أتعجب جدا من صراخنا بسبب انحسار السياحة.. أتساءل إن كان كل هذا الاهتمام الرسمي والوزاري والشعبي الإعلامي هو اهتمام حقيقي، أم إنه اهتمام لا يتعدي حدود الحناجر التي اعتادت علي الانتقاد والشكوي والبكاء دون التطرق إلي واقع الأزمة، ودون أن نسأل عن واجبنا كمواطنين في التكتل والإصرار علي حلها.. الملايين منا غادروا إلي خارج البلاد للسياحة وعرفوا مقام السائحين في كل بلدان العالم، وكيف أنهم يكونون هم المكرمين علي الأرض » الكل بيشيلهم فوق دماغه » بدءا من المطارات والفنادق والمواصلات والمسئولين عن المزارات السياحية والشواطئ والمطاعم والمحال التجارية الكبري والصغري والمستشفيات، وانتهاء بالمسئول والشرطي وسائق التاكسي وربما التوكتوك أيضا، بل أصغر مواطن، فيكفي حسن الاستقبال والابتسامة الرقيقة المرحبة. السياحة فن وصناعة وتجارة وثقافة وأخلاق وآداب وقيم، وأخيرا.. هي أرباح علي المشاع، لا تخص مواطنا دون آخر.. فأرزاق أصحاب البلاد السياحية مُركبة ومعقدة.. ولا يجدي معها أن » يلطش» شخص رزقه منها ويجري، لأن الحصول علي الرزق الكبير- وما بالنا بالرزق القومي - لا يقوم علي مبدأ امسك رزقك واهرب، بل امسك رزقك وسلّم طرف خيط الرزق لمن يقف في طابور الانتظار بعدك، فمنذ نزول السائح علي أرض المطار والموانئ في أنحاء العالم لا يمكن أن يصادف في أي مكان كم هذا الاستغلال البشع من الجميع دون استثناء كما يحدث في مصر وفي كل أنحائها من تلك المناطق التي نطمع أن يزورها السائحون! والحقيقة أنني كان لي شرف زيارة الكثير من البلدان الغربية والإفريقية والعربية، وزيارة مناطقها النائية وليست فقط السياحية، بل والعيش فيها بما يشمل القري ذاتها والتي يذهلك كثيرا أن تري كيف يحولها السكان الريفيون إلي مناطق مبهجة غاية في الروعة والنظافة، ويقومون بطلاء كل بيوتها باللون الأبيض، ويجملون كل طرقاتها بألوان وأنواع الزهور، ثم يستقبلك الرجال في كل مكان لبيع سلعهم التجارية، علي حين تقوم القرويات ببيع أشغالهن التقليدية المطرزة لك. إن الدولارات لا تهبط من السماء.. بل تخرج من جيوب وأرصدة السائحين طواعية فكل من يقرر السفر لقضاء إجازة » بيحسبها ألف مرة» ذلك أن أمواله عزيزة عليه، وتساعده علي حمايتها حكومات بلاده وسفاراته وشركاته السياحية ومعلومات وسائل التواصل، وتجارب من سبقوه ممن ينقلون له تجربتهم وخبرتهم بالأماكن وتصرفات الشعوب.. لذا لا يمكن أن نستقبل السائح بكل» ما نبدعه » من فهلوة واستغلال ومضايقات وتحرش وعدم مبالاة بالنظافة العامة وبالصحة وحوادث الطرق.. ثم عندما ننتظره ولا يأتي نُحيل الأمر لوزير السياحة بل للرئيس. مسك الكلام.. خيانة مصر وسرقة مواردها السياحية من جانب أي مصري.. خيانة عظمي لابد من أن ينال المتسبب فيها عقوبة قصوي لا تعرف الرحمة.