عندما دخلت الكافتيريا في فندق شام بالاس في دمشق، كنت أبحث عن صلاح الدين (الأيوبي)، القائد الكردي من القرن الثاني عشر الذي لعب دوره الممثل السوري غسان مسعود في الملحمة الجميلة التي صورها المخرج ريدلي سكوت في فيلمه عن الحملات الصليبية "مملكة السماء". وها هو هناك، يشبه صلاح الدين تماماً، ولحيته تتحول إلي اللون الأبيض، ويداه الكبيرتان المعبرتان تتحركان بغضب حول رأسه وهو يتحدث عن الدمار في العراق، معبراً عن نفس الغضب المكتوم، ونفس الإنسانية وبنفس الإنجليزية المتعثرة كما فعل في الفيلم السينمائي. غسان مسعود ممثل معروف في الأفلام السورية أيضاً، وأبدي عمال الكافتيريا اهتماماً ملحوظاً بالشخصية الشهيرة في زاوية الكافتيريا بالإضافة إلي أن سياسته بنفس حدة سياسة صلاح الدين الذي يقع قبره الحقيقي المغطي بقماش أخضر علي بعد أقل من نصف ميل من مكاننا، قرب عظمة الجامع الأموي. يقول غسان "لا أستطيع أن أتخيل أن ما يحدث في العراق حقيقي، لا أستطيع أن أصدق أن هذا الوضع أفضل من أيام صدام حسين. هذا البلد العظيم الذي اسمه العراق ليس عدلاً أن نري هذا، علينا أن نعد أنفسنا لمستقبل دموي جداً في العراق. أعتقد أن (الوضع هناك) وصل إلي حرب أهلية شكراً لك، يا جورج بوش. يميل غسان إلي الخلف في كرسيه أمامي، ويستذكر "المجتمع المدني" والصداقة نحو الغرب التي أظهرها الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي. "يا لها من غلطة ارتكبها بوش في عدم بدء حوار مع خاتمي. لم تكن أمريكا مهتمة بهذا الرجل. ولذلك حصلوا علي (الرئيس الجديد) أحمدي نجاد. وهل تعرف ماذا نسمع؟ "انظروا إلي الإيرانيين، إنهم متعصبون لقد انتخبوا أحمدي نجاد" هناك أوقات يذكرني فيها غسان مسعود بالصحفي الأمريكي الجريء سيمور هيرش. وتتدفق الأفكار والغضب فيما يشعل غسان سيجارته الثالثة. بإمكان المرء أن يري لماذا استمتع بلعب دور في بلاد الصليبيين في فيلم سكوت، مصمماً أن يمتطي جواده بدلاً من الاستعانة بالبديل غسان أصلاً من الريف الوعر حول طرطوس ولم يوافق علي لعب دور صلاح الدين إلا بعد أن تأكد أن النص يحترم ثقافته. وهو أحد الأسباب التي رفض من أجلها أداء دور في الفيلم الجديد"سيريانا" وهي قصة عن النفط ووكالة الاستخبارات المركزية والحكام العرب. "هناك الكثير من التهجم علي الإسلام في الغرب هذه الأيام، التقيت مع المخرج ستيفن جاجان في دبي لمناقشة فيلم "سيريانا" سألته لماذا اسم "سيريانا"؟ إنه أحد الأسماء التاريخية لبلدي، لماذا وكالة الاستخبارات المركزية؟ لماذا النفط؟ قال إنها وجهة نظر. شعرت بالخوف، عندما يجعلك شيء تشعر بالخوف، أقول لك عليك ألا تفعله. مهنتنا حساسة جداً جداً جداً. لا تستطيع أن تمثل فيلماً إذا كانت لديك شكوك بالنص. ولكن عندما التقيت مع ريدلي سكوت منذ اللقاء الأول في إسبانيا، وثقت بهذا الرجل. كان رجلاً نبيلاً، فيه صفات الفرسان، ولذلك سلمت نفسي لفيلمه. لكنة غسان الإنجليزية اللطيفة بغرابتها تتوافق مع الطريقة السورية البحتة التي يعبر بها عن نفسه، وهو يدفع بيديه إلي الأمام وإصبعي الإبهام إلي الأعلي ليعبر عن الموافقة، وهو شيء فعله في فيلم "مملكة السماء" عندما يسلم الصليبي باليان القدس لصلاح الدينيقول غسان مسعود إن ريدلي سكوت أراد أن يصنع فيلماً كما يحلم.. بالنسبة إليه كانت رواية فيها (شخصيات) باليان وريتشارد قلب الأسد وصلاح الدين. أستطيع أن أفهم فيلمه من هذا الجانب. هذا لا يعني أن الوضع (في ذلك الوقت) لا يبدو مثل (العراق) اليوم. تعرف أنه في نهايات الفيلم هناك مشهد عندما يتقاتل الجنود الصليبيون والمسلمون وتتم إبطاء حركتهم حتي تتوقف تماماً علي الشاشة. بهذه الطريقة نجد باليان وصلاح الدين وجهاً لوجه وعليهما أن يتحاورا. "أراد سكوت أن يقول، علي ما أظن، إن الحروب لا تستطيع أن تعطينا حلولاً جيدة. الشيء الوحيد الذي أضفته إلي النص هو المشهد الذي يذهب فيه صلاح الدين إلي القدس ويضع صليباً واقعاً في مكانه علي مذبح الكنيسة. قال سكوت "حسناً، فلنفعل ذلك أراد أن يظهر ذلك الجانب من شخصية صلاح الدين". إنه مشهد لقي الإعجاب الكبير في العالم الإسلامي