واصلت إيران لعبة شد الحبل مع مجموعة 5+ 1 وإسرائيل حيث وافقت علي توسط تركيا بينها وبين الغرب لتقريب المواقف بشأن برنامجها النووي المثير للجدل.. وفي الوقت ذاته استمرت في لعبة تبادل الرسائل مع تل أبيب.. فقد كشفت طهران عن تصنيع أول مدمرة من طراز "جمران".. كما أكدت انها تنوي بناء مصنعين جديدين لتخصيب اليورانيوم علي غرار مصنع بوشهر فضلاً عن تبني لهجة متشددة مع حليفتها التقليدية روسيا، مؤكدة أنها ترفض أن تكون ورقة مساومة في يد موسكو. وواضح أن طهران بهذه التصريحات المتشددة تضع كل البيض في سلة الصين التي لاتزال تعارض فرض عقوبات جديدة ضد إيران، مطالبة بافساح المجال لتسوية دبلوماسية. وتراهن إيران علي توظيف الأزمة الحالية بين بكينوواشنطن المترتبة علي صفقة الأسلحة لتايوان، ولقاء أوباما للدالاي لاما لصالح ملفها النووي. في المقابل لم يجد أعداء إيران أدني حرج في الرد علي رسائلها، فإسرائيل دشنت طائرة ضخمة من دون طيار يمكنها التحليق حتي إيران.. كما أطلقت منطاداً مزوداً بكاميرا فوق المثلث الحدودي مع لبنان للتجسس علي ذراعها العسكري المجاور "حزب الله" وتراهن إسرائيل علي الطائرة الجديدة من طراز "حيرون تي بي" القادرة علي التحليق لمدة 20 ساعة دون توقف في حال قررت التحرك عسكرياً ضد البرنامج النووي الإيراني. واللافت أن كشف إسرائيل عن طائرتها الجديدة جاء بمثابة رد علي إعلان طهران نجاحها في تصميم طائرة استراتيجية تعمل بالطاقة الشمسية دون طيار ويمكن استخدامها لأغراض مدنية وعسكرية. وعلي صعيد "حرب الرسائل" قالت طهران إن المدمرة "جمران" التي دشنت الجمعة الماضية نفذت أول مهمة استطلاعية في مضيق هرمز، حيث حلقت مروحيات علي سطح المدمرة وشهدت إنزال مجموعة من القوات البرية علي متنها.. مما يدخل هذه المهمة في صلب تهديدات الحرس الثوري الإيراني بإغلاق مضيق هرمز الذي تمر عبره غالبية نفط الدول الخليجية لأوروبا واليابان والولاياتالمتحدة في حال تعرضت المنشآت النووية الإيرانية لأي ضربات عسكرية. حلف شمال الأطلنطي "الناتو" الذي نأي بنفسه طويلاً عن الدخول في الأزمة الإيرانية بات طرفاً فيها أخيراً بعدما هدد قائده اندرس فوج راسموسن بالتدخل ضد طهران دفاعاً عن النفس إذا ما ثبت أن مرمي صواريخها يشكل تهديداً لأعضاء في الحلف ومعروف أن لدي طهران ترسانة من الصواريخ الباليسيتية التي يبلغ مداها ألفي كيلو متر مما يجعلها قادرة علي ضرب أوروبا. ولم يمض وقت طويل علي تصريحات راسموسن حتي خرج علينا الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة الوسطي للجيوش الأمريكية بقوله انه حان الوقت للضغط علي إيران لارغامها علي احترام مطالب المجتمع الدولي الذي يخشي من امتلاكها للسلاح النووي حتي ولو كانت إلي الآن غير جاهزة لحيازة مثل هذا السلاح. بترايوس زعم أن بلاده قامت بكل ما في وسعها من أجل حل ودي للأزمة النووية الإيرانية لكن موقف الأخيرة بات يرغمها علي التحرك بطريقة أكثر صرامة عبر فرض عقوبات عليها في مجلس الأمن. الملاسنات وحرب الرسائل بين إيران وإسرائيل لم تقف عند حد استعراض ما لدي كل منهما من أسلحة لكنه امتد إلي المجال الدبلوماسي، ففيما كسب بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية معركته مع إيران عبر زيارته السرية والمعلنة لموسكو لبحث الملف الإيراني ويبدو أنه نجح في افساد "العلاقات بين الحليفين".. جاء الدور علي الحليف الثاني لإيران أعني الصين حيث يتوجه وفد إسرائيلي رفيع نهاية الشهر الجاري إلي بكين لاقناعها بتغيير موقفها من النووي الإيراني والموافقة علي فرض عقوبات عليها.. وفي حال حقق الوفد مهمته سيجد النظام الإيراني نفسه في حالة كاملة من العزلة وربما يدفعه ذلك إلي تليين موافقة من صفقة الحوافز التي طرحتها عليه منذ أشهر مجموعة 5+1. والمثير للتأمل أن المواجهة العسكرية قد لا تكون الحل لمواجهة التهديد الإيراني فهناك فريق ناشط بشدة الآن داخل الولاياتالمتحدة لا يري خطورة علي المصالح الأمريكية من القنبلة النووية الإيرانية زاعماً أن ثمة مكاسب لواشنطن في حال امتلكت إيران قنبلتها النووية في مقدمتها أنها ستتصرف بطريقة أكثر مسئولية.. كما أن المخاوف منها من شأنها أن تدفع التسوية السياسية قدماً بين الفلسطينيين وإسرائيل.. أكثر من هذا فإن تجربة الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي السابق وكذا ما يحدث حالياً بين الهند وباكستان يؤكد أن إيران النووية ليست شراً مستطيراً.. إذ يمكن معها. كل ما هنالك أن هذا التطور يحتم علي واشنطن عرض مظلة دفاعية علي حلفائها العرب "والخليج تحديداً" مقابل ثمن محترم، كما يتهم مد إيران. كما أن تداعيات هذا الحدث ربما تعجل بالاصلاحات السياسية في دول الخليج التي تشكل خطراً علي أمن الولاياتالمتحدة لتورط مواطنيها في هجمات 11 سبتمبر.. والأهم من ذلك أن إيران النووية ستكون عاملاً لاحداث تغييرات نوعية في دول الجوار الإيراني كما ستمنح واشنطن الفرصة لتشكيل تحالف عراقي سعودي للوقوف في وجه التهديد الذي تشكله إيران. تري هل تتحقق هذه النبوءة وتتعايش واشنطن وتل أبيب مع طهران علي حساب الأمن القومي العربي أم أن هذه المقولات ليست أكثر من محذر تلقيه إدارة أوباما علي ملالي طهران لاقناعهم بعدم جدوي العمل العسكري حتي تحقق عنصر المفاجأة.. تماماً مثلما حدث مع صدام حسين الذي استبعد بالمطلق غزو العراق استناداً علي حسابات عفا عليها الزمن.. تجربة غزو فيتنام وما أعقبه من مبالغات بشأن الحفاظ علي أرواح الجنود الأمريكيين.. ولم يضع في حسابه أن قواعد اللعبة تغيرت وأن "المرتزقة" باتوا الوقود لحروب الولاياتالمتحدة في العراق وأفغانستان.