• الإتحاد السوفيتي رفض صد العدوان الثلاثي خشية حرب عالمية جديدة • ناصر خشى انقلاب الجيش عليه إذا أقال المشير • ثورة يوليو هدفت لإنهاء فساد القصر وليس إسقاط الملكية • شمس بدران وسامي شرف أسوأ رجال النظام • أموال يهودية وراء قنبلة إسرائيل الهيدروجينية. كتبت – شيماء عيسى كتب الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مذكراته لتكون شاهدة على كل ما طالعه من أسرار نظام عبدالناصر والسادات، وباعتباره أحد الضباط الأحرار الذين صنعوا ثورة يوليو 52 والملحق المصري الدبلوماسي والعسكري لدى الغرب لسنوات طويلة ، فإنه كان بحق يكتب من داخل مطبخ الحكم بالعبارة الشعبية . وفي مذكرات الرجل الذي فارق عالمنا مؤخرا عبرة هامة لتشابه أحداث زمانها مع مجريات الأحداث اليوم إلى حد بعيد .. وتكشف المذكرات حقائق جديدة منها أن عبدالناصر كان يشرع في خطة عشرية لتشكيل اتحاد جمهوريات عربية على غرار الاتحاد السوفيتي، وأنه اعترف بعد نكسة يونيو بأن نظام الحكم المنفرد جاء بمراكز قوى تحكم مصر . المذكرات وضعها صاحبها عام 1988 في طبعة أولى عن دار الشروق . وينقل عكاشة في المذكرات عبارة عبدالناصر التي استهل بها اجتماعه بالوزراء بعد قرار التنحي "لقد سقط النظام .. ولا أصدق أن الذين نزلوا للشوارع كانوا يعبرون عن ثقتهم به، لذا فقد شكلت وزارة جديدة وسأرأسها بنفسي"! . بداية الضباط الأحرار تخرج ثروت عكاشة بسلاح الفرسان 1939، وانتقل بعدها لسلاح المدرعات الذي أصبح فيما بعد أحد قياداته، وشهد عمليات تأمين مصر خلال الحرب العالمية الثانية . في هذه الأثناء يروي أنه رفض وزملاؤه إطاعة أوامر رؤسائهم بإخماد الثورة الشعبية التي انطلقت على إثر ضرب الإنجليز من ثكناتهم للمصريين المطالبين بالجلاء عن بريطانيا بميدان الإسماعيلية ( التحرير حاليا) ، وكانت تلك بداية شرارة تنظيم الضباط الأحرار. وفي كلية أركان الحرب ربطت الصداقة بين عكاشة وعبدالناصر وعبدالحكيم عامر والبطل أحمد عبدالعزيز وخالد محيي الدين وغيرهم من مشاهير العسكرية المصرية ، ويروي عكاشة كم كانوا يشعرون بالخجل من زي الجيش الذي يساند حكومة مدعومة من المحتل الأجنبي ولا يساند الشعب التواق للحرية . وحدث أن شكلوا خلية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين من ضباط الجيش، وظلوا ينشرون الدعوة للإصلاح حتى قامت حرب فلسطين 1948 . حين نشبت حرب فلسطين كان عكاشة ضابطا للمخابرات الحربية بالقطاع الجنوبي هناك ، ويشهد في مذكراته أن القوات العربية لم تكن مسلحة جوا ولا بحرا ولا برا لملاقاة عصابات الصهيونية التي زادت عن أربعين ألف مقاتل مسلح ، ومع ذلك قاومت عناصر الجيش العربية لآخر نفس فيها وكان لليوزباشي عبدالحكيم عامر دوره البطولي في اقتحام مدينة نيتسانيم . لكن ما الذي يفيد المقاومة والاعترافات الأوروبية والأمريكية بدولة إسرائيل كانت تنهال يوما بعد يوم في تحد سافر للعرب!، والحقيقة أن المذابح كانت يومية بحق الأبرياء الفلسطينيين ، حتى أن قرية واحدة كديرياسين أبيدت بالكامل عن بكرة أبيها. وللأسف لم يتمكن الضباط المصريين رغم بسالتهم وبسالة العسكريين العرب من إحراز هدفهم في التخلص من الصهاينة لفساد أنظمتهم ، وربما ذلك ما دفع لتشكيل ما أطلق عليه حركة "الضباط الأحرار" بقيادة جمال عبدالناصر عام 1949 وكان حينها لايزال مدرسا بكلية "الأركان حرب" ، ثم بدأت منشورات الحركة تنتشر بالجيش وتحذر من فساد القصر والجيش والحكومة، فيما كان البوليس السياسي التابع للقصر يتعقب الحركة الوليدة بالمرصاد . كان مجرد حمل تلك المنشورات كفيلا بتعريض أي ضابط لحبل المشنقة، ومع ذلك حملوها، وكان أبرزهم في هذا الصدد الضابط خالد محيي الدين . أما الدعوة التي أطلقوها فكانت تهدف للقضاء على الاستعمار وأعوانه المحليين وإطلاق الحريات العامة للشعب وإقامة جيش وطني مجهز ويساهم باسترداد فلسطين . ومع مطلع الخمسينات أعلنت حكومة الوفد إلغاء المعاهدة المصرية البريطانية ، وبدأت كتائب الفدائيين تطهر قناة السويس من جنود الاحتلال الإنجليزي، وهنا بدأ الدور البطولي للضباط الأحرار وجماعة الإخوان المسلمين حين أمدوا الفدائيين بالتدريب والمنشورات والسلاح سرا رغم حساسية مناصبهم . وشهدت القاهرة في هذه الأثناء حركات كثيرة تنادي بسقوط الملك ، وبعد أن تم حريق القاهرة الشهير، كان رد القصر هو تغيير الحكومة، لكن ذلك لم يكن بالذي يجدي نفعا . وانطلقت حركة الضباط بقيادة اللواء محمد نجيب ، وتكشف المذكرات خطط (مرفق نماذج منها) الإستيلاء على المنشآت الحيوية من مؤسسات إعلام ومواصلات وجيش وداخلية ومطارات ، وكان ثروت عكاشة مختصا بالمدرعات ، وبالفعل تحقق ما أرادوا وتلا محمد أنور السادات بعد ثلاثة أيام من قيام الحركة بيان الثورة الأول الذي أجبر الملك فؤاد على التنازل عن عرش مصر لولي عهده الأمير أحمد فؤاد ومغادرة البلاد ، وأصبح مجلس قيادة الثورة - 13 ضابطا- هو الوصي على العرش ، ولتلغى الملكية بعدها وتعلن الجمهورية بعد عام واحد من نجاح الثورة ومؤازرة المصريين لأهدافها. لكن الخلافات دبت بين الضباط الأحرار بعد نجاح الثورة ، وتحديدا خلال السنوات الانتقالية الثلاث التي أعلن عنها عبدالناصر بعد أن أطاح بنجيب من الحكم، والواقع أن الأول كان مصر على حكم قيادة الثورة من الضباط الأحرار، ورأى الثاني تسليم السلطة للشعب بعد انتخابات نزيهة .. وتأجج الصراع خلال ما عرف بأزمة مارس 1954 ، وما تلتها من حملة اعتقالات لجماعة الإخوان المسلمين .. وقد وقف كاتب المذكرات مع وجهة النظر الثانية المنادية بالديمقراطية ، وهو أحد أسباب إصرار عبدالناصر على أن يبعده عن تشكيلة مجلس الثورة ويرسله مبعوثا عسكريا لمصر بالخارج . أيضا اشترط ناصر على وزراء الحكومة ألا يتدخلوا بالرأي في السياسة ولا الأمن القومي، لأن القرار فيها قراره وحده ، ولم يكن بمقدور أحد الاعتراض وبينهم ثروت عكاشة والذي عاد من الخارج ليتولى وزارة الثقافة ، لأنه كان يعلم جيدا أن شرعية عبدالناصر مستمدة من نظام الاستفتاء الشعبي ولا يمكن الطعن عليها بأية حال، كما أنه يشهد لناصر بوطنية نادرة لم يفسدها غير رجاله المحيطين ! مصر في قلب الصراع ظل ثروت عكاشة ملحقا حربيا يرسل المعلومات لعبدالناصر وخاصة من سويسرا وإيطاليا وفرنسا، ويشهد أن ناصر أخبره وتحديدا ابتداء من عام 1954 بأنه يريد إنهاء خدمة الضباط الأحرار بالجيش حتى لا يزج به في السياسة لأن مشاكلهم بدأت تؤرقه. في هذا الوقت راقب عكاشة تطورات الموقف بعد تأميم عبدالناصر لقناة السويس حين اعترضت أمريكا وحلفاؤها على تمويل مشروع السد العالي، وما تبع ذلك من العدوان الثلاثي ( فرنسا وإسرائيل وبريطانيا) على مصر 1956 بسبب تأميم القناة ودعم مصر للشعوب التواقة للحرية كالجزائروفلسطين. ومن جهة أخرى يروي عكاشة أنه شاهد من داخل الأروقة الفرنسية خلال عمله مدى الدعم العسكري الذاهب لإسرائيل، والإصرار أيضا على أن تكون الجزائر مستعمرة فرنسية واستمرار المجازر الوحشية هناك ، وكان هناك فريقان منقسمان ، أحدهما مع العرب ومن أبرز وجوهه ديجول ، وفريق آخر ضدهم ويساند الحملة الأوروبية التي تشوه مصر وعبدالناصر . كان عبدالناصر يكلف عكاشة إلى جانب عمله سفيرا بأن يجمع معلومات تفصيلية عن التسليح الغربي وخاصة لإسرائيل، وموقف العدو الاقتصادي، وبين ما اكتشفه دعم أثرياء أمريكا والعالم من اليهود لمشروع القنبلة الهيدروجينية بإسرائيل وتقدر بمليارات الدولارات . وفي هذا التوقيت كانت فرنسا وألمانيا ومعظم أوروبا قد وقعوا بالفعل تحت الهيمنة الأمريكية في محاولة للهرب من تزايد النفوذ السوفيتي! . صحوة التغيير اهتمت الثورة بمحاسبة أعوان الاستعمار الإنجليزي الذين كانت أجهزة الأمن تدون أسماءهم جميعا . كما خطت مصر خطوات واسعة للقضاء على الإقطاع عبر إنشاء السد العالي وقرارات الإصلاح الزراعي ، التي جعلت الفلاح مالكا للأرض التي يزرعها، في حين أبقت للملاك ما لا يزيد عن مائتي فدان لكل فرد . وبالطبع كان لهذا القرار جوانب إيجابية نابعة من روح الاشتراكية التواقة لتوزيع الثورة، ولكن كان يحدث مضار أيضا حين أدى لتدهور إنتاجية الرقعة الزراعية التي صارت مفتتة ، كما ينتقد صاحب المذكرات فكرة نزع ملكية شخص حصل على ثروته بشكل مشروع وبلا استغلال للنفوذ في العصر الملكي ، وإعطائها لآخر متواكل على الدولة في رزقه . لقد استطاع ناصر أيضا تحقيق إنجازات صناعية منها مثلا مجمع الحديد والصلب الذي جاء بسلفة من الاتحاد السوفيتي 156 مليون روبل تم تسديدها بعد عام واحد من دوران عجلة إنتاج المصنع الهائل، وجاء بعده مصانع الألومونيوم والسماد ومن الجانب السياسي أشاد المؤلف بتأسيس عبدالناصر بمرافقه الزعيمين نهرو وتيتو لمنظمة عدم الإنحياز التي وقفت بين الكتلتين الشرقية والغربية . ولعل ذلك ما دفع أمريكا لرفض تمويل السد العالي، فرد عبدالناصر بتأميم شركة قناة السويس وما تلاه من تأميم البنوك بداية من بنكي "الأهلي" و"مصر" عام 1960 لتوفير تمويل للخطة الخمسية التنموية والتسليح. عبدالناصر يعترف يقول ثروت عكاشة أن عبدالناصر صدمته نكسة يونيو 67 ، وقد اجتمع برجاله في الحكومة ليؤكد لهم أن الدولة أصبحت تسيطر عليها مراكز القوى وأنه لا يريد استمرار نظام الحزب الواحد الذي ثبت أنه يفضي إلى دكتاتورية ، فلابد من وجود معارضة من ذلك النوع الذي يؤمن أيضا بالثورة . كما عزم اعتزال القوات المسلحة السياسة ، عبر إقالة ضباط مجلس الثورة من الجيش .. لكن للأسف لم تمهله السنوات ولا حاشيته لتحقيق ما أراد . يكشف عكاشة في مذكراته عن أن الاتحاد السوفيتي لم يتدخل لمساعدة مصر قبل الضربة الإسرائيلية الموجعة في 67 خشية التورط في حرب عالمية جديدة بالشرق الأوسط، خاصة مع علمه بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي من يعطي لإسرائيل سلاحها . رغم أن الطرف السوفيتي في مباحثات حضرها عكاشة حين كان وزيرا للثقافة أكد أن جمال عبدالناصر بشخصه أحد أقوى زعماء العالم . ولم يكن هناك مفر أمام عبدالناصر سوى التنحي عن الحكم بعد الهزيمة الموجعة، لكن الملايين الهادرة خرجت تناديه العودة بعد أن كان قد قرر تنصيب زكريا محيي الدين خلفا له ، فنزل عبدالناصر على الإرادة الشعبية . ولا شك أن النكسة تسببت في إفاقة كبيرة لعبدالناصر فقرر القضاء على مراكز القوى وتطهير الجيش، واستبدال الفريق محمد فوزي بالمشير عبدالحكيم عامر الذي رأى أنه أحد أهم أسباب الهزيمة ، في الوقت الذي كان المشير يبرر الهزيمة فيه بأنها راجعة لمحاربتنا أمريكا نفسها وليس إسرائيل. وبعد علم المشير بنية عبدالناصر بادر بتفرقة الصف وتشكيل قوة مضادة لخروجه من رأس الجيش. ويخمن عكاشة أن صبر عبدالناصر على عامر كان بسبب بطانته التي يمكن أن يشكل بها نواة فتنة داخلية بالجيش لو أطاح به عبدالناصر ، وخاصة شمس بدران وزير الحربية والذي أسند المشير إليه تصفية الإقطاع وغيرها من المهام الكبيرة، والحقيقة أن شمس بدران جمع في قبضته المباحث الجنائية العسكرية والمخابرات الحربية والعامة والشرطة العسكرية ومباحث أمن الدولة ، رغم إمكاناته الضعيفة للغاية وعدم كفائته . وكان هذا الرجل متحكما أيضا بتعيينات القطاع العام ، وقد جرت في ظل ذلك عسكرة قطاعات النقل والاقتصاد المتمثل في شركات القطاع العام بل والسلك الدبلوماسي أيضا والصناعة والزراعة والتموين . ويخبر عكاشة أيضا أن الرئيس ناصر ترك الحبل على الغارب بعد الهزيمة لسامي شرف مدير مكتبه لشئون المعلومات، وكان الأخير يخلع هواه على المعلومات التي يعطيها للرئيس، أما سبب اختيار ناصر له فقد أخبر به عكاشة وهو أنه من الضباط الأحرار ومخلص لدرجة الإرشاد عن شقيقيه المعاديين للثورة . كما يكشف عكاشة عن تلك الحكومة الخفية التي كانت تهيمن على مصائر الناس في عهد عبدالناصر وتقبض زمام أمورهم في الستينيات والسبعينات ، ويقصد بها مراكز القوى. ثم دخلت مصر مرحلة حرب الاستنزاف ، ويتذكر عكاشة الدور الهائل الذي قام به شرفاء بالقوات المسلحة خلالها ومنهم الفريق محمد فوزي وكان وزيرا للحربية آنذاك بالحكومة الجديدة. في هذه الأثناء لم يتغير نظام عبدالناصر سياسيا للأفضل بل ظل على سوءاته ، ومن شواهد ذلك على سبيل المثال أن نجد التنظيم الطليعي الذي أسسه عبدالناصر بصحبة الاتحاد الاشتراكي يضغط بشكل معنوي على مكاتبه في جميع الدوائر الانتخابية لتزكية اسم بعينه يريدونه ، عبر أساليب منها توزيع منشورات بقائمة الأسماء في الفردي والعمال التي تتميز بالشرف والنزاهة والوطنية. بل والأنكى من ذلك استدعاء مكتب الاتحاد الاشتراكي وبين أعضائه وزير الداخلية لوزير الثقافة ثروت عكاشة يعلنون احتجاجهم الشديد على فوز اسم الراحل عبدالرازق السنهوري بجائزة الدولة التقديرية لعام 1970 ، وهو المعروف بمعاداته لعبدالناصر ، ويسألوه وقف نشر الخبر للعدول عن هذا التكريم !! وبالفعل فقد خرجت معظم الصحف دون إشارة لتكريم السنهوري!. (في الحلقة الثانية غدا ) السادات حول متحف خليل لمكتب أمن .. وجوائز الدولة في عصر مبارك بقشيش لجرسونات النظام .. وثروت عكاشة "الوزير" يستقيل ثم يعود حاملا أضخم مشروع ثقافي لمصر