناس يكرهون بعضهم بعضا من خلال تمييزه لفئة على أخرى وجاهل على صاحب كفاءة، عندها تغفو المحبة، ولكنها لا تموت. ثم ليس هناك حرب استمرت للأبد، ولكن هناك حب استمر للأبد. الجرح النازف في سوريا، لن تداويه سوى المحبة، عندما تنهزم هذه الكراهية المسماة حربا، سيكون العلاج الأجدى هو الحب بيننا هذا هو ضمادنا وضماننا الإنساني الوحيد”. ونستذكر مع فرزات قولا للشاعر المكسيكي أوكتافيو باث “الحب موقف بطولي وأعظم ابتكار للحضارة الإنسانية”. ليحدثنا عن كيفية توظيف نِعمة الحب لخدمة نصه الروائي، فيقول: كلام في الصميم، ولكن ما لم يعرفه “باث” هو أنه بعد رحيله، اكتشفوا بأن زوجته كانت ترسل بزوجها تقارير أمنية عنه لفرع الاستخبارات الذي جندها ضد زوجها، هذا يعني أن الأديب الحقيقي صادق في حبه، وربما مغفل من فرط صدقه فلا يهمه سوى تكريس الحب. آثار الربيع يقولون إن “الرواية تحكي ما لم يقله التاريخ”، يعلق فرزات على هذه القولة قائلا “الرواية نوع من أنواع التوثيق الإبداعي، وفعلا قد تحكي ما لا يحكيه المؤرخون ولكن السؤال هل الروائي بالضرورة أصدق من المؤرخ؟ بالتأكيد ليس دائما، هنا قد يؤرخ الروائي وفق أيديولوجيته أو معتقداته أو فئويته الضيقة ولا يكون أمينا، لذلك أنادي دائما باستقلالية الروائي وعدم انتمائه إلا إلى ضمير الناس”. وعن أسباب ازدهار الرواية في الوطن العربي على حساب الشعر، يرى ضيفنا أن الشعر منذ الستينات وهو يدخل معارك مع نفسه بين أصالة وحداثة وعمودي وتفعيلة ونثر، كل هذا أنهك الشعر، وفي الوقت الذي كان فيه الشعر مشغولا بحروبه، كانت الرواية تسير بخطوات أكيدة نحو مجدها، ومن أجل ذلك كثير من الشعراء تحولوا إلى الرواية. هذا عدا عن أن مساحة الأحداث اتسعت عن مقدرة الشعر على التعبير عن تفاصيلها وأبعادها، وفعلت الرواية ذلك. وبسؤاله هل أن الحديث عن المسكوت عنه أو كسر التابوهات، هل هي ثيمات فكرية تتوارى خلف بنائه الروائي؟ يجيب صاحب “رأس الرجل الكبير”: كسرت كل هذا منذ أول رواية لي “جمر النكايات”، وأنا لا أكسر سوى التابوهات السياسية لأن الجرأة تكمن هنا، فالناس يستلهمون كسر التابوهات الدينية معتمدين على أن الله غفور رحيم، ولكن قلة من يواجهون الطغاة لأنهم لا يرحمون، ولكنني في كل الأحوال لا أكون فجا حين أكسر التابوهات، فأنا أشير إليها بلغة أدبية وليس بحروف مفخخة. أي كما وصفتها في سؤالك “ثيمات فكرية” وليست عسكرية. ويحدثنا فرزات عن أسباب غياب الدور الفاعل للمثقفين العرب ما بعد “ثورات الربيع العربي”، إذ يعتبر أن ما حدث على أرض الواقع في بلدان الربيع العربي من أن الشباب قد سبقوا المثقفين والأحزاب بمسافات ضوئية في حراكهم ومواقفهم في السنوات الخمس الأخيرة. مشيرا إلى أنه تحدث في روايته الأولى “جمر النكايات” التي صدرت عام 2010، عن حراك تقوده شريحة من البسطاء بينما كان دور المثقف سلبيا، ثم بعد أن ينجح البسطاء في قيادة الحراك، يتدخل المثقفون. فالمثقفون الذين كانوا يبيعون وهم الحرية في مسرحياتهم وأشعارهم ورواياتهم وغيرها، تركوا الشعب يواجه مصيره، بل إنهم اصطفوا مع الطغاة، إلا قلة منهم، ولكن عندما ثار البسطاء، ظن هؤلاء المثقفون أن الأمور قد تنقلب عليهم، فقفزوا إلى مركب الناس، ولكن من سوء حظهم أن المسائل تأخرت، فحاولوا من جديد أن يستنفعوا. يرى عدنان فرزات أن “ثورات الربيع العربي” قدمت لنا كتابا وأدباء وفنانين جددا، معتبرا أنه قد ظهرت شريحة جديدة من المبدعين، وهناك أعمال مهمة، بل الأهم من ذلك، في رأيه، ظهور مبدعين جدد على مواقع التواصل الاجتماعي، يكتبون أفضل من المحترفين، ولكن نتيجة لظروف الهجرة وعدم الاستقرار لم يصدروا أعمالهم بعد. ونختم حديثنا مع الروائي عدنان فرزات بسؤاله عن مكانة الرواية السورية الآن في المشهد العربي، وهل هناك أسماء تستطيع إيجاد مكان لها عالميا؟ فيقول “ربما الظروف المأساوية هي العائق الوحيد اليوم، فالسرد السوري متميز والطرح عميق، ولكن الشتات أثر على الحضور الروائي السوري ولكن لا أريد تكريس هذا المبرر لأن الرواية الفلسطينية حققت حضورا في ظروف لا تقل صعوبة. المسألة تحتاج إلى وعي من الأدباء بإبقاء الرواية السورية تتنفس رغم الغرق”.