عندما وقفتم مع الوطن كله واحتضن الهلال الصليب في 25 يناير سقط الطاغية بعدها مباشرة، وعندما اكتشف المسلم والقبطي أن الآخر مختلف عنه، سرق الأوغاد الثورة من الجيل الشاب غير الحزبي والذي اكتسب معرفته وتجربته السياسية من الإنترنت لا من الكتب الايديولوجية ولا حتى من الممارسة اليومية. الآن وبعد مرور أكثر من عامين على انهيار النظام السابق، تبدو الأوضاع بعيدة كل البعد عن الاستقرار، أما الانتهاكات فما زالت مستمرة، وكذلك الحال مع القمع الفكري والحجر على الحريات والفساد والتبعية السياسية لقوى الهيمنة العالمية.
الشعب المصرى اكتشف عدم وجود فرق يذكر بين النظام السابق الذين قاموا بثورة عليه وأسقطوه، وبين النظام الحالى الذى يتبع نفس السياسات، لكن بعد أن ألبسها ثياب الدين، وهذا أمر لن ينخدع به المصريون مرة أخرى .
الشارع المصري يصرخ بصوت عال، إن الوقت داهم وكذا الخطر، الذي لا يحتمل ازدواجية الاخوان حيث إنني لا أستطيع أن أصدق من يتحدث باسم قيم التسامح واستعداد الإسلام لاستيعاب المختلفين من أبناء الأديان الأخرى خارج بلده، في نفس الوقت الذي يقوم فيه ببث الكراهية داخل بلده وضد أتباع مذهب مغاير لمذهبه وليس لدينه.
تيار الاسلام السياسي يتميز بالطائفية وبدليل موقفة من الازهر الشريف، والذى حاول فيه تحويل الأزهر من مؤسسة دينية كبرى الى مجرد مجلس دينى يمكن تسييسه لترويج أفكارهم، معتقدا بأنه يمتلك تفويضاً إلهياً لإقامة دولة الشريعة.. وهنا تكمن المشكلة الحقيقية.. فالعمل والتنظير والتخطيط بوحي من هذه القناعة، يعني أن أي اختلاف مع هذه الجماعات هو اختلاف مع الله جل وعلا.. وهو ما يجعل من جمهور هذه الجماعات مستعداً لفعل أي شيء وكل شيء في سبيل نصرة ما يعتقدون أنه الإرادة الإلهية. إنهم لا يتورعون عن ارتكاب الكذب وإلصاق الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة بخصومهم.. حتى القتل فهم لا يجدون حرجاً في الإقدام عليه، رغم كل النواهي الصريحة التي تضمنها القرآن الكريم بهذا الخصوص.
ما لا تفهمه هذه الجماعات هو أنها تقدم وجهة نظرها واجتهاداتها الخاصة في فهم الدين، ولا تقدم الدين ذاته ولا تمثل الله نفسه. وهذا يدحض مبدأ أو مفهوم الحاكمية الذي يعتبر حجر الزاوية في أيديولوجيا جميع جماعات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.
ان حرية الدين والعبادة مكون حيوي في المجتمع الديمقراطي ومن المهم أن يكون لدى جميع الأفراد الحرية في زيارة أماكن عباداتهم بشكل أمن وسلمي، وأن تقوم قوات الأمن بالعمل بشكل مؤثر على حمايتهم.. ولكن حدث العكس عندما اندلعت اشتباكات عنيفة بمحيط مبنى الكاتدرائية المرقسية للأقباط الأرثوذكس عصر الأحد الماضي، خلال تشييع جثامين 4 من الشباب المسيحيين قضوا في حوادث عنف طائفي نشبت بمدينة "الخصوص" التابعة لمحافظة القليوبية شمال القاهرة.
لقد تجاوزت الأعمال الإرهابية التي يتم تنفيذها على أساس طائفي في مصر، كل الحدود، منذ إسقاط نظام مبارك و بدون مواقف واضحة ضد من يجرمون في حق المسيحيين .. ولابد ان يكون المسئول عنه عبرة حتي لايلعننا التاريخ. وربما يكشف التاريخ مدى ارتباط هذه الجماعات التكفيرية الارهابيه بالجهات الأجنبية التي تسعى لتقسيم مصرعبر فوضاها الخلاقة.
سيتحمل الرئيس مرسي عاراً لم يحمله أى رئيس مصري من قبل في التاريخ، حيث أن عهده البائس الأسود تمت فيه مهاجمة الأزهر الشريف قلعة الإسلام، كما هوجمت فيه كاتدرائية العباسية قلعة المسيحيين الأرثوذكس .
الظلم لا يمكن أن يكون مبررًا لممارسة الإرهاب، والسكوت عن الجرائم الإرهابية لمجرد أن من يقوم بها يشترك معك في حالة الخلاف أو حتى العداء السياسي التي تجمعك بالحزب أو التيار أو الشخص الذي تكن له العداء، هو أسوأ من كل المظالم التي يمكن أن يرتكبها الطرف الذي تدعو لإسقاطه بسبب استبداده أو فساده أو حتى فاشيته.
السكوت عن الإرهاب، إرهاب.
أن ما يحدث من أحداث عنف وافتعال للأزمات بين جناحي مصر المسلمين والمسيحيين ما هو إلا وسيلة لاستدراج مصر لفتنة طائفية بغيضة ممنهجة، لتقسيم مصر بعد دخولها في حرب أهلية يجب أن نحول جميعًا دون وقوعها بكل ما نمتلك من جهود وإمكانات. في سبيل إعلاء قيمة المواطنة وفي سبيل الدفاع عن الوحدة الوطنية، بل وفي سبيل إعادة الاعتبار لقيم التسامح في الإسلام الذي جنى عليه المتطرفون كثيراً.
وطن واحد.. شعب واحد.. نيل واحد، مسجد و كنيسة متلاصقان، أذان وجرس متناغمان.
وفي النهاية.. اقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيفتح الله عليكم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم نسبا وصهرا(.
أيها المراؤون ...
توقفوا عن الدفاع عن الله بقتل الانسان
ودافعوا عن الانسان كى يتمكن من التعرف الى الله
جبران خليل جبران
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أوالقائمين عليه