في فيلم الفارس الأول يقدم مالاجانت وهو عنوان الأنانية وهوس الاستحواذ الشرير, خلاصة نموذجية في مواجهة الملك آرثر, بقوله مخاطبا شعب مدينة كاميلوت بعد أن أطبق هو وعصابته عليها. ماذا منحكم آرثر.. الأخ لأخيه والفرد للجماعة! ماذا فعلتم لأنفسكم؟!, باختصار كان وعده هو أن يجعل كلا منهم يعيش لنفسه وفقط, وهو وعد الرأسمالية في كل زمان ومكان حيث تتبدي المصلحة الفردية علي كل ما عداها حتي لو علي حساب مصلحة المجتمع والدولة الرأسمالية ذاتها, بالذات عندما تضعف سلطة القانون وتضمر آليات الرقابة فينتشر الفساد سواء كان موضوعه هو المال العام أو المال شبه العام في الشركات التي يملكها مئات الآلاف أو حتي الملايين من حملة الأسهم, ويديرها نيابة عنهم حفنة من المديرين التنفيذيين الذين ثبت بشكل قاطع في أزمة عام2001 في الولاياتالمتحدة وفي أزمة عام2007, وفي الأزمة العالمية التي انفجرت عام2008 والمستمرة حتي الآن, أنهم يأتون بالأعاجيب للتحايل والنصب علي حملة الأسهم ونهب أموالهم ومدخراتهم وأن مدخل المصلحة الفردية يمكنهم من رشوة شركات المحاسبة التي من المفترض أن تراقبهم لصالح حملة الأسهم, وكما كان مصير وعد مالاجانت الشرير هو أن يصبح من مخلفات التاريخ في الرواية شبه الأسطورية التي انتصرت لاشتراكية آرثر الديمقراطية, فإن الرأسمالية سوف تصبح من مخلفات التاريخ يوما ما لتخلي المجال لنظام أكثر عدلا وإنسانية وقابلية للنمو والتطور المتواصل هو النظام الاشتراكي الديمقراطي الحقيقي وليس النموذج البيروقراطي الذي بنته بعض الدول وانهار في شرق أوروبا, سواء ولد النظام الجديد من رحم الديمقراطية الرأسمالية بكل عيوبها أو من خلال عملية تغيير شعبية شاملة للنظام الرأسمالي المولد للأزمات بسبب عدم عدالته, والمولد للفساد بسبب هوس الاستحواذ الفردي الذي يحركه. وبعيدا عن الفيلم فإن حكومة يسار الوسط اليونانية الحالية جاءت بوعد رئيسي هو تحسين أحوال الفقراء, وفرض ضرائب اضافية علي الرأسمالية الكبيرة والأثرياء للسيطرة علي عجز الموازنة لتمويل تحسين الخدمات والتحويلات الاجتماعية لكنها لم تكن تدري أن الحكومة اليمينية السابقة عليها والمماثلة في سياساتها للمجموعة الاقتصادية في الحكومة المصرية, قد أوصلت اليونان لكارثة مالية مروعة, كانت تغطي عليها ببيانات مزورة حول حجم الديون بالذات, بتواطؤ صريح من مؤسسات مالية أمريكية كبيرة مثل جولدمان ساكس ومن صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين لا ينشران أي شيء عن ديون اليونان أو أي دولة راسمالية متقدمة, وكأن عار الديون لابد أن يلصق بالدول النامية والأقل نموا فقط, وهو تحيز ايديولوجي فج يستهدف تغطية رزايا الرأسمالية واظهارها وكأنها النموذج الاقتصادي العالمي الأفضل! وتحت وطأة الأزمة التي تفجرت في اليونان قامت الأخيرة بزيادة معدل الضريبة علي من يزيد دخلهم علي100 ألف يورو من40% إلي45% في العام الحالي, ورفعت الضريبة علي أصحاب الاملاك التي تزيد قيمتها علي5 ملايين يورو2%, ورفعت الضرائب علي ارباح الشركات الأجنبية العاملة في اليونان من3% إلي15%, ورفعت الضرائب علي البناء والمحروقات والسجائر والسيارات الفاخرة واليخوت والطائرات المروحية والمعادن النفيسة والجلود, وخفضت العلاوات والمنح لموظفي الحكومة وجمدت معاشات التقاعد وتعهد بخفض الانفاق العام بمقدار30 مليار يورو خلال3 سنوات. وكانت كل هذه الإجراءات مطلبا لصندوق النقد الدولي وللدول التي تعهدت بتقديم القروض الجديدة لليونان بقيمة120 مليار يورو علي3 سنوات بفائدة3.6% لإنقاذها من الاقتراض من خلال السندات بفائدة أكثر من11% بعد تخفيض تصنيفها الائتماني. ومن يتأمل البيانات الاقتصادية اليونانية سيجد أن أزمتها كانت ستنفجر لا محالة إذا لم تتلق مسكنا قويا في صورة قروض كبيرة, وسيجد أيضا أن حالتي البرتغال وإسبانيا ليستا أفضل من نظيرتهما اليونانية, وسيجد أن دول الاتحاد الأوروبي اجمالا لديها اختلالات قوية في موازينها الداخلية, حيث ان عجز الموازنة العامة للدولة كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي المقدر للعام الحالي يبلغ نحو7.1% في مجموع منطقة اليورو, ونحو11.5% في إسبانيا, ونحو8.4% في فرنسا, ونحو6.2% في هولندا, ونحو6% في بلجيكا, ونحو5.6% في ألمانيا, ونحو5.3% في إيطاليا, علما بأن قواعد الاتحاد الأوروبي تقضي بألا يزيد هذا العجز علي3%. كما أن لديها اختلالات قوية في موازينها الخارجية باستثناء ألمانياوهولندا والنمسا التي تتمتع بفوائض جيدة في ميزان الحساب الجاري, وبلجيكا المتوازنة بالكاد, وفرنسا التي تتذبذب بين الفائض والعجز المحدودين. وخارج منطقة اليورو نجد أن دولة كبيرة مثل بريطانيا تعاني من عجز هائل في الموازنة العامة للدولة مقدر بنحو12.8% من الناتج المحلي الاجمالي في العام الحالي, وتعاني ايضا من عجز مزمن في ميزان الحساب الجاري مقدر له أن يبلغ نحو1.7% في العام الحالي. وإذا كانت النرويج المصدرة للنفط, تنفرد بأنها الدولة الأوروبية الوحيدة التي تحقق فائضا كبيرا في الموازنة العامة للدولة, فإن هناك عددا من الدول تحقق فائضا في ميزان الحساب الجاري هي: ألمانياوهولندا والنمسا وفنلندا والسويد والدانمارك, إضافة إلي النرويج. وهذه الدول بالاضافة إلي فرنسا التي تملك احتياطيات مالية كبيرة نسبيا, هي التي تملك القدرة علي مساندة باقي الدول الأوروبية المأزومة التي قد تحتاج إلي ما هو أكثر من مساندة الاتحاد الأوروبي, وصندوق النقد لتلجأ إلي الدول صاحبة الاحتياطيات الأضخم عالميا وهي الصين واليابان وروسيا والاقليم الصيني تايوان, والهند والبرازيل التي بلغت قيمة احتياطياتها بالترتيب نحو258,296,0303,446,1100,2706 مليار دولار, وغيرها من الاقتصادات الناهضة في شرق وجنوب شرق آسيا. ومن الضروري تأكيد أن اليونان ليست وحدها في دوامة الأزمة, لأن ديون البرتغال الأقل دخلا من اليونان للمصارف الاسبانية وحدها تبلغ نحو86 مليار دولار, بينما تبلغ ديون إسبانيا نحو658 مليار دولار لبنوك ألمانية238, وفرنسية220, وأمريكية200 مليار دولار, وذلك وفقا لبيانات بنك التسويات الدولية, وهو ما استوجب خطة بقيمة750 مليار يورو لمواجهة الأأمات المالية الأوروبية, لكن أوروبا تأخرت كثيرا في مساندة اليونان بصورة تهدد تماسك منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي بأسره, وتجعل النموذج الذي تقدمه هذه المنطقة غير موثوق به فيما يتعلق بالتعاضد بين دوله.