ما أقساها من لحظات تلك التي نمضيها ونحن نودع عزيزًا فقدناه ، وما أصعبها من مهمة وأنا أبحث في ذكرياتي عن كلمات لرثاء أستاذتي وصديقتي وأمي الثانية سهير جبر التي رحلت قبل أيام في هدوء كانت تتمناه من الله. الأستاذة سهير هي كل عمري في الأخبار، فعندما أتيت إلي القاهرة بعد تخرجي للعمل قبل 18 عاما كانت هي أول من أعرف وأول من علمتني القراءة الغزيرة لأكثر من 30 موضوعًا أجنبيًا حتي أخرج في النهاية بموضوعي الصحفي الذي أريد. كانت مهمتي الكتابة ومهمتها التوجيه والتعليم. وفي مرحلة ما أصبح جزء من عقلي يفكر مثل سهير جبر، فكنت أتوقع ما ستكتبه في مقالها الأسبوعي »كشف المستور» والموضوعات التي ستختارها في الملحق الأسبوعي وكانت تندهش من قدرتي علي ذلك ، فأقول لها لقد تتلمذت علي يد سهير جبر وما أدراك من هي سهير جبر؟ فتضحك. تبادلنا الأدوار وأصبحت أنا الأستاذة عندما أرادت أن تتعلم الكمبيوتر ثم استعادت مكانتها وتفوقت عليَّ لاحقا في هذا المجال. وبالرغم من أنني لم أكن الابنة الهادئة المطيعة ، بل كنت مزعجة كثيرة النقاش وكثيرة النصح لها بالخروج من هذا السجن الذي ظلت حبيسته أكثر من نصف قرن ورجوتها أن تكون لها حياة خارج جدران هذا المكتب الذي كانت تعشق تفاصيله، أعطتني وساما لم تمنحه لأحد بأنني خليفتها وتلميذتها النجيبة في الأخبار.تشاركت معها كل أفراحي ومناسباتي السعيدة وكانت أول من يتصل بي لتخبرني بخبر فوزي بالجوائز التي حصلت عليها وكنت أسعد فقط لأنني أسعدتها وجعلتها تفتخر بي أمام الجميع. واليوم وأنا أعلم كم تعبت وكم تألمت وكم من الوقت عاشته وحيدة ،عزائي الوحيد أنها وجدت السعادة والرضا قبل الرحيل ، وإن رحل الجسد فروحك معي أستاذتي الغالية.