الفسيخ وجبة مصرية قديمة.. ترتبط شهرتها باحتفالات شم النسيم.. تجتمع الأسر حولها في طقس احتفالي بجانب البصل والملانة ، ورغم بساطة الوجبة إلا أنها ككل السلع.. في حالة زيادة الطلب يرتفع سعرها.. لكن الارتفاعات هذا العام تجاوزت الحد مما أثار شكوي بعض المواطنين من استغلال التجار (للمواسم) لرفع الأسعار المرتفعة أصلاً وسط حالة غليان الأسعار. ورغم الارتفاعات التي شهدتها الأسواق يرفض المصريون أن يمر شم النسيم دون أن يطيبوا مائدتهم بروائح شم النسيم، ففي جولة ل محيط في الأسواق بهدف رصد أسعار الفسيخ والرنجة كان من الملفت ارتفاع أسعار هذا العام مقارنة بالعام الماضي. الطريف أيضاً في أسعار الرنجة والفسيخ أنها تختلف من مكان لآخر.. وغالبا ما ترتبط بطبيعة سكان المنطقة ففي المناطق الراقية تكون الأسعار أكثر ارتفاعا عن غيرها في المناطق الشعبية وهو ما اكتشفناه خلال جولتنا في الأسواق. ففي منطقة باب اللوق هناك السيد شاهين مدير أحد محلات الفسيخ.. قال لنا إن المناطق الشعبية يكثر فيها بيع الرنجة والملوحة التي يتراوح سعرها بين 20 إلى 25 جنيهًا للكيلو حسب النوعيات والأحجام بينما السردين النيلي البلدي والرشيدي يباع الكيلو ب 14 جنيهًا...أما المناطق الأكثر ثراءاًَ فتباع بها أصناف أخرى تماماً مثل الكافيار (البطارخ) وقد يصل فيها السعر إلى نحو 400 جنيهًا للكيلو. والتقط محمد رمضان طرف الحديث ليتساءل ما هو الكافيار الذي لا نسمع عنه إلا في التليفزيون، قائلاً اعتدنا على الرنجة والفسيخ فمتى يأتي يوماً نأكل فيه الكافيار ؟! محمد عبد الرزاق موظف قال لنا: إن أسعار الرنجة والفسيخ مختلفة عن السنوات السابقة حيث ارتفعت كثيراً مما أدي به إلي خفض الكمية التي كنت سوف أشتريها لافتاً إلى أن كيلو الرنجة العام الماضي كان سعره 16 جنيها الآن سعره 20 جنيها وكنت أحرص علي شراء 2 كيلو سأضطر إلي شراء كيلو واحد فقط. واتفقت معه فاطمة السيد ربة منزل معربة عن دهشتها من أن الفسيخ هذا العام ب 60 جنيها وأن السردين ب20 جنيها، وهذه الأسعار مرتفعة في ظل ثبات دخل المواطن المصري ولذا الكمية التي كانت تحرص علي شرائها انخفضت فبدلاً من شراؤها 2 كيلو فسيخ انخفض إلي كيلو واحد رغم أن ذلك الانخفاض يمثل لي مشكلة حيث يأتي أولادي وأبناؤهم جميعا في هذا اليوم. وعلي نفس الاتجاه قال عماد جورج نقاش: الأسعار مرتفعة جدا.. رغم أننا سمعنا منذ أيام أن الأسعار ستظل ثابتة ولن يطرأ عليها أي ارتفاع فكنت أشتري كيلو الفسيخ من محل ببولاق ب36 جنيها اليوم يبيعه ب50 جنيها مما دفعنا لشراء نصف كيلو بدلا من كيلو، أيضا الرنجة كان سعرها بنفس المحل 10 جنيهات تباع اليوم ب20 جنيها وكل هذا أسعار لا يقدر عليها الكثير من المواطنين الحريصين علي شراء الفسيخ والرنجة في شم النسيم. ترتفع أيضاً في شم النسيم أسعار البصل والملانة فمع الاحتفال بأكل الأسماك وحثي لا تسبب الأسماك المملحة ضرراً اعتاد المصريين القدامى في هذه المناسبة أكل البصل والملانه حتى لا يصاب بارتفاع ضغط الدم بسبب الأملاح .. والثابت علميا أن البصل والملانه لهما تأثير لتخفيض ضغط الدم. وفي السياق ذاته ووسط أجواء شم النسيم فإن الفسيخ يعد من أكثر الأغذية التي تصيب الإنسان بالتسمم الغذائي كما يقول الدكتور محمود عمرو مدير مركز السموم بجامعة القاهرة، مؤكداً أن أعراضه تكون غير لافتة للنظر وتظهر علي شكل تنميل الأيادي ووقوع جفن العين وحدوث زغللة مع حالة من الإسهال. وأوضح أن ما يزيد الأمر خطورة أن هذا التسمم قد يودي بحياة الإنسان خلال 6 ساعات إذا لم يتم إسعافه خلال هذه الفترة. وشدد على ضرورة الحرص علي قلي الفسيخ في الزيت وفي درجة حرارة لا تقل عن 100 درجة مئوية لتفادي خطورته. وأكد أن مصر تستهلك أمصالا مضادة للتسمم الناتج من تناول الفسيخ قيمتها 3 ملايين جنيه سنويا.. مشيرا إلي ان زجاجة المصل المضاد للتسمم الناتج عن الفسيخ تبلغ تكلفتها 20 ألف جنيه وقد يحتاج الفرد الواحد إلي زجاجتين أو ثلاثة. ولفت إلى أن المشكلة في العلاج أن مركز السموم ليس لديه من الإمكانيات ما يعالج حالة واحدة لأن قيمة علاج حالة تسمم الفسيخ يمكن أن تعالج 600 مريض أصيبوا بأي نوع من أنواع التسمم الأخرى. وينصح الدكتور عمرو بعدم تناول الفسيخ في شم النسيم أو في المناسبات الأخرى وإن كان المركز لديه استعداد تام لاستقبال كل الحالات المصابة بالتسمم سواء كان بالفسيخ أو غير ذلك وعلاجها ولكن المركز ليس مسئولا عن شراء الحقن الخاصة بالعلاج علي حد قوله وذلك لضعف ميزانية مركز السموم وأن ميزانية قصر العيني بكاملها لا تستطيع علاج أكثر من 100 حالة تسمم نتيجة لأكل الفسيخ.. واختتم د. عمر حديثه متسائلا لا أعرف ماذا أفعل إذا وصل للمركز عشر حالات مصابة بالتسمم بسبب الفسيخ؟!.
