سبيل أثري مٌهمل والقمامة تُخفيه النحاسين أصبح للبيع فقط وليس للتصنيع صباح: الآثار وعدت بترميم السبيل ولم تنفذ والمنطقة أحسن من مصر الجديدة أم سيد: "الدنيا خربانة وواقف حالها والحركة مبقتش زي الأول" أحد أصحاب الورش: النحاس أيام عبد الناصر كان له "شنة ورنة" أصوات الضجيج وطًرق الحديد والأواني تعزف سيمفونية رائعة تدلك عليه من بعيد، صناع ينتشرون كخلية النحل في الورش المتجاورة بين أنحائه، وسيدتان بسيطتان في "قعدة صفا" تحتسيان الينسون وكأنهما في مقهي إلا أنهم يجلسان على ناصية النحاسين أحد شوارع قاهرة المٌعز. كان الشارع يشتهر بصناعة الأواني ونقش الزخارف المتعددة من النحاس التي يهواها المحبين لهذه الصناعة ولكن مع مرور الوقت وظهور الأواني الصيني والألمونيوم أصبحت الورش قاصرة على تصنيع أطباق النحاس المزخرفة التي تضع كديكور بالمنزل ومآذن المساجد وعربات الكبدة وقدر الفول والكشري وشوايات الأسماك. تجولت شبكة الإعلام العربية "محيط" داخل الشارع ورصدت أحوال أصحاب ورشه والعاملين بها وسكانه الذي يعانى من الإهمال الشديد بالرغم وقوعه في منطقة أثرية. سبيل خلف القمامة وفي بداية الشارع يوجد سبيل مياه أثري شاهد على زمن مضى حيث كان يروي عطش الناس، لكن الآن بالكاد تظهر ملامحه من أكوام القمامة التي تتجمع حوله ويعلوه منزل قديم مهدد بالسقوط يعيش فيه بشر لا يهمهم كثيرا حالته إنه "سبيل ومنزل حسين الشامي" كما يطلق عليه ساكنو الشارع. أمام السبيل التقت "محيط" الحاج محمد صاحب الخمس وستون عاما والذي قال إن هذا المكان كان كتاب لتعليم الأطفال حتى سنوات قليلة مضت لكن تم إغلاقه، أخبرنا أن هناك سكان قاطنون في الدور الثاني من السبيل. منزل مٌهدد بالسقوط سُلم قد لا يتحمل أكثر من شخص واحد، درجاته غير مستوية مهشم ومظلم، يقودك في النهاية إلى الطابق الثاني من المبنى حيث شقة متواضعة خافتة الإضاءة يقطنها سيدة وابنها الوحيد بعد أن تزوج كل إخوته ولم يتبق سواه، صباح ربة المنزل وأرملة ابن صاحب السبيل القديم الذي روت لنا قصته. عن السبيل وتاريخه قالت "يعود إلى شخص وهو حسين الشامي والذي كان أحد كبار ساكني الشارع، وبعدها تحول إلى كُتاب عاصرته، ولكن السبيل تم ردمه والمياه جفت وأصبح مهدد بالسقوط". وعد لم يُنفذ قالت صباح إنها تعيش في هذا المنزل منذ أكثر من ثلاثين عاما حيث تزوجت وأنجبت أولادها الثلاثة بين جدرانه المتهالكة، مؤكدة أن هيئة الآثار بعد أن وضعت يدها على السبيل باعتباره مكان أثري وعدت بترميمه ومعه المنزل لكن لم يبدأ العمل ولم ينفذ القرار. أكدت أن الآثار طلبت من السكان إخلاء المنزل ولكنهه رفضوا، قائلة: "كتبنا إقرار بتحمل المسئولية في حالة سقوط المنزل ووقوع موتى"، مضيفة أنها تنتظر الفرصة المناسبة للخروج منه لكنها تفضل البقاء في منزل أسرتها في حالة إصلاحه وترميمه. أحسن من مصر الجديدة كانت كل شكوة صباح هو صوت الورش المزعج ليل نهار بسبب الطرق على الأواني وقالت في سخرية أن يوم الأحد يعتبر عيد بالنسبة للسكان كافة وذلك لأنه أجازه الورش قائلة: "هما منبه لنا بيصحونا بدري بس إحنا إتعودنا". "الحمد لله رب العالمين ربنا يديمها نعمة" في رضا تام حمدت صباح ربها على حالها قائلة: "المنطقة هنا أحسن من مصر الجديدة كل متطلباتي موجودة السوق والمدرسة والعيش بمشي 2 بليل ماحدش بيقولي انتي تعملي ايه وفيها ونس". الاستانلس هو المطلوب وعدنا الى الشارع من جديد الذي تعلو أصوات طرق الحديد والضوضاء على آذان الظهر وخلال جولتنا قابلنا الحاجة أم سيد التي لا يختلف كلامها مع غيرها من أصحاب الورش والمحلات في الشارع فهي تمتلك محل لبيع منتجات الاستانلس للفنادق الكبيرة و للمطاعم والكافيتريات. أوضحت أم سيد أن المنتجات يتم تصنيعها في مناطق أخرى مثل المنشية والدويقة والعاشر من رمضان والعرب، حيث أن هناك ورش التصنيع لكنها المواد الخام من الألومنيوم والنحاس مصدرها ميت غمر وبعد تصنيعها توزع على المتاجر والمحلات ومنها شارع النحاسين. تابعت أن الشارع لم يعد كمان كان قائلة:" الورش اتنقلت للمناطق الصناعية بعد قرار الحكومة باستثناء ورشتين فقط للدقاقين ومبقاش في خبط زي زمان ومحدش بيشتكي من السكان ". الدنيا خربانة عن حالة البيع والشراء تأسفت أم سيد قائلة:" الدنيا خربانة وواقف حالها والحركة مبقتش زي الأول بسبب المظاهرات "، مضيفة وبعد 30 يونيو بشهرين بدأت الحياة تعود ولكن العمليات الإرهابية وتحركات الإخوان جعلت الحال يضيف مرة أخري قائلة: " الاخوان ما يعرفوش ربنا وبتحركهم تركيا وقطر ضد مصر". قالت الحاجة أم سيد أنها تسكن في ميدان الضاهر ولكنها تظل في المحل طوال اليوم من الساعة التاسعة صباحا حتى الثانية عشر منتصف الليل فهي سيدة لا تعرف الكتابة ولا القراءة ولكن السوق علمها كل شيء وربت خمس فتيات منهم دكتورة وأخرى خريجة جامعة أمريكية والصغيرة تدرس سياحة وفنادق تزوج منهن أربعة وبقيت أصغرهم كل هذا كفاحها وشقاها. النحاس راحت عليه أما حسن وهو صاحب إحدى الورش الموجودة في الشارع أوضح أن النحاس كان له مكانة عالية منذ فترة جمال عبد الناصر وما قبلها وله "شنة ورنة"، قائلا:" أيام جدودنا وآبائنا كانوا يستخدموه في البيت لكن الآن مقتصر على الانتيكات بعد غلو أسعاره وحل بدلا منه الألومنيوم والاستانلس والتيفال والسيراميك مؤخرا، بنبيع جملة وقطاعي وربنا يرزق". اختتم عم حسن حديثه متمنيا حال أفضل لمصر في ظل الأحداث السياسية التي تشهدها قائلا:" ما يحدث في مصر بيحصل في كل دول العالم مثلا أمريكا وبريطانيا عندهم مافيا لكن احنا لا، وإن شاء الله الحال يتعدل بس نصبر ونصفي قلوبنا ونتقن شغلنا لأن عندنا موظفين قاعدين على المكاتب".