هو الذي طالب عبد الناصر بضرورة تغيير النظام الملكي عبد الحكيم عامر شرت "الدستور" في عدد الثلاثاء 14 سبتمبر ملفا بعنوان «عبدالحكيم عامر رجل واحد وعشرة وجوه» بمناسبة ذكري ميلاده، تطرقنا فيه إلي العديد من المناطق الشائكة في حياة المشير الراحل وعلاقته بعبدالناصر ودوره في نكسة يونيو وتأثيره في الحياة السياسية والرياضية في مصر وحاولنا التفتيش في رحيله الذي لا يزال يثير الغموض حتي يومنا هذا، وعندما نشرت الدستور ملف عبدالحكيم عامر جاء ذلك من منطلق أن الرجل شارك في صنع تاريخ مصر، وأن حياته ونشاطه وأخطاءه ونجاحاته لم تعد حكرا علي شخصه فحسب، وإنما صارت ملكا لكل المصريين من حقهم أن يقرأوا عن الرجل وأن يجتهدوا في تفسير بعض أفعاله باعتباره في يوم من الأيام كان عنصرا أساسيا وبارزا في أركان الحكم في سنوات ما بعد الثورة، مع كل التقدير والتفهم لحياته الشخصية بطبيعة الحال. وأثار الملف فور نشره العديد من ردود الأفعال، التي وصلت إلي أسرة المشير نفسها، التي جاء الدستور رد منها، وبالتحديد من نجل المشير جمال عبدالحكيم عامر، والدستور تنشر هذا الرد كاملاً. اطلعت علي المقال المنشور في جريدتكم في العدد رقم 1087 بتاريخ 14 سبتمبر 2010 في ذكري والدي الراحل بعنوان «عبدالحكيم عامر رجل واحد وعشرة وجوه»، وقد هالني ما جاء في المقال من كم هائل من الكذب والبهتان والمعلومات غير الصحيحة استخدمت رسالة الصحافة النبيلة التي يفترض أن تكون هي صوت الحق والحقيقة في الاغتيال المعنوي لشخصية والدي المرحوم المشير عبدالحكيم عامر بعد مرور 43 سنة علي اغتياله جسدياً والافتئات علي تاريخ وكفاح الرجل الذي وضع حياته علي كفه ليلة 23 يوليو سنة 1952 فكان بحق هو قائد الجيش ليلة الثورة وروح الثورة عندما خرج ليفتدي بلده بروحه ثائراً ضد نظام فسد وفقد شرعيته. وإن الهجوم المغرض علي عبدالحكيم عامر علي مدي 43 عاماً بعد قتله وقبل أن يمكن من حق البشر وحق الوطن في الدفاع عن نفسه في محاكمة عسكرية علنية طالب والدي بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حتي يعرف الشعب المصري حقيقة المسئوليات فيما حدث في يونيه 67 وما جري للوطن علي مدي 15 عاماً وهو حق أصيل لهذا الشعب الذي حجبت عنه الحقيقة بواسطة الذين ادعوا أمام الشعب أنهم علي استعداد لتحمل المسئولية في الوقت نفسه الذي عملوا فيه علي التخلص منها فكان عبدالحكيم عامر هو كبش الفداء الذي ذبحه أنصار الظلام الذي حمل وحده كل أخطاء وخطايا الثورة، أما الرئيس عبدالناصر فهو صاحب كل الأمجاد دون المشير وهو الأمر الذي ينافي كل عقل راشد ومنطق سليم. والحقيقة أن القوي الكبري وعملاءها في ركابها تواطأوا بغرض تحطيم استقلال مصر وتجربتها الثورية ولم يكن ذلك ممكناً سوي بالقضاء علي الجيش المصري الوطني الحامي لإنجازات الثورة والذي أفني عبدالحكيم عامر حياته في تكوينه. إن تاريخ المشير وكفاحه رغم كل الأكاذيب التي ألصقت به زوراً وبهتاناً به الكثير من الصفحات المضيئة: - لقد اشترك المشير في حرب فلسطين كأركان حرب للواء الضارب بقيادة اللواء محمد نجيب واقتحم مستعمرة «بيت ساليم» في إسرائيل وأصيب وعاد إلي الوطن للعلاج ثم رجع مرة أخري إلي الجبهة بناء علي طلبه حتي انتهاء المعارك، وتقديراً لبطولته وشجاعته الفائقة حصل علي وسام نجمة فؤاد ورقي استثنائياً لرتبة صاغ «رائد». بادر عامر بمصارحة الرئيس عبدالناصر بضرورة تغيير النظام الملكي الفاسد ونجح في ضم أكبر عدد من الضباط الأحرار إلي التنظيم لثقة الضباط فيه لما عرف عنه من صفات الشجاعة والصدق والمثالية والشهامة حتي إن الرئيس عبدالناصر كان يناديه ب«جيني» نسبة إلي جان جاك روسو الذي بشر بمبادئ الثورة الفرنسية. اشترك عامر مع البكباشي زكريا محيي الدين وقتئذ في وضع خطة الثورة. كان عامر علي رأس القوات التي اقتحمت رئاسة أركان الجيش ليلة الثورة بجسارة غير مسبوقة وحين اعترضه أحد جنود الحراسة أطلق النار عليه، وقام باعتقال قادة الجيش المجتمعين وعلي رأسهم الفريق حسين فريد، وقد قال الرئيس الراحل أنور السادات عن المشير بعد قيام الثورة: «هو عامر الذي قاد الجنود وتقدمهم واقتحم بهم المبني وهو يحمل طبنجته تماماً مثل ما فعل ذات يوم في فلسطين واقتحم مستعمرة بيت ساليم وحقق بطولات أشبه بالأساطير». تولي عامر منفرداً مقاليد الأمور وإبان أزمة مارس سنة 1954 بعد استقالة مجلس الثورة بالكامل وعلي رأسه الرئيس عبدالناصر وأمر بمحاصرة القوات المتمردة أرضاً وجواً وبذلك قضي علي المحاولة الانقلابية ثم أمر بإعادة مجلس الثورة من جديد، وقد قال له الرئيس عبدالناصر: «لقد فعلت يا عبدالحكيم ما كنت أود أن أفعله ولا أعرف»، وقال له جمال سالم: «لقد كنت يا عبدالحكيم مثل نابليون وأنت تخاطب الضباط». اشترك في توقيع اتفاقية الجلاء مع المستعمر الإنجليزي بعد احتلال دام 70 عاماً لمصر. أبلغه الرئيس عبدالناصر بقراره المنفرد بتأميم قناة السويس في يوليو 56، مما أحدث أول شرخ في العلاقة بينهما، إذ لم تكن مرت سنة علي كسر احتكار السلاح في عام 55، وحصول الجيش علي أسلحة شرقية يحتاج استيعابها إلي وقت كاف مع تغيير العقيدة القتالية من غربية إلي شرقية، ولخطورة هذا القرار علي استقلال مصر وسلامة جيشها وقد اتخذ قراراً مهماً وصائباً بالرغم من معارضة زملائه بسحب الجيش، مما أنقذ الجيش من التطويق والتدمير، عندما تبين له أن حجم الغارات الإسرائيلية الجوية يفوق إمكانية إسرائيل بمفردها وقام بجمع أعضاء مجلس الثورة وأبلغهم بالموقف وبقرار سحب الجيش من سيناء حتي لا يحاصر ويدمر إذا ما تدخلت إنجلترا وفرنسا. طلب من الرئيس عبدالناصر أن يتوجه إلي الأزهر أثناء حرب 56 ويخاطب الجماهير، وكان يدفعه دفعاً ويسانده مساندة جبارة للصمود ومواجهة الجماهير وعدم الانعزال. قام بإنشاء أول جيش مصري وطني حديث بأسلحته المختلفة كالمظلات والصاعقة والفرق والألوية وتوفير التنظيم له وإرسال البعثات لتأهيل الضباط والقيادات، وجدير بالذكر أن القادة والضباط الذين حاربوا في أكتوبر 73 حققوا النصر هم نفس الضباط والقيادات بجيش مصر الذي أنشأه عبدالحكيم عامر والذين أشادوا بقائدهم. وجدير بالذكر أن العديد من هذه القيادات أفرج عنهم من المعتقلات التي أودعوا فيها بعد حرب يونيه بواسطة الرئيس عبدالناصر واشتركوا في حرب أكتوبر مثل المرحوم المشير أحمد بدوي وغيره كثيرون. هذا إلي جانب إنشاء برنامج الصواريخ بعيدة المدي والطائرات المقاتلة التي أجهضها السوفييت بعد مؤامرة الخلاص من المشير. هذا البرنامج الذي لو استمر لكانت مصر أصبحت في مصاف أكبر الدول المتقدمة في الصناعات الحربية والعسكرية وحرمت مصر من هذا المستقبل المشرق بعد أن تمت المؤامرة علي الجيش المصري الوطني وقائده المشير عامر وعلي رجب ومازالت مصر تعاني التبعات للسياسات التي أدت إلي هذه النكسة. لقد حافظ جيش مصرالوطني علي أمن الوطن بالرغم من قرارات الرئيس عبدالناصر الانفرادية والعشوائية والشخصية بإهدار هذا البناء وتوريط الجيش كله في معارك رهيبة وصراعات وصدامات لم يتعرض لها جيش من قبل، ففقدت مصر أبناءها في حروب لا داعي لها وأهدرت مئات الملايين وأرصدة «مصر من الذهب في أغراض لا علاقة لها بسلامة البلد وأمنه القومي ومغامرات دفع ثمنها الوطن، والغرض الأوحد منها هو المجد الشخصي للرئيس عبدالناصر». ويجدر بالقول إن المشير كان ثاني دفعته في كلية أركان الحرب وتولي بعد الثورة منصب مدير مكتب اللواء محمد نجيب بعد الرئيس عبدالناصر، ثم تولي قيادة القوات المسلحة ورقي إلي رتبة اللواء لدوره البارز في قيادة تنظيم الضباط الأحرار ولكونه قائد الثورة ليلة 23 يوليو كما سبق أن ذكرنا وكان ذلك بقرار من مجلس الثورة وعلي رأسه اللواء محمد نجيب وليس لصداقته مع الرئيس عبدالناصر، كما يشاع ولا أدري لماذا ينتقد العالمون ببواطن الأمور وحقيقتها ذلك رغم أن الرئيس عبدالناصر كان رئيساً للجمهورية في سن مبكرة لرئاسته لمجلس الثورة بعد اللواء محمد نجيب، ولم يعترض أحد علي ذلك، بالرغم من صغر سنه التي لم تتجاوز السابعة والثلاثين عاماً. لعب المشير الدور الرئيسي في بناء السد العالي ورأس اللجنة العليا للسد العالي وقام بالتنسيق مع السوفييت لإنجاح المشروع وتجنيد كل الخبرات في سبيل ذلك وكلف المهندس عثمان أحمد عثمان باستكمال المشروع العملاق في موعده بعد تذليل كل الصعاب وتوفير جميع الموارد والإمكانيات. الانفصال عن سوريا كان انفصال سوريا الذي أحدث شرخاً ثانياً في العلاقة بين الرئيس والمشير حتمياً سواء بوجود عبدالحكيم عامر أو عدمه للأسباب الآتية بعد.. وقد كان هناك أكثر من ثلاثين انقلاباً يدبر ضد الوحدة.. وصرح الرئيس عبدالناصر نفسه بأن الظروف لم تكن مواتية لقيام الوحدة كما جاء في أحد خطاباته وأنه دفع إليها دفعاً من الشعب والجيش السوري، ويرجع السبب المباشر للانفصال إلي إصرار الرئيس، علي حل الأحزاب في سوريا وتطبيق القوانين الاشتراكية علي سوريا رغم اختلاف ظروف المجتمع السوري عن المجتمع المصري وهو ما أوضحه السياسيون السوريون للرئيس عند زيارته الثانية لسوريا، وكذلك سوء معاملة الرئيس للساسة السوريين وتعاليه عليهم حتي استقالوا من الوزارة الاتحادية، ثم تفويض الرئيس عبدالناصر كل السلطات التنفيذية والحزبية والأمنية لعبدالحميد السراج الذي كان موضع ثقة الرئيس متخطياً بذلك المشير الذي جاء تفويضه للإشراف علي سوريا وسحب السراج من سوريا متأخراً وكالعادة وضع الرئيس المشير في وجه المدفع وتركه يواجه الانقلاب ومرة أخري يضرب المشير مثلاً في الشجاعة والتضحية عندما طلب الرئيس من المشير عامر اتخاذ القرارات التي تمليها عليه المصلحة العليا دون الالتفات إلي سلامة المشير والعمل علي الحفاظ علي حياته، ويمكن الرجوع إلي قناة الجزيرة لمعرفة ما ذكره الوزراء السوريون في هذا الشأن، وأن أكبر المتآمرين علي الوحدة كان عبدالحميد السراج موضع ثقة الرئيس، وعاد المشير سالماً ولكن الرئيس لم يذهب لمقابلته والاطمئنان عليه. اليمن وبعدانفصال سوريا ورغبة من الرئيس في الحفاظ علي مجده الشخصي أرسل الرئيس الجيش إلي اليمن ليدفع أبناء الجيش والشعب المصري ثمناً فادحاً من آلاف الأرواح التي أزهقت في حرب ومعركة لا ناقة لنا فيها ولا علاقة لها بالأمن القومي المصري أدت إلي نكسة 67، ووضع الرئيس الجيش في موقف مستحيل وهو القتال في دولتين وجبهتين والشيء الذي يصعب حتي علي الدول الكبري وكما هو الحال في كل فشل عندما يتصرف الرئيس منفرداً حفاظاً علي مجده الشخصي ويؤدي ذلك إلي الخسائر ليقوم الرئيس بالشكوي وإلقاء اللوم علي الآخرين، خاصة المشير حتي لا يتحمل الرئيس مسئولية قراراته كقائد أعلي للقوات المسلحة ويواجه الحقائق ويعترف بأخطائه حتي لا تتكرر ولكن كان الرئيس عبدالناصر يكرر أخطاءه ويورط مصر والجيش في مغامرات لا نهاية لها بهدف إلهاء الجيش عن الحكم وخوفاً من قيام الجيش بانقلاب علي الحكم وهي التصرفات التي لازمته منذ قيام الثورة وحتي وفاته. ورغم كل هذا فقد حافظ المشير علي الثورة وعلي زملائه وحماهم وحمي سلامتهم وكان منكراً لذاته مضحياً بكل شيء فتنكروا للصداقة والزمالة ورفقة الكفاح وأخذوا يكيلون له الاتهامات. حرب يونيه 67 أما بالنسبة لحرب يونيه 67 فيجب أن نعلم أن الوثائق المصرية لم يفرج عنها بعد ومعلوماتي أن لجنة تسجيل التاريخ التي شكلها الرئيس الراحل أنور السادات للتحقيق في مسئولية هزيمة 67 والتي لم تنشر حتي الآن قد أدت إلي أن الجيش المصري وقادته بريئون تماماً من نتيجة هذه الحرب ونحن في مصر لا نقرأ إلا لمحمد حسنين هيكل في حين أن الدول الكبري قد نشرت أسرار حرب يونيه وتحت يدي الوثائق التي تدين 100% الرئيس جمال عبدالناصر وحده وتحمله بالكامل مسئولية هذه الهزيمة، وأرفق لك تحليلاً كاملاً للقرارات التي أدت إلي هزيمة الجيش المصري في حرب 67 وقرارات الرئيس عبدالناصر التي اعترض عليها المشير كتابة وشفاهة والتي توضح أن الرئيس كان يتدخل بإصرار في الخطط العسكرية وأصر علي أن يترك القوات تتلقي الضربات من العدو وحرمانها من المبادأة مما عرض الجيش للإبادة. نحن نحمل الرئيس عبدالناصر ما حدث من هزيمة للجيش ونحمله كذلك ما حدث لوالدي المشير عامر، والتنكيل بجميع عائلة عامر مدنيين وعسكريين والإرهاب الذي تعرض له كل من له علاقة بعائلتنا وكتمان صوتنا سنوات طوال ليفلت المجرمون بجريمتهم ولكن الله يري ويسمع وسوف يري الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. لقد دفع عبدالحكيم عامر حياته ثمناً لشعبيته في القوات المسلحة وحبها له نظراً لإنسانيته المتناهية وكونه قدوة لكل قادة القوات المسلحة، التي مازال الكثير منهم إلي الآن وفي مقالات عديدة نشرت ومنهم قادة عظام لحرب أكتوبر يعبرون عن حبهم لقائدهم وتقديرهم له هذا القائد الذي رفض التنكيل بهم بعد حرب يونيه 67 في مقابل عودته إلي السلطة في مركز نائب أول رئيس الجمهورية، وعندما هدده الرئيس عبدالناصر بسلامة أولاده وأسرته قال إن أفراد القوات المسلحة هم أبنائي وإخواني وكل وجودي ولن أصمت حتي أكشف حقيقة ما حدث تبرئة لشرفي العسكري، فكان قرار النظام بالتخلص من المشير بإنهاء حياته، ليدفع الجيش المصري الثمن مرة أخري هو وقائده. إن عبدالحكيم عامر من أبناء مصر الشرفاء الأكفاء، أنجبته مصر ليفتديها كما قال الرئيس عبدالناصر في بلدة المشير أسطال. إن جريمة مقتل المشير جريمة في حق مصر وشعبها وجيشها حدثت لابن من أبنائها البررة وستظل هذه الجريمة البشعة وصمة في تاريخ هذا البلد حتي يحق الله الحق، قال تعالي: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً». صدق الله العظيم جمال عبدالحكيم عامر نجل المشير عبدالحكيم عامر