يرى بعض المحللين أن الأزمة المالية التي انفجرت في النظام الرأسمالي الأمريكي في منتصف سبتمبر 2008 وسرت كالنار في الهشيم تحطم توابع هذا النظام المالي في الدول الأوربية ومن نحا نحوها وتنذر بانهيار الإمبراطورية الأمريكية في اقل من ثمانين سنة بعد أزمته المالية الشهيرة عام 1929 كما انهار من قبل الاتحاد السوفيتي وتفككت ولاياته سنة 1990 أي في اقل من سبعين سنة بعد ثورته البلشفية سنة 1917. في كتابه الأزمة المالية وحلول إسلامية للدكتور سعد الدين مسعد الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر يري الكاتب انه مع أن الدول غير الإسلامية ليست مخاطبة بالتكاليف الشرعية وليست ملتزمة بضوابطنا الإسلامية في أنظمتها المالية إلا أن الفقه الإسلامي يستوجب تحليل تلك الأزمة المالية الأمريكية وبيان الوقاية منها والعلاج من آثارها من وجهة نظر إسلامية لسببين الأول تقديم النصح لأولي الأمر في الدول غير الإسلامية التي وقعت فيها تلك الكارثة المالية لان المسلم بمقتضي إسلامه يحب الخير لكل الناس وينصح به، والسبب الثاني تثبيت الإيمان في قلوب المسلمين وأنهم علي الحق لان ما في نصوص مرجعيتهم في القرآن والسنة النبوية بشأن ضوابط إدارة المال واستثماره ما يفوق أي نظرية شرقية أو غربية وأنهم في مأمن ما تمسكوا بشريعتهم .. ويوضح الكاتب أن بداية الأزمة المالية الأمريكية كانت النذر الأولي لها في أوائل عام 2000 بداية عهد الرئيس بوش الابن عندما شرع في تنفيذ برنامجه الانتخابي الذي كان يدعو فيه الشعب الأمريكي إلي مجتمع التملك ويري ضرورة امتلاك الأمريكيين منازل واسهما وأعمالا تجارية، وفي سبيل ذلك عمل علي تخفيض الضرائب وكان من دواعي هذه السياسة المالية الأمريكية ما ينذر بالخطر لأسباب ترجع إلي الأفراد وأخري ترجع إلي شركات الاستثمار وثالثة ترجع إلي البنوك والمؤسسات التمويلية وهي جميعا أسباب مترابطة. فالبنسبة للأفراد حدث توسع في القروض العقارية بالفوائد الربوية بضمان رهن العقار حيث توجهت ملايين العائلات الأمريكية إلي البنوك والمؤسسات المالية الاقتراضية لشراء المنازل والوحدات السكنية بضمان رهن العقار وكثيرًا ما يعجز المدين عن الوفاء. أما السبب الثاني فيرجع إلي شركات الاستثمار يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط هي: إنشاء الشركات الاستثمارية دون دراسة وافية لمجرد الاستفادة من سياسة البنك المركزي الأمريكي الذي اتخذ سلسلة من خفض الفائدة علي القروض الاستثمارية بغرض تشجيع رجال الأعمال علي الاستثمار الرأسمالي مما تسبب في إنشاء شركات وهمية بغرض الحصول علي القروض الميسرة وإعادة إقراضها بالفائدة الأعلى كما تسبب في إنشاء شركات عديمة الخبرة فتعثر بعضها وأخطأ البعض الآخر. وأشار المؤلف إلي أن هناك من رأي أن الأزمة المالية الأمريكية لا تخرج عن كونها مؤامرة مفتعلة تستهدف الاستيلاء علي الأموال العربية من الثروة النفطية وغيرها والمودعة في المصارف الغربية كما تستهدف فتح الباب لحرب ضروس ضد الإسلام الذي بدا ينتشر في العالم ويأخذ مكانه العدو الأول للرأسمالية والإمبراطورية الأمريكية وإلي هذا الاتجاه ذهب بعض المحللين السياسيين وأشارت إليه رابطة مكافحة التشهير وهي مؤسسة أمريكية داعمة لإسرائيل في أمريكا حيث أصدرت تقريرا تدعي فيه انه في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت أمريكا وجهت أصابع الاتهام لليهود في أمريكا الذين يسيطرون علي جزء مهم من الاقتصاد الأمريكي بالمسئولية في الانهيار الاقتصادي. ويري أصحاب هذا الاتجاه أنها أزمة مدبرة وأن هذه هي مقدمات الأزمة وترتيب أحداثها محكمة بما يتفق مع نظرية المؤامرة التي تجيدها الإدارات الأمريكية منذ تاريخ قديم وان هناك دوافع اقتصادية تتعلق بإنقاذ الإمبراطورية الأمريكية الرأسمالية من الإفلاس والانهيار الاقتصادي وان الاقتصاد الأمريكي بشكل عام متهالك وانهيار البنوك وشركات التأمين جاء بعد سلسلة من قضايا الفساد والرشوة في المؤسسة الاقتصادية الأمريكية والمشكلة أن إعلان إفلاس شركة أو بنك ما لا يعني أن يجمع أوراقه ويغلق مكاتبه وإنما يستمر في ممارسة عمله بدعم من أموال أخري وقروض أو بشرائه من بنوك وشركات أخري وتلعب الأموال العربية والأسيوية المستمرة في أمريكا دورا في هذا الصدد أي تمول المفلسين بلا ضمانات لها بغرض إنقاذ هذه البنوك والمؤسسات التي سبق أن ضاعت أموالها فيها وتسعي لاستعادتها باستثمار المزيد املا في انتهاء الأزمة وهناك دوافع سياسية تتعلق بإبعاد النفوذ العربي والأسيوي عن صناعة القرار السياسي الأمريكي وقد بلغت سطوة الصناديق السيادية لحكومات دول خليجية وأسيوية ولاتينية أنها تدير أصولا استثمارية تزيد علي 2.5 تريليون دولار ويتوقع ان تصل ارصدتها الي 12 تريليونا عام 2015 وقد جاء في بعض البحوث الاقتصادية العربية أن حجم الأموال العربية المستثمرة في أمريكا يتجاوز التريليون دولار وفي تقرير لبعض الهيئات أن حجم الأموال الخليجية المهاجرة في الخارج 1.4 تريليون دولار بينها 750 مليار سعودية نحو450 مليار دولار تستثمر في أمريكا و255 مليار دولار في أوربا وقد زاد من حجم الثروة السيادية العربية ارتفاع سعر البترول والذي بلغ 150 دولارا للبرميل في يوليو 2008. ويستطرد الكاتب ويبين انه كانت هناك دلائل علي هذه المؤامرة فقبل الانهيار المالي الأخير صدر تقريران استراتيجيان أمريكيان في يونيو 2008 يحذران من تأثير رأس المال العربي أو صناديق الأجيال التي يسيطر عليها رأس المال الخليجي علي الاقتصاد الأمريكي والغربي مستقبلا ويحذران من تحول دفة السياسة في العالم مستقبلا لخدمة مصالح عربية بفعل هذا التاثير الاقتصادي لو رغبت هذه الدول النفطية. الأمر الآخر أن هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أفصح عن مخاوفه من ثروة العرب في مقال له وحذر من تكدس مليارات النفط في الخليج ومن صناديق الثروة الخليجية. والدليل الثالث أن الصيد الثمين المتمثل في الثروة السيادية للحكومات العربية يسهل الإمساك به والتخلص منه بخطة محكمة لا تغيب عنها الأصابع الصهيونية وقد اتبعت هذه الخطة خدعتين: الأولي النقد الدولاري بغير تغطية حيث انتهجت السياسة الاقتصادية الأمريكية في عهد بوش الابن الي نظام طباعة البنكنوت بدون أسس نقدية سليمة أي بدون إنتاج حقيقي. والثانية خدعة الإفلاس المتعمد حيث توسعت السياسة الأمريكية في عهد بوش في إنشاء بنوك الاستثمار العقاري وهي بنوك لا تخضع لرقابة البنك المركزي فكان من السهل علي تلك البنوك وشركات الاستثمار الأخري أن تعلن الإفلاس العمدي خصوصا تلك التي تتركز فيها الاستثمارات العربية بغرض ابتلاع تلك الأموال لأنه لا توجد ضمانات لمن يضعون أموالهم في المؤسسات المفلسة. وبعد أن استعرض الكاتب دراسة موجزة عن الأزمة المالية يبين هنا أن هذه الأزمة قد كشفت عيوب النظام المالي الرأسمالي وانه مهما حاولت الإدارة الأمريكية إنقاذه فهو هش في ذاته لان الخلل جزء من حقيقته وهذا الخلل يمكن لذوي الفطرة السليمة معرفته دون عناء وبالمقارنة بين النظام الرأسمالي والإسلامي يتضح البون الشاسع فكل ما تسبب في الأزمة المالية الأمريكية ورد التحذير منه في شريعتنا الغراء ومن اهم هذه النقاط كما أوردها المؤلف. الحرية في النظام الرأسمالي دفعت أصحابها إلي ترك الوظائف حتى وجدنا 750 ألف مدين للبنوك قد تركوا وظائفهم خلال الشهور التسعة الأولي لعام 2008 لضمان إعانة البطالة أما الشريعة الإسلامية فهي توجب علي كل قادر أن يعمل حتي آخر نفس وتخصص الزكاة للفقراء ونحوهم دون القادرين علي العمل إلا لعذر كما حرم الإسلام تضخيم الأصول بغير حق لأنه من الكذب والغش كما أن الحرية في النظام الرأسمالي جعلت التجارة سعيا إلي الربح فسمحت بكل الحيل التي تحقق الربح مثل توريق الديون ومشتقاتها ومثل فتح الشركات الوهمية بغرض الحصول علي قروض ميسرة ثم إقراضها بفائدة اعلي ومثل إعطاء قروض الاستثمار الميسرة للشركات التي تديرها خارج البلاد وغير ذلك من تجاوزات سبق بيانها. وفي نهاية الكتاب يقدم الكاتب بعض التدابير الاحترازية لحماية الاقتصاد العربي من اذي النظام الرأسمالي فيقول يجب إنشاء كيان اقتصادي عربي إسلامي كبير يستطيع مجاراة التكتلات الاقتصادية القائمة مثل الاتحاد الأوربي التي أصبحت كيانات اقتصادية وتفاوضية كبيرة وتفعيل السوق العربية المشتركة والتوسع في البنوك الإسلامية التي لا تتعامل بالربا أو الغرر خاصة وان هذه البنوك لديها فرصة كبيرة للنمو خلال السنوات المقبلة.