فرضت الأحداث الجسام التي وقعت بمقر حزب الوفد الجديد بمقره الرئيسي بالدقي في 1/4/2006 من نفسها علي اهتمام وترقب الشارع السياسي يواكبها اهتمام إعلامي كبير.. حيث الخبر والتطورات.. إلي مستوي التحليل والاجتهاد والتنبؤ.. خاصة وان تلك الاحداث والوقائع نقلت الصراع بين طرفيه من حلبة السجال والاحتدام السياسي والاحتكام القانوني والقضائي.. إلي ساحة المعارك الدموية الجنائية والثأرية فأسفرت عن جناة ومتهمين ومصابين وحرائق وتدمير وترويع. بل أدت علي نفس المستوي من طبيعة الحدث ووقائعه إلي إصدار النيابة العامة قرارها باحتجاز رئيس الحزب العريق والذي يصارع للاستمرار في موقعه كرئيس للحزب.. وكذا الذين شاركوا في تفجير الاحداث ومن بينهم نائب بمجلس الشعب ونجلاه. ثم صدور قرار النيابة العامة باستمرار حبسهم ونقل الدكتور نعمان جمعة إلي مستشفي السجن خاصة انه يعاني من عملية جراحية بالقلب سابقا وهو ما دعا أقلاما صحفية ومبادرات إنسانية إلي حث المستشار مصطفي الطويل - والذي أكدت لجنة شئون الأحزاب مؤخرا رئاسته للحزب - لطلب زيارته لتلك الاعتبارات الإنسانية - بصرف النظر عن الصراع السياسي والحزبي - إلا أن التصريحات التي نشرت علي لسانه في الصحف وان عبرت بانه يري ارجاء ذلك.. واختيار الوقت المناسب لتلك الزيارة.. فهي توحي في نفس الوقت ترقبه وزملاءه لتقديم خصومهم - وفي مقدمتهم الدكتور نعمان للمحاكمة لتوقيع العقوبة المناسبة عليهم!! إلي هنا.. ومازال الموقف رهنا بمتابعة وترقب ما يستجد ليس من الشارع المصري فقط.. بل من الشارع العربي ودول المنطقة التي تتأثر أبد الدهر بما يجري سياسيا بمصر من تطورات.. بصرف النظر عن انه شأن داخلي.. لما تمثله مصر من "بوصلة" للحراك السياسي تأثيرا وتأثرا في المنطقة فتتشكل معها توجهات المستقبل كما يسجل بمشاركتها سطور التاريخ في الماضي. وقد جسد المراقبون في مجال الإعلام والسياسة والفكر وقائع الاحداث.. واسبابها وردود فعلها.. وفق بعض الثوابت المهمة.. التي اتفقوا علي أهم دلالاتها كالاتي: أولا: علي الرغم من أن الصراع والخلاف داخل حزب الوفد الجديد.. بدأ يشتد بين الدكتور نعمان جمعة ومؤيديه من جانب.. ومجموعة الإصلاحيين الذين تصدرهم النائب محمود أباظة خاصة بعد إخفاق النائب السابق منير فخري عبدالنور في الانتخابات الاخيرة لمجلس الشعب.. وفصل د.نعمان جمعة له من منصبه بالحزب.. وذلك منذ عدة شهور.. إلا أن تورط الدكتور نعمان جمعة في الاحداث الدامية التي وقعت بمقر الحزب الرئيسي مؤخرا.. شكل صدمة كبيرة للرأي العام - بمختلف شرائحه - خاصة في ظل ما يستشعره المواطن.. حتي ولو كان بسيطا.. من اجلال واحترام لرجال القانون والفقه خاصة اذا اقترنت مواقعهم بشريحة العلم والعلماء في اعضاء هيئة التدريس بالجامعات والذين حملوا أمانة ابناء الأمة من شباب وفتيات ليتسلحوا بجانب العلم بمبادئ العدالة التي تستند علي الحق والواجب. ثانيا: إن الاحداث والوقائع وإن قامت بها مجموعات أو أفراد.. فان جسامتها ليست فقط في أسلوبها أو نتائجها.. ولكن فيما أصابته في عراقة حزب ارتبط تاريخيا في وجدان الشعب المصري بالنضال ضد المستعمر.. ورفع شعار "الحق فوق القوة.. والأمة فوق الحكومة" وجسد الوحدة الوطنية في مسيرة كفاحه.. وطالب بتحقيق الديمقراطية في منابره وصحفه.. فتكشفت الحقائق يوما بعد يوم.. ان حجم تأثير هذا الحزب العريق.. تقلص علي يد من يديرونه الي حد النتائج التي أحرزها مؤخرا في انتخابات رئاسة الجمهورية.. ثم مجلس الشعب.. بل وتأكد جهارة من خلال وقائع الاحداث ان اسباب انقساماته افتقاده للديمقراطية واحترام الرأي الاخر بداخله.. وان خصومات اطرافه تشتد ليس لتنفيذ "فكر الحزب وسياساته.. بل لتفكير كل الاطراف المتنازعة في تحصين موقفها.. وموقعها.. وكيفية مواجهة الطرف الاخر في الساحة التي يختارها للمواجهة أو العراك"!! ثالثا: ولكن .. ومع ذلك.. ورغم اجماع ملحوظ حول ما سبق من تسجيل للوقائع أو تحليل للاحداث.. إلا ان هناك اجماعا حياديا آخر في أوساط المحللين والمفكرين والكتاب والسياسيين.. علي استخدام "كلمة أو فعل" تورط ليسبق اسم الدكتور نعمان جمعة عند ذكر الاحداث الاخيرة التي وقعت بمقر الحزب يوم 1/4/2006 والتي ادت به شخصيا الي المأزق السياسي والقانوني الذي يمر به حاليا.. فهل استخدام تلك "الكلمة أو الفعل" نتيجة انطباع جماهيري بأنه كان من الاستحالة تصور انزلاق الدكتور نعمان لمثل هذه الاعمال والافعال!! فان كان بعض المقربين منه يذكرون انه لا يستطيع التحكم في انفعالاته وردود فعله احيانا.. إلا أنهم يذكرون في نفس الوقت ولا ينكرون ما له من طبائع أخلاقية وإنسانية بعيدة عن تلك الشوائب.. أم أن استخدام تلك "الكلمة أو الفعل" كان استخداما صحيحا وليس عاطفيا فقد تكشف التحقيقات عن المصدر المتسبب لتورطه والذي ادي به الي افتقاد الحكمة والتوازن للتعامل مع مجريات الاحداث.. وفق القانون وقواعد الحنكة السياسية!! وقد أشير هنا إلي ما أوضحته عبر سطور مقال سابق نشر بجريدة نهضة مصر العدد 559 في 29 يناير 2006 حول "أزمة الوفد" جاء به "دون الدخول في تفصيلات الصراع داخل حزب الوفد الا ان الغالبية يستشعرون بأسف شديد لكيفية ادارة الصراع والازمة داخل هذا الحزب بتراثه العتيد.. وبين قياداته من نخبة ثقافية مثقفة.. لكل منها تاريخها وموقعها علي الخريطة السياسية بمصر. وإذا كانت تلك الاحداث والتطورات.. تجري بأكبر أحزاب المعارضة في مصر.. وفي المرحلة الأولي للتغيير والاصلاح.. وما بعد انتخابات الرئاسة وكذا انتخابات مجلس الشعب فكيف نتصور الموقف مستقبلا في كيان "المعارضة الشرعية" التي تمثل جزءا من النظام السياسي في مصر.. فالوجه الآخر للاغلبية لابد أن يكون "المعارضة السياسية" فكيف نتصور الموقف والاربعة احزاب المعارضة والمعروفة والقديمة.. والتي يذكر الجماهير اسماءها "الوفد - التجمع - الأحرار - الناصري" الي جانب حزب حديث كالغد جميعها تتصدع من الداخل.. وتتعدد قيادات بعضها مما جعلها شراذم واجنحة.. فأصبحت معاركها ونضالها معاول لهدمها.. وليست إضافة لنظام سياسي مستقر يرتبط بمنهاج ديمقراطي.. وتعددية حزبية.. تتطلب جهدا وانتاجا وحركة لحل مشاكل المجتمع.. وترسيخ مواطن التغيير والتطور والتحديث .. والامل في المستقبل!!" وتضيف السطور في هذا المقال منذ شهر يناير الماضي: "إن غالبية الاحزاب وقياداتها الحالية والتي خاضت معركة الترشيح في مواجهة حزب الاغلبية تتطلب "وقفة موضوعية" لمعالجة مواطن الضعف فيها وكيفية تطوير نفسها وبرامجها وكوادرها.. لتتواءم مع طبيعة المرحلة الحالية والمستقبلية حتي تتعايش مع الحراك السياسي بنظرة موضوعية وليست شكلية.. وحتي تضيف للتجربة الديمقراطية بثقة واعتزاز ولا تكون خصما عليها.." وانتهت تلك السطور - حينذا - بهذا التساؤل: هل تنتهي أزمة حزب الوفد في إطار تلك الرؤية.. أم ان توابعها واستمرارها سيكون لهما أثرهما ليس فقط علي الحزب بل علي "وجه التجربة الحزبية بمصر" بشكل عام.. خاصة مع ما يجري من احداث مماثلة - مازالت مكتومة في احزاب اخري؟!. ألستم معي الان.. أن توابع أزمة حزب الوفد واستمرارها.. خاصة بعد الاحداث والوقائع الاخيرة.. ستكون لها آثارها المستقبلية علي الحزب.. حتي لو اعتقد البعض - بحسن نية أو بدافع القناعة بمجريات الواقع الحالي ولو مؤقتا - ان الامور حسمت بلا ذيول؟! ألستم معي.. أن توابع واستمرار أزمة حزب الوفد.. خاصة بعد الاحداث والوقائع الاخيرة.. وعدم اكتراث اي حزب من احزاب المعارضة.. خاصة بعد انتخابات رئاسة الجمهورية.. وانتخابات مجلس الشعب في الاقدام علي اتخاذ خطوات ايجابية "ووقفة موضوعية" مع نفسها لمعالجة مواطن الضعف فيها وكيفية تطوير نفسها وبرامجها وكوادرها.. سيكون له آثاره وانعكاساته علي "وجه التجربة الحزبية بمصر" بشكل عام.. خاصة وقد بدأ الآن ظهور وانكشاف الصراعات المكتومة.. والخلافات التي قد تقترب فجأة من مواطن التصدع والانفجار.. كما حدث بحزب الوفد!! وأخيرا.. فلابد ألا نترك الاحداث بتوابعها وآثارها تعبر علينا.. أو نعبر نحن عليها.. خاصة إذا ما كانت ترتبط.. بكيان الدولة السياسي.. ودستورها.. والذي يرتكز علي التعددية الحزبية والرأي والرأي الاخر.