" الاستقلال التام أو الموت الزؤام ".. " سعد سعد يحيا سعد ".. المرأة تشارك فى التظاهرات لأول مرة .. يحيا الهلال مع الصليب .. إضرابات الطلبة و العمال .. قطع السكة الحديد .. بريطانيا ترد بالعنف .. عمليات فدائية .. شعب يبحث عن الحرية .. هل يستطيع المصريون حكم أنفسهم ؟ .. مفاوضات .. مفاوضات .. مفاوضات ". بين صفحات رواية " 1919 " للكاتب أحمد مراد ستشعر بلغته السينمائية انك ضغطت على زر التلفاز ، لتشاهد فيلما قديما خرج لتوه من أعماق " ثورة منسية " لم يعد لها مكان سوى بالكتب المدرسية ، ستشهد قصة الحب و الخيانة و البحث عن الوطن ، ملامح كثيرة تتشابه مع ثورتنا الحالية لمن ينتبه ، و يتعلم درس التاريخ جيدا . هنا أشخاص يموتون من أجل البلد .. و أشخاص يبيعونها مقابل حفنة من النقود .. فى الأيام التى كانت فيها " الدعارة " مقننة .. و الملك يلهو فى صالات القمار .. و الانجليز يعيثون فسادا بها .. يثور المصريون .. لنيل الحرية و الكرامة و الاستقلال .. و يرون فى " سعد زغلول " الزعيم و الأمل .. و يجمعون التوكيلات ليصبح لسعد زغلول شرعية التحدث باسم المصريين من أجل الاستقلال .. و لكنه يخوض فى مفاوضات لا نهاية لها .. فى حين سلك آخرون العمل الفدائى بشعار " ما أخذ بالقوة لا يسترد سوى بالقوة " . فى مصر 1919 التى تغلى تحت وطأة القهر ، نجد من يُقتلون ككبش فداء لوقف الثورة ، و من يسبون الثورات و الشباب بحجة أنهم من يخربون البلد ،و انقسام المصريون لمعسكرين ، و انتشار اتهامات الخيانة و العمالة ، و التوجيه الإعلامي ، و ترديد المقولة المشهورة أن الشعب لا يسير سوى بالكورباج ، و اختصار البلد فى شخص سعد ، و كثيرا ما تغلب المناصب الرجال . و يقول مراد على لسان أبطاله : " لا شئ أسوأ من ثورة مبتورة .. و انتفاضة حرية تصبح بداية عبودية لا تنتهى " ، و ما نحتاجه ليس سوى " ثورة ثانية أكثر نضجا " . نهاية مأساوية " أحمد عبد الحى كيرة " بطل الرواية الشاب الثائر ، الذى أعدموا والده لمشاركته فى ثورة عرابي ، كيرة طالب الطب ، صديق الانجليز فى الظاهر ، فى حين أنه عضو فى جماعة " اليد السوداء " السرية ، التى تتخذ من قبو " مقهى ريش" مقرا لطبع المنشورات ، و تدبير الاغتيالات . سعد زغلول كان صديقا لوالد أحمد كيرة ، و هو فى منفاه يوافق على اقتراح كيرة بتمويل حزب الوفد عمليات فدائية سرية ، للضغط على الاحتلال ، و فى بيت الأمة يلتقى " كيرة " ب " نازلى " الذى توفيت أمها و ائتمنت صفية زغلول عليها ، يقعان فى الحب ، دون أن يدرى أن منافسه سيكون الملك . تتزوج نازلى الملك فؤاد و تعيش سجينة القصر وحيدة فى " بيت العنكبوت " ، تلك الملكة سيئة السمعة يقترب مراد من فترة حياتها الأولى حيث تنتزع من حبيبها و تلقى فى حضن الملك لتنجب له ولى العهد ، حيث لا يسمح لها حتى بحمل وليدها سوى بأوامر مربيته الانجليزية الصارمة ، فلم تكن الملكة نازلى سوى سجينة البرج العاجى ، قبل أن يموت الملك و تنطلق بجموح لتعوض ما فاتها . بينما يلتقى كيرة المصاب بخنجر الحب ب " ورد " الراقصة الاستعراضية التى لا يعرف شيئا عن ماضيها ، هى سورية أرمينية ، هربت عائلتها من المجازر لتلجأ إلى مصر ، و ماتا بالأنفلونزا الأسبانية ، ليتركوها وحيدة ، فريسة لمطامع " بنبة " صاحبة بيت دعارة ، التى تختطف ورد و تلقى بها فى الوحل ، لتهرب ورد بعد رحلة من المعاناة إلى حياة الرهبنة . " و عبد القادر شحاتة " ابن الفتوة " شحاتة الجن " الذى عمل لصالح الانجليز ، حتى تتغير حياته تماما حينما يقتل والده على أيديهم لينضم لليد السوداء سعيا للانتقام ، و يقع فى حب دولت الصعيدية التى تعمل سرا لصالح المنظمة السرية ،و التى تنسيه مغامراته النسائية فى بيت بنبة ، و يصبح رفيق أحمد فى الكفاح ، و يتعلم أن يخرج من حيز الانتقام الشخصى ، للتضحية من أجل الوطن . و " نجيب الأهوانى " صديق أحمد القديم الذى اعتقل فى محاولة اغتيال ، و كان يبث الأمل فى نفس شحاتة بأنهم سيخرجون يوما من السجن و ستنتصر الثورة ، و تقدر تضحياتهم ، و يصور مراد التغيير الذى يصيب الأهوانى ، عندما يخرج و لا يلقى هذا التقدير و يقول " اللى خانوا يركبوا الكرسى طب و دم الشهدا " تتشوه نفسية الأهوانى حقدا على من باعوه ، لينتهى به المطاف ليرشد عن كيرة و يبيع الوطن مقابل حفنة من النقود . رأى البعض النهاية التى وضعها مراد لروايته " مأساوية " .. و لكن جاء رده قائلا " لم أكتب نهاية الشخصيات الحقيقية بل القدر " . الجدل أحمد مراد حكاء سينمائى بارع ، و قارئ جيد لم يترك شيئا قابله من عبق تلك الفترة التاريخية إلا و استعان به ، من مذكرات سعد زغلول ، و نجيب الريحانى ، و مونولوجات حسن فايق ،صور مقهى متاتيا ،و حتى الإيصالات القديمة ، ليفاجأ حضور توقيعه الأول بشهادة تحاكى شهادات تقنين الدعارة فى ذلك الوقت " رخصة عاهرة " باسم " ورد " . " الاستغناء عن التحدى فى الرواية يعنى الفتور " بهذا الدافع وضع مراد تجربته الأولى فى الرواية التاريخية " 1919 " التى أثارت جدلا كبيرا بين معجب و غير معجب ، و لكنها استطاعت أن تحتل كباقية روايات مراد قائمة الأكثر مبيعا . رغم كونها رواية تاريخية و لكنها لم تخلو من الإثارة كعادة مراد ، فى المشاهد الخاصة بالعمليات الفدائية ، و القبض على شحاتة ، و مصير دولت ، و حب كيرة و نازلى و آخر مشهد جمعهم حين رفضت الهرب معه و أطفأت الشمعة و أسدلت الستار ، كل هذا يحدث و كأنك أمام عمل سينمائى ، ترى مشاهده و كأنها حية أمامك ، و فى النهاية يختتم مراد بلقطات سريعة ما وصل له حياة أبطال الرواية . " معلومة فى رواية " تقنية جديدة استعان بها مراد فى هوامش روايته ليدمج القارئ فى زمن الرواية ، كما نجد تواريخ و اختصار لأحداث فى بضعة سطور و كأنك تقرأ صحيفة قديمة . أما عن الإسقاطات التى تضمنتها الرواية ، فذكرت القراء برواية نادى السيارات لعلاء الأسوانى ، التى عاد فيها أيضا للماضى و أسقط من خلاله على أحداث الحاضر ،و أعاب العديد من النقاد و القراء على مراد عدم تعمقه داخل شخصياته ، ووجود فواصل كثيرة قبل العودة للشخصية من جديد ، فتشعر و كأنها نسيت و سقطت من الرواية . و الصفحات الأولى للرواية تعد معلومات تاريخية محضة ، لتجعلك تتساءل لما عرضها مراد بهذا الشكل رغم توظيفه لها فى الرواية بشكل أدبى ؟ و لا تملك سوى أن تشعر أنك تشاهد فيلم هندى ، فى مشهد اغتيال كيرة ، و إصابة شحاتة فى كتفيه و مع ذلك حمل أحمد على كتفه إلى المركب ، و ظل يجدف رغم إصابته ! حقيقة كيرة و نازلى انطلقت فى رحلة بحث عن الشخصيات الحقيقية التى تضمنتها الرواية حول علاقة سعد زغلول بالعمليات الفدائية ، و عن شخصية كيرة التى نسج مراد خيوطها أدبيا لعدم توافر عنه أى معلومات سوى سطور قليلة : " اقبضوا عليه حيا أو ميتا، اسمه احمد عبدا لحي كيرة، كيميائي كان طالباً في مدرسة الطب، خطير في الاغتيالات السياسية، قمحي، قصير القامة وذو شارب خفيف وعمره 28 عاماً " ، و ما كتبه الأديب يحيى حقى حول مقابلته له فى تركيا ، ووجدت جثة كيرة ملقاة بجوار سور اسطنبول القديم آثر طعنة نافذة ، وجهتها له يد المخابرات البريطانية ، دون الحديث عن أى خيانات . أما نازلى فلم أجد بينها و بين كيرة أى صلة ، كانت بالفعل فى علاقة حب قبل زواجها بالملك ، و لكن كانت تشير معظم المصادر إلى كونه سعيد زغلول ابن شقيقة سعد باشا زغلول، فى حين أكد الكاتب الصحفي محمد التابعي أن نازلي كانت تحب شابا من أقاربها اسمه «ش. ش.» ، و بالفعل كانت تحيا نازلى مع الملك فؤاد كالعصفور فى القفص الذهبى .