كان يومًا مشرقًا، وكل شيء يبدو جميلاً، هل هي محاولة لإغرائي حتي أتراجع عن قراري، أم وداع يليق بي؟ خرجت من منزلي بحقيبتي الصغيرة لماذا أثقل ذاتي إن كنت سأتحرر من الحياة؟ حملت فقط بعض الأموال.. فيزا كارت.. مفاتيح خزانتي.. خاتم الفضة أول هدية من عبد المعطي، هل ينظر إليّ؟ سيصفني بالجنون كالعادة؟ أم سيفرحه اجتماعنا بعد هذه السنوات؟ عطري المفضل، صففت شعري كما يحبه وأحكمت وضع الحجاب فوقه، البياض الذي اكتسبه لم يفقده نعومته وطوله، هذا ما كان يجذب عبد المعطي إليه، تركت خلفي أوراق المحضر وكل ما سلب راحتي. هل أنزع الفرامل أم أقف أمام القطار..؟ أجيد السباحة، هل الموت صعب مثل الحياة..؟ أقود سيارتي والأسئلة تتلاقفني، صرخة من جانب الطريق "يااااااااااارب" خدرتني وجعلتني أتوقف وأبحث عن المستغيث، رأيته رجلا أربعينيا ينزف ويقاوم الموت.. وأنا استدعيه يا للعجب، طلبت من رجل يسير علي الجهة الأخري أن يساعدني في حمل المصاب، نظر نحوي بدهشة وألقي بسيجارته، عاونني، أدخلت المريض سيارتي وشكرت الآخر الذي استكمل طريقه، كانت منطقة لا أعرفها، يبدو شرودي جعلني أبتعد كثيرًا، وجدت مستشفي خاصا، أسعفوه، كانت كدمات وجروحًا سطحية وكسرا في قدمه اليمني، جلست بجواره فشكرني، أنا من كانت ترغب في شكره، شعرت أن لوجودي هدفا نبيلا لأنه ربما يكون زوجًا أو أبًا لأطفال، أكد لي الطبيب أنه بإمكاننا الخروج، ابتعت له عكازًا، سألته عن جهته عندما ركبنا السيارة، قال أنه لا مكان له أو أهل..أخذته إلي فندق متوسط أعرفه وحجزت لنفسي الغرفة المجاورة، جلسنا في الاستقبال. أنتِ ملاك. ربما أنت الملاك. أنا شيطان وأعرف ذلك. اليوم كنت سأقتل نفسي، بسببك مازلت حية. وأنا أتمني الموت. مازال أمامك العمر طويلاً. ما ضاع منه لا يعوض. لم كل هذا اليأس؟ ولماذا فكرتِ في الانتحار؟ لا أحد يرغب بوجودي، أحفادي قاموا برفع قضية حجر عليّ. آسف، وأنا لا أحد يرغب بوجودي أو يلحظني من الأساس. أين أهلك؟ لا أعرف. كيف ذلك؟ امتنع عن الإجابة ولكن لا تكذب. اليوم أنهيت عقوبتي وخرجت من السجن، 25 عامًا لم يزرني أحدهم، نسيت ملامحهم صدقينني. من ضربك إذن؟ أهل القتيل ولم يكتفوا بضياع عمري. كان الحديث سوداويًا، تناولنا العشاء، وخرجنا في نزهة إلي وسط البلد بسيارتي، أخبرته أنني أجبن في تنفيذ الانتحار، راودني عقب موت عبد المعطي زوجي وجد الجاحدين، كان يأتي في المنام ويصبرني، لم أندم علي الحياة تكفلت برعاية معارفه الفقراء وهذا ما أغضب أحفادي، لكنه أسعدني كثيرًا بعد هجرة أبنائي، الوحدة كانت تقتلني، لم يجب طلب ورقة وقلم، رسمني بدقة :" أنا لا أعرف شيئًا سوي الندم، كنت شابًا طائشًا وصرت كهلاً لا فائدة منه في لمحة بصر، سنواتي قد اختلست مني" امتدحت رسمه، عدنا إلي الفندق، في الصباح قمت بسحب بعض الأموال، لم أوكل محاميًا سأتركهم يأخذون المال والمنزل وكل شيء، كنت سأترك الحياة لكن ظهور راشد جعل أيامي تطول قليلاً، شعرت بأمومتي وأنوثتي بل أعاد لي الحياة، هناك من ينتظر صباحي عليه وكتفي ليستند وروحي لتشتبك بروحه، عشت لأنني لا أستطيع قتل روحين معًا.