اسفت وأنا أسمع الأستاذ مفيد فوزي الإعلامي المعروف، وهو يتحدث بطريقة غير لائقة عن رمز من رموز مصر، والعالم الإسلامي، لا يختلف اثنان في الاعتراف بكونه نموذجا فريدا لا مثيل له في القرن العشرين لعالم رباني، ومفكر، وفيلسوف، ومفسر، وفقيه، وطبيب نفسي، واستاذ علم اجتماع، ومرجع لشباب الأمة في الوطنية، والقيم، والأخلاقيات وهو: مولانا فضيلة الإمام الشعراوي، فهذا الرجل لو سألت عنه ليس في مصر فقط، والعالم العربي بل في أي قُطر من أقطار المعمورة: لتسارعت الأجوبة بالثناء عليه، والذكر الحسن الجميل، إذ كان يعيش وسط الناس من فقرائهم، وأغنيائهم، ويُنفق ماله في الخير بغير حساب، وكانت جميع أقواله، وأفعاله تجسيدا لمنهج الله الوسطي الذي كان يدعو إليه، وكانت له قدرة فائقة في التواصل مع الشباب، والشيوخ، والمثقفين، ومحدودي الثقافة، وأبسط الناس في القري، والنجوع، عبر لقاءاته، وبرامجه، وكان لأسلوبه السهل المبسط الذي اقتبسه من القرآن والسنة سحرا في النفوس، وعمقا في الأفهام. هذا نعرفه، ويعرفه الجميع عن علامة مصر، والأمة؛ الإمام الشعراوي. لكن أسفت كما قلت لما سمعته من مفيد فوزي في أحد البرامج، وعلي الهواء مباشرة، وهو يتحدث عن هذا الهرم المصري العظيم بطريقة غير مألوفة، ولا متفقة مع الحقيقة، وذلك في رد له علي سؤال جاء فيه: كيف تري الشعراوي؟ : (إذ البعض يري أنه مهد الأرض وخصّبها لكل التيارات المتطرفة اللاحقة، والبعض يري أنه كان عالما مهما.. ؟). فأجاب قائلا: (رأيته بتميزي: أنه أرض خصبة (أي للتطرف) حيث خصّب وحرث الأرض لما جاء بعده) -أي من المتطرفين-. وأقول للأستاذ مفيد: إن هذا افتئات علي إمام الدعاة، وهو كلام غير مفيد، فإذا كان الشعراوي درة العصر متطرفا، وواضعا بذور التطرف علي أرض مصر كما يتوهم المتحدث فمن هو المعتدل إذن ؟!. ومن هو الذي جمع الشباب عبر شاشات التلفاز علي حب الوطن، والقيم والأخلاقيات في وقت غابت فيه هذه الفضائل، وبقوة بسبب من يتربص ببلادنا وشبابها كما يعلم الجميع؟ ولمصلحة من خلط الأوراق بهذه الصورة المنفرة؟!. هل المتحدث تنبه إلي ذلك الآن فقط، ورأي أنه قد حان الوقت ليُعلن أن الشعراوي هوالذي كان مصدرا ومنبعا للتطرف والإرهاب، وذلك بعد وفاته، ولم يجرؤ أنه يُعلنه في زمنه، وحياته فيعلنه اليوم بكل جرأة في وقت نحتاج فيه إلي الحوار المجتمعي الصادق الذي يجمع الشباب علي احترام الرموز الوطنية والعلمية؟!. وهل الشباب إذا سمع من إعلامي كبير: أن رمزا تُعلق صُوره في كل بيوت مصر، ويذيع له التلفاز الرسمي، والخاص: تفسيره اليومي لكتاب الله هو: من مهد لموجات التطرف، والإرهاب التي غزت بلادنا فجأة، وخصّب الأرض، ومهدها لتكاثر تلك الموجات: سيزيد احترامه للعلماء، والأدباء والمفكرين، والذين تفخر بهم مصر أمام الدنيا كلها، أم سيضرب بكل القيم والدعوات التي تنادي بالاعتدال، وحب الوطن عرض الحائط، وقل بعد ذلك علي مصر السلام ؟!. ألم يسمع الأستاذ مفيد: (البرومو) الذي حارب فيه الشيخ الشعراوي التطرف، والتكفير بكل صوره، ويرد فيه علي المكفراتية الذين يصفون مصر: بأنها كافرة، وتُسمعه الدولة في قنواتها لكل أبنائها كل يوم لتزرع فيهم الوطنية، والاعتدال، بل ويردد علي أسماع طلاب كلية الشرطة في كل احتفال كما نشر في صحفنا، وفيه يصرخ قائلا: ( من يقول عن مصر إنها كافرة فمن المسلمون؟ مصر التي صدّرت علم الإسلام إلي الدنيا كلها، صدّرته حتي إلي البلد الذي نزل فيه الإسلام). وهو القائل أيضا: (انظروا إلي التاريخ : من الذي رد همجية التتار؟ من الذي رد هجمات الصليبين عن المسلمين ؟ إنها مصر وستظل مصر رغم أنف كل حاسد وحاقد) ومن أقواله الحكيمة أيضا عن الثورة، والثوار، والتي رددها الناس في كل مكان عقب الفوضي التي أعقبت ثورة يناير، والتي يبدو أنها قد غابت أيضا عن ذهن الأستاذ مفيد فوزي: وفيها يقول: (إن الثائر الحق هو الذي يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد). فهل من اللائق أن يُوصف صاحب هذا الاقوال، والحكم بأنه من المتطرفين، وهو الذي خصّب الأرض للتطرف، ووضع فيها بذور الإرهاب كما يفهم من قوله؟!. أليس من الأجدي أن يدعو مفيد: مدارس ومعاهد مصر أن تجعل هذه الكلمات نبراسا لطلاب العلم في ديار العلم ليهتدوا بها في حب مصر، وأهلها جميعا، وتكون افتتاحية لطابور الصباح في كل دار، ويُثني علي من تفوه بها بدلا من الادعاء عليه بما ليس فيه؟ أين ذهب دهاء، وذكاء وفطنة الأستاذ مفيد، وهو يتحدث بكلام غير حقيقي ولا مفيد عن علم من أعلام مصر، والأمة بهذه الطريقة، وعلي منبر إعلامي يسمعه فيه فئات الشعب في كل البيوت بثقافاته المختلفة ؟ إن الإمام الشعراوي لابد أن يُقدم بالصورة اللائقة به فهو ابن المنهج الوسطي، وابن الأزهر الشريف، والأزهر لا يخرج دعاة للتطرف، إنما يخرج علماء، وأدباء، وقادة، وزعماء، ولسنا في حاجة إلي من يتفيقه علينا ليُقوّم لنا: إمام الدعاة، فأقواله، وعلمه، ومحاضراته ومواقفه الوطنية، تؤكد أنه إمام المعتدلين، وابن مصر البار بأهلها مسلمين، ومسيحيين، والكنيسة تشهد له قبل المسجد، والمسيحيون يسابقون المسلمين بالثناء علي الرجل، والترحم عليه، تماما، كما يسابق المسلمون بالثناء، وذكر مواقف البابا شنودة قبل أتباع السيد المسيح- عليه السلام -، ونحن في أشد الحاجة إلي هذه اللحمة الوطنية بذكر علمائنا، وقادتنا بالفضل، والإحسان، لا بانتسابهم إلي أهل التطرف، والبهتان. فإذا ظهر بيننا من لايراعي مشاعر بعضنا، ويدعو إلي أقوال تثير الجدل، والنقاش دون النظر إلي عواقب نتائجها؛ فعلي العقلاء أن يُنبهوا علي ذلك، ويحذروا المتحدث ليراعي مشاعر المحبين لرموز مصر، وعلمائها ليبتعد فورا عن هذا اللغط اللامفيد، والأقوال المختلقة ، فمصر عندنا كبيرة، وليست هينة، وقادة الفكر فيها هم بتاريخهم علي رؤوسنا، والإمام الشعراوي واحد من هؤلاء، وسيظل علمه وتاريخه، راسخين في وجدان كل مصري، وعربي، ومسلم في العالم كله، وإن كان هناك من تقويم، وتوصيف، وحديث عن الرجل، وأمثاله فلابد من الالتزام بالموضوعية، والمصداقية في العرض، والتقويم، وهذا ما كنا نرجوه من الأستاذ مفيد حتي يكون الكلام بحق نافعا، ومفيدا. أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الشريف