كنتُ قد جهّزت نفسي للكتابة عن شيخ الأزهر، الذي هو الإمام الأكبر، بعد أن اتّهمه أحدهم في برنامجه اليومي على قناة مصرية بأنه «داعشي»، وأنّ فكره لا يقلّ خطورة عن فكر أبي بكر البغدادي، لولا أنني وجدت افتراءً آخر على العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين! لقد انتقدت في وقت سابق مواقف «سياسية» لشيخ الأزهر أحمد الطيب، واشتبكت مع فضيلته على الهواء في قناة «العربية»، في حلقة شهيرة شاركني فيها؛ بل شاركت فيها الزميلين العزيزين جاسر الجاسر وبدرية البشر، فيما كان الأستاذ داوود الشريان يتولّى مهمته في إدارة الحلقة، غير أنني اليوم أقف مستنكراً- بقوة- اتهام الإمام الأكبر بالداعشية وبالعنصرية، وبأنه أخطر من أبي بكر البغدادي، لمجرد أنه قال: «إنّ الأمة تنهض وتتقدَّم بمقدار تمسّكها بالإسلام، وتتخلّف كلما ابتعدت عن تعاليم الوحي، على عكس ما جرى في أوروبا، حيث تراجعت عندما كانت تُعلن تمسّكها بالكنيسة، فلما أعطتها ظهرها تقدَّمت، وهو ما يُعرف باسم عصر النهضة»! أعود فأقول: إنّني حين كنتُ استعدّ للكتابة عن تهمة شيخ الأزهر، الذي سمعت حديثه، بل وشاهدته على إحدى القنوات المصرية، كانت قناة مصرية أخرى تبثّ فتوى للأستاذ مفيد فوزي.. نعم مفيد فوزي.. يُفصِّل فيها، بل ويحسم فيها الخلاف حول الطلاق، وينهي الجدل بين «عالمين»، اختلفا على وقوع الطلاق الشفهي من عدمه!! قُلت طالما كان الأمر كذلك، ولا أقول المهزلة، فلأبتعد عن الإسفاف وأكتب في الهمّ السياسي، لكنني في الحقيقة وجدتُ همًّا، بل غمًّا أكبر؛ يختلط فيه السياسي المريض بالإعلامي الأمرض! كان «مرصد الفتاوى الشاذة»، يفتري على العلامة الشيخ ابن عثيمين، مؤكدا أنّه عثر أثناء تنقيته للفكر الإسلامي وتجديده له على فتوى لابن عثيمين، يفتي فيها «بجواز قتل النساء والصبيان»، ومُعلِّقا على ذلك ب»أن فتاويه الشّاذة التي تبيح قتل النساء والصبيان، كانت هي المرجع الأساسي للمتطرفين لقتل المدنيين»! لقد كفاني، وكفى ملايين غيري دفاع هيئة كبار العلماء عن العلامة الراحل، غير أنّ اقترابي من الرجل؛ و»مشاويري» الأجمل معه من المسجد الكبير إلى داره في عنيزة، يُوجبان، بل يَفرضان عليَّ أن أقول: إن شيخنا الراحل كان أحد رموز الإسلام الوسطي الجميل، ويشهد الله، بل أُشهد الله، أن ابن عثيمين ظلّ يحمل على عاتقه مهمة توعية الشباب المتحمّس؛ في عزّ ما كان يُسمَّى بالصّحوة الإسلامية، قولاً وسلوكاً وعملاً. لقد كان بحق نوراً يمشي على الأرض. لقد أُقيم «مرصد الفتاوى الشاذة»-كما علمت- بهدف مواجهة «الإسلاموفوبيا» في الغرب، والتواصل مع العالم الآخر -كما يقول الشيخ إبراهيم نجم- مستشار مفتي مصر.. والحق عندي أنّ الأمور إذا مضت على هذا النحو المؤسف، فإن «الإسلاموفوبيا» ستنتقل -إن لم تكن قد انتقلت بالفعل- الى العواصم العربية الإسلامية، وفي صدارتها، كنانة الله على الأرض وقلعة العروبة والإسلام!