محافظ سوهاج يزور مطرانيات الأقباط بالمحافظة للتهنئة بعيد القيامة    مصر تستورد لحوم وأبقار بقيمة 139.7 مليون دولار خلال يناير وفبراير    عاجل| ماكرون يدعو نتنياهو إلى استكمال المفاوضات مع حماس    بالأسماء.. مفاجآت منتظرة بقائمة منتخب مصر في معسكر يونيو المقبل    تصنيع مواد الكيف والاتجار بها.. النيابة تستمتع لأقوال "ديلر" في الساحل    3 أبراج تعزز الانسجام والتفاهم بين أشقائهم    فوائد وأضرار البقوليات.. استخداماتها الصحية والنصائح للاستهلاك المعتدل    الآن.. طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    الأهلي يبحث عن فوز غائب ضد الهلال في الدوري السعودي    «الزهار»: مصر بلد المواطنة.. والاحتفال بالأعياد الدينية رسالة سلام    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    «على أد الإيد».. حديقة الفردوس في أسيوط أجمل منتزه ب «2جنيه»    انتشال أشلاء شهداء من تحت أنقاض منزل دمّره الاحتلال في دير الغصون بطولكرم    تجدد الطبيعة والحياة.. كل ما تريد معرفته عن احتفالات عيد شم النسيم في مصر    ناهد السباعي بملابس صيفية تحتفل بشم النسيم    دمر 215 مسجدًا وكنيسة.. نتنياهو يستخدم الدين لمحو فلسطين| صور    «مراتي قفشتني».. كريم فهمى يعترف بخيانته لزوجته ورأيه في المساكنة (فيديو)    هل يجوز أداء الحج عن الشخص المريض؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    إصابة 3 إسرائيليين بقصف على موقع عسكري بغلاف غزة    قبل ساعات من انطلاقها.. ضوابط امتحانات الترم الثاني لصفوف النقل 2024    قوات روسية تسيطر على بلدة أوتشيريتينو شرقي أوكرانيا    رئيس مدينة مرسى مطروح يعلن جاهزية المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين لاستقبال طلبات التصالح    «الزراعة» تواصل فحص عينات بطاطس التصدير خلال إجازة عيد العمال وشم النسيم    ندوتان لنشر ثقافة السلامة والصحة المهنية بمنشآت أسوان    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة بطوخ    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    بين القبيلة والدولة الوطنية    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    رفع حالة الطوارئ بمستشفيات بنها الجامعية لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    إعلام إسرائيلي: وزراء المعسكر الرسمي لم يصوتوا على قرار إغلاق مكتب الجزيرة في إسرائيل    التنمية المحلية: استرداد 707 آلاف متر مربع ضمن موجة إزالة التعديات بالمحافظات    بالصور.. صقر والدح يقدمان التهنئة لأقباط السويس    أنغام تُحيي حفلاً غنائيًا في دبي اليوم الأحد    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    جناح مصر بمعرض أبو ظبي يناقش مصير الصحافة في ظل تحديات العالم الرقمي    الليلة.. أمسية " زيارة إلى قاهرة نجيب محفوظ.. بين الروائي والتسجيلي" بمركز الإبداع    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    دعاء تثبيت الحمل وحفظ الجنين .. لكل حامل ردديه يجبر الله بخاطرك    3 أرقام قياسية لميسي في ليلة واحدة    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    اتحاد الكرة يلجأ لفيفا لحسم أزمة الشيبي والشحات .. اعرف التفاصيل    صحة مطروح تطلق قافلة طبية مجانية بمنطقة أولاد مرعي والنصر لمدة يومين    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة في طوخ    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    السيطرة على حريق شقة سكنية في منطقة أوسيم    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد حادث الواحات
الحظر يمتد من النشر إلي السفاري
نشر في آخر ساعة يوم 21 - 09 - 2015

اشتهرت مصر برواج رحلات السفاري في العديد من المناطق الصحراوية، لكن يبدو أن حادث الواحات الأخير الذي خلف ضحايا مصريين ومكسيكيين، الذين استهدفتهم قوات الجيش والشرطة بطريق الخطأ كان سبباً في وقف هذه النوعية من الرحلات السياحية التي تستهوي الكثير من السائحين الأجانب، وعلي الرغم من عدم صدور قرار رسمي من الحكومة في هذا الشأن إلا أن الجهات المعنية في السياحة أبلغت شركات تنظيم رحلات السفاري بوقف هذه الرحلات وتغيير البرامج السياحية.
الاتجاه الحكومي إلي تعطيل رحلات السفاري يشير إلي اتباع أسلوب بتر العضو المريض في الجسد وليس العمل علي علاجه، ليمتد الحظر من النشر في القضية التي تشهد تحقيقات واسعة بشأن الحادث إلي حظر رحلات السفاري نفسها، إذ يجب أن تكون هناك حلول بديلة لعدم خسارة العملة الصعبة التي تحصل عليها البلاد جراء وجود هذا النوع من السياحة في مصر.
وهكذا فإن السياحة لديها ما يكفيها من المشاكل والأزمات والمآسي، ليأتي حادث الواحات، ليقصم ظهرها تماماً، إذ أفقدها أهم نوع من الرحلات التي تدر عليها دخلاً هائلاً، وهي رحلات السفاري في الواحات البحرية والصحراء البيضاء وسانت كاترين وجبل موسي. فقد أعادنا الحادث إلي عام 8002 حين تعرض سائحون ألمان للاختطاف في محمية الجلف الكبير، التي علي إثرها أصبحت خطوات استخراج تصاريح الرحلات للصحراء العميقة متعددة ومن جانب جهات مختلفة، وعزف الكثير من منظمي السفاري عن العمل بها. الأمر الذي قد يدفعهم إلي اتخاذ نفس الموقف خشية حوادث جديدة.
في العامين الماضيين مع انتشار الجماعات الإرهابية، وتسللها عبر الحدود، كان هناك تخوف داخلي من تنظيم رحلات السفاري التي تتطلب أن يقضي السائح عددا من الليالي في الصحراء ما قد يعرضهم لمخاطر جمة. لكن ما حدث، أثار تخوفا خارجيا، بعد أن تم تشويه هذا النوع، بأنها سياحة دموية، بعد أن كانت سياحة المغامرات والتشويق. فقامت إيطاليا - علي سبيل المثال - بتحذير مواطنيها الموجودين في منتجعات البحر الأحمر بعدم المشاركة في أي رحلة صحراوية، وأن يكتفوا بالبرامج الترفيهية، حتي لا تُفسد عطلتهم!
في الغالب لا تمر مثل هذه التحذيرات مرور الكرام، لأنها تترك علي المدي الطويل طابعا سلبيا في ذهن السائح، تدفعه بألا يقصد صحراء مصر ثانية. وهو ما اتضح حين قامت شركات بإلغاء كل رحلات السفاري هذه الأيام. يقول عبد النبي حلمي، صاحب إحدي الشركات، ل "آخر ساعة" إنه في اليوم الذي وقع فيه حادث "الواحات" قام بالتواصل مع المسئولين في شرطة السياحة ليستفسر عن مدي إمكانية أن يستكمل رحلات السفاري، ليكتشف بقرار رسمي توقفها، ما دفعه إلي تغيير برنامج الفوج السياحي لديه. مضيفاً: "لست علي استعداد أن أنظم سفاري حتي لا يتم إدانتي، لأن التصريحات لا يُعترف بها حال وقوع حادثة".
واستكمل أن ما تمر به البلد من أوضاع أمنية مضطربة جعل الشركات السياحية تعزف عن السفاري، رغم احتياجها لها؛ لأنها تجلب السائح الغني من دول المجر والمكسيك والصين، فميزتهم أنهم لا يمتلكون طيران شارتر، ما يدر عليهم دخلاً كبيراً، فيصل تكاليف السائح إلي 008 دولار في الرحلة الأسبوعية.. أما الآن فانحصرت السياحة علي السائح الفقير في شواطئ البحر الأحمر. وواصل: "نحن في أشد الحاجة لرحلات السفاري، وكان من الممكن أن تُحدد لنا الدولة الأماكن الصحراوية التي يستطع أن يُقيم فيها السائح لعدة ليال، لكن المنع العام يترك حالة من الهلع، ليس فقط لدي السائح، بل للبدو أيضاً، الذين لا يمتلكون أي مصدر دخل سوي الصحراء، إذ تم التعامل مع الحادث من الجانب السياسي، لا السياحي، وكل طرف من الجهات المسئولة تنصلت من المسئولية، أبرزهم وزارة السياحة التي تخلت تماماً عن الشركات، ولم تُدافع عن السياحة في مصر، فكل دولة معرضة أن تقع بها حادث، لكنها ملزمة في نفس الوقت بتحسين صورتها، لا بتشويهها أكثر".
أما بخصوص الإخطار الذي أرسلته الجهات السيادية بالدولة، إلي الشركات السياحية بمنع رحلات السفاري منذ يناير الماضي، أوضح عبد النبي حلمي أن القرار كان يشمل عدم التخييم في الصحراء، وليس وقف الرحلات. متابعاً: "إن كان هُناك تنسيق حقيقي بين شرطة السياحة والقوات المسلحة والوزارة، لن يقع أي سوء، خصوصاً أن مُنظم الرحلة يُبلغ شرطة السياحة، ويأخذ تصريحاً بالموافقة خلال أيام، وذلك في حالة سفاري الوحات البحرية والفرافرة والداخلة والخارجة، أما في حالة سفاري الجلف الكبير، التي يقضي فيها السائح أكثر من عشرة أيام، يستلزم ذلك تصريحا من حرس الحدود والقوات المسلحة والبيئة وباقي الجهات الأخري".
"تصريحات السفاري ليست هينة كما يتصور الهواة". يقول محمد يسري رشاد، صاحب إحدي الشركات ومنظم رحلات سفاري منذ ثلاثين عاما، والذي توقف عن إدراجها في البرامج السياحية منذ عامين، إذ رصد خطوات استخراج التصريح في: "تقديم الشركة لتقرير مفصل يشمل خط سير الرحلة، ومواعيد بدايتها ونهايتها، والبرنامج بشكل كامل، كذلك أرقام جوازات سفر السائحين وتحديد جنسيتهم وعددهم، بجانب أسماء المرشدين السائحين والسائقين، وتسلمها لهيئة تنشيط السياحة باعتبارها الجهة المعنية بالسائحين في مصر، ثم تبدأ الهيئة بإخطار الجهات الأمنية لإصدار التصريحات اللازمة، التي تستغرق حوالي 21 يوما".
يري أن السبب وراء وقوع الحوادث، هو العشوائية في تنظيم الرحلة، وتوقف المحترفين عن تنظيمها، فهناك كثيرون لا يدركون الدقة التي تحتاجها السفاري، التي قد تستغرق في أحيان كثيرة ثلاثة أسابيع، فقط يصل الأمر إلي التواصل المباشر بحرس الحدود، واصطحاب عدد من التليفونات اللاسلكية، وتحديد نوع ملابس السائح، والأطعمة التي يتناولها، والالتزام بنوع المركبة السياحية المحددة في التصاريح، لأن التغيير من الأتوبيس إلي عربات الجيب، قد يعرض الفوج للاشتباه، خصوصاً أن الجماعات الإرهابية تستقل الجيب أيضاً، بجانب التزام الشركة بالبرنامج، فمن غير القانوني أن يتم تسلق الجبال دون إخطار المخابرات الحربية وشرطة السياحة، والتزامها أيضاً بعدد السائحين الذي لا يتجاوز ال 51 قائلاُ: "كما أن هناك مناطق محظورة، يجب ألا يقترب منها الفوج السياحي، والتي قد أخطرتنا بها وزارة السياحة بداية العام الجاري، خصوصاً علي الطريق الاستراتيجي الغربي أو جنوب غرب طرق الوحات عند منطقة صحراء البيضاء، التي شهدت الحادث الأخير".
بينما يعتقد إيهاب موسي، رئيس ائتلاف دعم السياحة، أنه لا يوجد ما يُسمي بالمناطق المحظورة في رحلات السفاري، وأنه لا يوجد عشوائية في التنظيم، لأن كل منطقة في الصحراء تتولي إحدي الشركات مسئولية جلب السائحين إليها، كما تصطحب الشركة الدليل السياحي، واحدا من أبناء الواحة التي يقصدنها، الذي يوجههم إلي الطرق الصحيحة، وينصحهم في حالة التقلبات المناخية، وليس المرشد هو من يقود الطريق كما يتصور البعض. مضيفاً أن الأمل كان متوقفا علي سياحة السفاري في الواحات البحرية، لكن بعد الحادث الأخير انتكست مجدداً، بل انتكست السياحة كلها، بعد أن تعامل الإعلام الأجنبي مع مصر علي اعتبار أنها "منطقة محظورة".
واعتبر أن عدم وجود قيادة قادرة علي إدارة السياحة، سيعرضنا إلي مزيد من الكوارث، إذ لا يوجد تنسيق بين الوزارة والشركات، ولا يوجد متابعة للمركبات السياحية، مثلما كان يحدث من قبل، بل يتعمد المسئولون تشويه سمعة الشركات، متسائلاً: "إن حدث ووقعت الشركة في خطأ، هل تُعاقب بالموت؟". مشيراً إلي أنه منذ 51 عاماً، مدة تنظيمه لرحلات السفاري، كان يتوقف عند المنطقة التي شهدت الحادث، ولم يحدث أن الدولة منعت الوقوف بها.
«آخرساعة» ترصد مآسي أربع سنوات من «قطع العيش»
الأقصر بلدنا.. بلا سُياح
لم يعد صوت الفنان محمد العزبي، وهو يشدو "الأقصر بلدنا.. بلد سواح" في فيلم غرام في الكرنك، مناسباً للوضع الذي تمر به مدينة الشمس. أربع سنوات فقدت فيها الأقصر توهجها؛ لا سياحة، لا عمل، لا بهجة. الحياة شبه متوقفة؛ الشوارع هادئة.. البازارات أوصدت أبوابها.. المراكب متراصة في مشهد جنائزي.. والمعابد لا يدخلها أحد. ركود تام، دفع الرجال إلي بيع بيوتهم، بينما استغنت النساء عن حليهن الذهبية، أما الشباب فيجدون الخلاص في الهجرة.
المدينة الأثرية التاريخية باتت تفتقر إلي مشاريع تنموية وإلي مصانع تنقذهم من شبح البطالة ومن التكدس في المقاهي، ما جعل الدولة تخطط لتطوير المدينة وعودة السياحة إليها. ورغم ذلك، مازال أهل طيبة فاقدين الثقة في أن يحدث أي تغيير، خصوصاً أن خسارتهم المادية تجاوزت المدي.
"آخرساعة" زارت الأقصر ورصدت مآسي "قطع العيش" الذي طال أهالي المدينة.. كل شيء يهون أمام النيل الذي يأسرك، حين تدخل إلي الأقصر. جمال يتضح علي استحياء؛ هدير المياه، أصوات النورس، المعابد التي يزداد بريقها، والنخيل الذي يُلوِّح لك من بعيد. احتفاء تمارسه الطبيعة مع أي زائر، وهو اللغز الذي كنا نتعجب منه، حين نجد السياح، والغرباء عنها، يكررون زيارتها، ويكشفون عن رغبتهم في الحياة بها، فالأمر لا يتوقف علي كونها مدينة مزدحمة بالتاريخ والحضارة، حيث تضم ثلثي آثار العالم، بل يعود إلي سحر خفي يجبرك علي العودة إليها مجدداً.
أثناء تجولي في شوارعها الرئيسية تذكرت وصف الشاعر اليوناني هوميروس في النشيد التاسع من الإلياذة عنها: "هناك في طيبة تلمع أكوام الذهب.. طيبة ذات المائة باب، حيث يمر في مشية عسكرية، أربعمائة من الرجال بخيلهم ومركباتهم، من كل باب من أبوابها الضخمة".
لم تعد طيبة تلمع، حيث يخيم الحزن علي سمائها منذ توقفت السياحة في أعقاب ثورة يناير 2011، فلا يجد الأهالي مفرا من الانتظار. يتجلي ذلك في مشهد الحناطير المتراصة بمحاذاة الأرصفة التي تصل بك إلي معبد الكرنك، وفي البازارات المغلقة لعدم وجود سياح، أما داخل المعبد فكانت البازارات مفتوحة، لكن لا أحد يدخلها.
يقف مجدي محمد أمام بازاره في حيرة، يقول كما لو أنه يستنجد: "أناشد الرئيس أن ينظر لحالنا، عدد البازارات هنا 110 جميعها تعاني، خصوصاً أن شركة الجنوب للمنشآت Cairo express المالكة للبازارات رفعت ضدنا قضايا لعجزنا عن دفع الإيجارات". بينما يتفاءل محمود العزب بأن تشهد الأيام المقبلة رواجاً، فالأفواج التي تأتي إلي الأقصر عبر سياحة اليوم الواحد تمنحهم بصيص أمل.
فوضي الكرنك
"بجانب الركود لم يسلم المعبد من الإهمال، فتشهد أسواره الخارجية التي تطل علي قرية الكرنك حالة من الفوضي" يحكي عادل التمساح، من أهالي القرية وأحد العاملين في مجال السياحة، الذي أوضح أن المحافظة لا تهتم بوضع أعمدة إنارة بها، كما لا تراقبها، فمن الممكن أن يتم تسريب الآثار من المعبد من هذا الجانب. يضيف: "يحدث أحيانا، أن يلقي الأهالي بمخلفات المباني جوار الأسوار، وقد تتكدس القمامة في الصناديق دون أن يلتفت إليها المسئولون". الأمر الذي أعتبره يسيء لوضع الأقصر كمدينة سياحة. واصطحبنا في جولة خارج معبد الكرنك، حيث طريق الكباش (علي طول 2.700 كم وعرض 76م) الذي يعد أكثر الأماكن السياحية المهملة، فالطريق بالكامل به مخلفات مباني، ولا يحيطه أي سور، كما أن الصغار يلهون في ساحته. أما تماثيله (فيصل عددها إلي 1200) التي اتخذت شكل أبو الهول، فقدت كل رؤوسها التي كانت علي شكل رأس كبش، كما لم تسلم من عبث الأهالي، حيث قاموا بتدوين ذكرياتهم، وأشعارهم، وانتمائهم السياسي علي التماثيل، التي تصل بنا إلي معبد الأقصر المطل علي النيل.
العائمة.. ثابت
علي طول الشاطئ كانت الفنادق العائمة "النايل كروز" متراصة في صفوف، مطفأة الأنوار، بلا حراك، كأنها في حالة حداد أبدي. لا سائح يطل من شرفاتها.. ولا عامل يخرج صدفة. فبجانب حالها المستعصي، واجهت أصحابها في الأسابيع الماضية أزمة الحصول علي تراخيص الإبحار وفقاً للشروط القديمة.. "تعود هذه الأزمة إلي حادثة الوراق الأخيرة، التي تسببت في الإطاحة برئيس النقل النهري سمير سلامة، وتعيين اللواء بحري رضا إسماعيل بدلاً منه، الذي قرر أن تكون التراخيص وفقا للاشتراطات هيئة السلامة البحرية" يفسر شريف عبدالوهاب، صاحب ثلاثة فنادق عائمة في الأقصر، إذ قال إن المحافظة سمحت للفنادق بالإبحار، كونها لها السلطة، لأن نزول السياح من علي أي مراكب تتسبب في فضيحة لمصر.
يضيف أنها ليست الأزمة الوحيدة التي تواجه الفنادق العائمة، وكل فترة يختلقون مشكلة جديدة، فكان يتم فحص المركب تحت الماء، لكنهم أصدروا قراراً بفحصها علي الأزأ (ونش سحب المراكب للبر)، وذلك لصيانتها بتكلفة تصل إلي 200 ألف جنيه. في الوقت الذي لا توجد فيه مراس كافية ل 300 فندق عائم، إذ يوجد نحو 15 مرسي، وعشرة آخرين خارج الأقصر، ما يضطر الفنادق إلي التكدس.
يستكمل شريف عبد الوهاب: "حال الفنادق العائمة مُهين، فيعمل حالياً نحو 12 فندقا، بنسبة إشغال 60% وبسعر لا يزيد عن 25 دولارا في الليلة، ما يكبدنا خسارة هائلة، فقمت بإرسال فندق إلي مدينة سوهاج، ورغم أنها لا تدر الدخل المطلوب، لكن علي الأقل تسد احتياجاتها، فكل فندق يحتاج إلي 50 ألف جنيه شهرياً تنفق في رواتب العاملين، والسولار، وتصاريح وقوف في النيل". قائلاً إن الخسائر لم تتوقف حد ذلك، إذ رفع نحو 30 عاملاً لديه من الذين حصلوا علي مستحقاتهم مقابل تركهم للعمل، قضايا ضده تطالبهم بالتعويض، وهو ما وصفه ب "قمة الاستغلال".
"الله يكون في عونا، وفي عون الموظفين". يقول محمد حربي، صاحب أحد الفنادق العائمة، مضيفاً إنه يقدر الوضع الذي وصلوا إليه من خسارة، خلال الأربع سنوات الماضية. يتذكر أنه أوضح للعاملين لديه ما وصلت إليه حال السياحة، وغالبيتهم تفهموا ذلك، خصوصاً أن جميعهم كانوا يحصلون علي رواتب مرتفعة، ولأنه يملك فندقا عائما واحدا يعمل، واثنين متوقفين، اتفق مع الذين سيواصلون العمل بدفع رواتبهم كاملة، أما الآخرون فسيحصلون علي نصف الراتب، إضافة إلي دفع التأمينات لكلا الطرفين.
بجوار الفنادق العائمة، كانت المراكب الصغيرة متراصة في نظام شديد، تحدق في الشمس، وفي المجهول. بينما أصحابها نائمون بداخلها، أو واقفون علي الشاطئ، في محاولة تتجدد يومياً لكسب أي زبون، حتي لو كان من الأقصر. أحدهم يحاول إقناعي أن استقل مركباً إلي البر الغربي بخمسة جنيهات.. فقط! يتحايل، ويتفاوض علي خفض السعر. حين سألته عن وضع السياحة. أجاب بسرعة: "نايمين، السياحة صفر". اسمه طارق خليفة، يزين مركبته بالورود والزينة، مثل عروسة، تنتظر أن تزف. يقول إنه أحياناً يسوق المركب بزبون واحد، وتمر عليه أيام لا يتحرك فيها. تركته، وكانت الشمس قد اختفت وراء النيل.
المقاهي.. الخلاص الوحيد
الثامنة مساء.. مقهي "ليالي" في ميدان الجرد (شمال ساحة معبد الكرنك) مكتظ بالرواد عن آخره. الرجال يجلسون دون صخب، منهم من يتابع مباراة لكرة القدم، ومنهم من يجلس في مجموعات. انضممت إلي إحداها. كان جميعهم عاملون في السياحة، وجميعهم فقدوا وظائفهم دون أن يعرفوا أي مصدر آخر للرزق. وقبل أن يبدأوا سرد مآسيهم المتشابهة، دعوا الرجل الذي يقف بجوار بضاعته علي الرصيف المجاور لنا، أن يندمج معنا، بل أعطوه أولوية الحديث: "اسمي صفوت أبوالسعود، انتهي بي الحال بعد أن صرت رجلا، له أسرة، وأطفال، أن آخذ مصروفا من معاش والدي.. ولست وحدي من يفعل ذلك، الكثير منا اضطر إلي بيع بيته، وذهب زوجته، بعد أن فقدنا وظائفنا. ولم يكن أمامي بديل، سوي هذه النصبة".
أن تعيش اليوم بيومه. ليس هناك حل آخر، خصوصاً أن كثيرا منهم مدينون لمستثمرين، منهم شركة الجنوب للمنشآت التي يملك فيها علاء مبارك أسهماً كثيرة. يحكي حسين أحمد الذي لديه معاناة مع سد الدين قائلاً: " لدي بازار، منذ ثورة يناير لم أدفع إيجاره الشهري البالغ 1200 جنيه، حتي تراكم الدين إلي 55 ألفاً. وحين ذهبت إلي الشركة لأطلب منهم إعفاء أصحاب البازارات من الإيجار بسبب ركود حركة البيع، رفضوا، وطالبونا بدفع نصفه علي الأقل، لكن من أين سنأتي بالأموال؟ ما دفعنا إلي تقديم شكوي للمحافظ، لكنه لم يفعل شيئاً".
الوضع مختلف عند محمود الظهري - يبلغ من العمر 58 عاماً - إذ رفض أن يمد يديه لأحد، فحين فقد وظيفته كمدير لإحدي شركات الطيران، سارع إلي شراء سيارة ميكروباص سياحية ب 265 ألف جنيه، ورغم ذلك هو لا يملكها، ولا يستطيع التصرف فيها، يقول: "في عرف الشركات السياحية، التي تمنحك الرخصة، من حقها التصرف في السيارة، وبيعها إن لزم الأمر، إذ يحمل الميكروباص اسمها، وندفع مقابل ذلك خمسة آلاف جنيه". متسائلاً: "لِمَ لا يؤسس المرور شركة حكومية، ترخص لنا، كي نثبت حقنا في ملكية السيارات السياحية؟".
ويؤكد العاملون في السياحة أنه لا توجد خطة حقيقية لجذب السياح إلي الأقصر، ومن ثم لا يوجد تسويق في الخارج لاستقرار الوضع الأمني في مصر.
ثمة وقف حال متعمد، يمارسه العاملون في السياحة علي بعضهم البعض. من بينها أن المرشدين يوجهون السياح إلي الشراء من بازارات بعينها، وينصحونهم بعدم إعطاء "بقشيش" لأي سائق أو عامل يقابلونه، إلي الدرجة التي أوصلت الشركات إلي توفير المنتجات التي قد يحتاج السائح لشرائها في الأتوبيس. لكن هذا لا يعني أن المرشدين حالهم أفضل. يرثي خيري كمال، مرشد سياحي، حالهم قائلا إن كثيرين منهم هاجروا، ومنهم من التحق بمهن لا تليق بهم، كأن يكونون سائقي عربات الحنطور، أو جرسونات، والذي لا يزال يعمل يتعرض لضغوط هائلة؛ فالمرشد بحاجة إلي تقدير، وأن تكون روحه المعنوية مرتفعة، حتي يستطع أن يتحدث عن بلده بشكل لائق. حاسماً أمره: "أفكر جدياً في الهجرة، فأنا لا أتوقع أن تعود السياحة كما كانت إلا بعد سنوات، كما أن الأقصر ليس بها فرص عمل أخري".
الحياة تبدأ من هنا
أربع ساعات متبقية من الليل للراحة، لأستعد في الرابعة فجراً لرحلة المنطاد، إذ تستقل الأفواج مركباً من البر الشرقي لعبور النيل إلي البر الغربي، حيث الأبدية. ثم تأخذنا سيارة إلي أرض شاسعة تعرف بمطار المنطاد أمام معبد حتشبسوت مباشرة. عدد من السياح متحمسون لرؤية الأقصر من أعلي. غالبيتهم من الصين وروسيا. يلتقطون الصور مع لحظات الشروق الأولي. العمال يحضرون أربعة مناطيد. يديرون المراوح صوب فوهتها، لتمتلئ بالهواء. وكلما ارتفع البالون يصرخ السياح فرحاً.
تحرك المنطاد فوق مقابر الفراعنة، المرشد الذي يصطحبنا يتحدث إلي الأجانب باللغة الإنجليزية: "نحن الآن فوق وادي الملوك، الذي يضم مقابر تحتمس الأول، وتوت عنخ آمون، وسيتي الأول، ورمسيس السادس". ثم أشار إلي وادي الملكات الذي يضم مقابر زوجات الملوك.. ومن الأبدية، تحرك المنطاد فوق الأراضي الزراعية، التي تفصلها عن المقابر طريق طويل. الفلاحون يلوحون بإشارات الترحيب. وكلما اقتربنا من الأرض نسمع كلماتهم بالإنجليزية: "Hello"..
"تعد رحلة المنطاد، من أكثر البرامج التي يحرص عليها السياح". يقول ياسر الزنبيني رئيس مجلس إدارة دريم للبالون، الذي أوضح أن الأقصر من أكثر المدن السياحية في المصر، الصالحة لطيران البالون؛ لقلة الرياح فيها. مشيراً إلي عدة مشاكل يتعرضون لها، من بينها عدم وجود مطار للهبوط، ما يدفعهم إلي الهبوط علي أي أرض زراعية، وتعويض صاحبها بمبلغ يقدر ب 300 جنيه، لأن الهبوط علي أي منطقة أثرية يعرضهم لغرامة، ويصل الأمر إلي احتجاز البالون، بينما يوجد مطار إقلاع أنشأه أصحاب شركات البالون -التي يصل عددها إلي تسع يعمل منها حالياً ست شركات- علي حسابها الشخصي قبل 2011 والذي يتبع وزارة الطيران المدني.
لا يتوقف سحر البر الغربي علي إبداع الفراعنة في تشكيل أبديتهم، بل علي تمسك العاملين في السياحة هناك بالحياة، إذ يمتلئ البر بمصانع الألباستر (أماكن إعداد المنتجات السياحية) التي لا تزال تفتح أبوابها، وتعمل بدأب. يجلس العمال أمام كل مصنع علي الأرض بالتوازي. كل منهم له مهمة، تتنوع بين الرسم، والنحت، وتشكيل الأحجار إلي منتجات كتماثيل أو أهرامات أو مسلات. يقول جابر سليم، صاحب أحد المصانع، إنهم يأتون بأحجار الألباستر من الجبل، والتي تنقسم ألوانها إلي الأبيض والبني والأخضر، كما أنهم يستخدمون الجرانيت والبازلت الأسود وحجر الكيرستال أيضاً في تشكيل التماثيل.. وفي مصنع طايع مرسي، الذي يحاول عماله التخفيف علي أنفسهم من اليأس، دخل فوج سياحي علي غفلة، فنهض أحد العاملين، مرحباً بهم بالغناء، فبدأ البقية بالغناء معه، مستخدمين الآلات في إصدار لحن وإيقاع خاص بهم. يقول صاحب المصنع بحالة من الفخر: "كل العاملين هنا يتحدثون بلغات مختلفة، تعلموها علي مدي السنوات، حتي الفن الذي يصنعونه موهبة خالصة، ورثوها عن آبائهم".
المعبد الجنائزي
تنطفئ الحياة بمجرد خروجك من البر الغربي، حيث تمر علي مساكن القرنة القديمة الموجودة في الجبل منذ حوالي ثلاثة قرون، والتي تم تهجير أهلها في أربعينيات القرن الماضي، بسبب الآثار التي تم اكتشافها حولها، وبداخل البيوت. ثم تمر بعد ذلك إلي الساحة المكشوفة لتمثالي ممنون. هما كل ما تبقي من المعبد الجنائزي لأمنحتب الثالث، ويصل ارتفاع الواحد منهما إلي 19.5 متر، والذي رصدنا فيه قيام الفلاحين قبل الظهيرة بالتجول بأغنامهم في ساحة المعبد، وبجواره. نظراً لعدم وجود رقابة، حتي الشرطة الموجودة هناك لم تعترض علي هذا المشهد. وفي مدخل التمثالين يوجد عدد من البازارات التي يعاني أصحابها أيضاً. وجدناهم جالسين تحت شجرة قريبة يتناولون الشاي. يتطوع أحدهم بالحديث عن وضعهم الصعب، اسمه أحمد حسن الهادي يقول: "جميعنا كما تري كبار في السن، لا نملك معاشا، ولا يوجد مصدر رزق آخر.. المشكلة أن الشركات السياحية والمرشدين (يقطعون عيشنا) من خلال اتهامنا بالسرقة، ما جعل السياح يتجنبوننا تماماً".
يدرك المسئولون الوضع الذي تمر به السياحة، وفي شأن ذلك قال محمد بدر، محافظ الأقصر، إنهم يحاولون قدر المستطاع توفير مساعدات مالية للحالات الإنسانية المستعصية، بجانب سعيهم في التفاوض مع الشركات السياحية لتخفيض أسعار إيجار البازارات. مضيفا: "نحن كحكومة، نتعاون مع كل الجهات المعنية لأجل عودة السياحة إلي الأقصر، إذ درسنا عدة مشروعات سيتم طرحها في مؤتمر استثمار الصعيد الذي سيعقد خلال الفترة المقبلة، منها طرح الدون تاون المقرر إقامته علي مساحة 1700 متر خلف مقر المحافظة، ومشروع للإسكان السياحي علي مساحة 5 ملايين متر في منطقة الطود بالمشاركة مع هيئة التنمية السياحية، بجانب مناقشة مشروع فندق الفورسيزون، أما المشروعات الاستثمارية مثل إنشاء مصانع، فمن الصعب أن تتم مناقشتها، قبل تجهيز البنية الأساسية لها، لأنه من المستحيل أن يعتمد مصنع في الأقصر علي الكهرباء بشكل كامل، كما أننا نعمل علي توصيل الغاز إلي البر الغربي والمنطقة الصناعية في طيبة".
اقتصاديون يرحبون.. وخبراء سياحة قلقون
الروبل يزاحم الدولار
في الوقت الذي يدرس فيه البنك المركزي سيناريوهات إقرار الروبل الروسي كعملة مبادلات بين القاهرة وموسكو، وتحديد سعره مقابل الجنيه، يعيش القطاع السياحي حالة قلق من تطبيق القرار، لما سينتج عنه - وفق اعتقادهم - انخفاض في الدخل الناتج من السائحين الروس، الذين ساهموا العام الماضي ب2.5 مليار دولار من إجمالي دخل السياحة العام وهو 7.3 مليار دولار.
وعلي الرغم من أن المؤشرات الأولية سجلت انخفاض عدد السائحين الروس بنسبة 5%، حيث استقبلت مصر مليونا و600 ألف سائح روسي حتي نهاية يوليو الماضي، إلا أنه من المتوقع ألا يشهد العام الجاري كل هذه القيمة، بسبب التنازلات التي قدمها القطاع السياحي للحفاظ عليهم، كنوع من رد الجميل لروسيا التي لم تحظر سفر رعاياها إلي مصر أثناء اشتعال الأحداث، فقد بلغ عدد السياح الروس خلال عام 2014 نحو ثلاثة ملايين سائح.
تعود هذه المخاوف إلي ديسمبر الماضي، حين سجل الروبل أول انهيار أمام الدولار، بسبب العقوبات التي فرضتها أمريكا وأوروبا علي روسيا، التي أدت إلي انخفاض أسعار البترول والغاز بنسبة 50% تقريباً، حيث وصل سعر البرميل إلي 60 دولارا فقط. ما أصاب الاقتصاد الروسي بحالة ركود، ومن ثم سجل الروبل أكبر خسارة له منذ الانهيارات المالية لعام 1998 بنسبة انخفاض 60% مقابل الدولار الذي وصل سعره نهاية الأسبوع الماضي 68 روبل، بينما سجل الجنيه 8 روبل.
وطوال هذه الفترة كانت هناك مبادرات من قبل الدولتين للحفاظ علي العلاقات الاقتصادية والسياحية، آخرها زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي موسكو قبل نحو أسبوعين، الذي أكد خلالها في حوار مع التليفزيون الروسي علي استعداد القاهرة للتفكير في إمكانية استخدام العملات المحلية في مجال السياحة، لتجنب المشاكل التي تنشأ حاليا مع الدولار.
"إذا حدث ذلك، قد يكون من شأنه جذب أكبر عدد من السائحين الروس، خصوصاً الأثرياء منهم، كون مصر في الأساس مقصدا سياحيا رخيصا". هكذا يقول اللواء أحمد حمدي، نائب رئيس هيئة تنشيط السياحة، مضيفا: "يعتبر السوق الروسي من أهم الأسواق التي نستهدفها، التي ستكون علي رأس أولوية الحملة الدعائية التي ستبدأ في أكتوبر، ومن المتوقع بحلول نهاية العام الجاري أن يرتفع عدد السائحين الروس، إذ نخطط لجذبهم إلي السياحة الثقافية في الأقصر وأسوان، بجانب استمرار الحفاظ علي وجودهم في الغردقة وشرم الشيخ، فهم يهتمون بالسياحة الشاطئية، فمازالت مصر تشكل بالنسبة لهم سياحة معتدلة في أسعارها.
يتذكر هادي ماهر، أخصائي سياحة بالهيئة، أنه في الأيام الأولي من أزمة الروبل تواصلوا مع أكبر الشركات السياحية في روسيا، مثل tez و pegas و toi وتم الاتفاق معهم علي دعم الرحلات إلي مصر، التي تتضمن خفض أسعار الفنادق، وتنظيم برامج تلائم ظروفهم المالية، خصوصاً أنهم يفضلون سياحة البحر الأحمر، الأمر الذي لم يجعل تركيا تسحب بساط السياحة الشاطئية من مصر خلال الفترة الأخيرة. مضيفاً: "كان لأزمة الروبل تأثير علي عدد السائحين الروس القادمين إلي مصر، ليس هذا فقط بل أثر أيضاً علي قدرتهم الإنفاقية، وقد عرقل علينا خططاً كثيرة لجذب سياح من دول أخري، لذلك فإن نظام الدفع بالروبل بدلاً من الدولار سيزيد من أعدد السياح الروس".
في المقابل يقول عمرو صدقي، نائب رئيس الاتحاد المصري للغرف السياحية سابقاً، ورئيس إحدي شركات السياحية، إن استخدام الروبل في السياحة مخاطرة كبيرة، لأننا سوق يتعامل بالدولار، والآن الروبل يخسر يوماً بعض آخر. مضيفاً: "تم دراسة هذا المقترح في بدايات العام الجاري، والنتائج أثبتت أن صعوبات كثيرة ستواجه العاملين في السياحة من تنفيذه. لكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نستبق الأحداث، فقد تكون الحكومة بحاجة للروبل لتتبادل السلع مع روسيا، وسيقوم القطاع السياحي علي إثر ذلك بتسعير منتجه، لذلك يجب أن يضع البنك المركزي في اعتباره أثناء دراسة القرار كيفية تبادل العملات، بحيث يتم توفير عملة الروبل، وإعادة تسعيرها، وضمان إتاحة الدولارات حال رغبة أصحاب الشركات والفنادق في التعامل مع الدول الخارجية، لأنه في هذه الحال قد نتعرض لأزمة، فبعد أن كان الروسي يخاطر بتحويل الروبل إلي دولار، سنقوم نحن بذلك".
بينما يتبني خبراء الاقتصاد رؤية مغايرة عن استخدام العملة الروسية، إذ يرون أن مصر لن تتضرر من ذلك، بل سيعود عليها بالفائدة. يقول الدكتور شريف دلاور، الخبير الاقتصادي وأستاذ التنمية، إنه ليس هناك أي تبعات سلبية ستعود علينا حال تبادل العملات المحلية بما يشجع السياحة الروسية لمصر والصادرات المصرية إلي روسيا، وذلك في إطار المنفعة المؤقتة، خصوصاً أن مصر وروسيا دولتان متعاونتان، وكل منهما يمران بأزمة في العملة، لذلك لا يظن أن يكون هناك أي تبعات سلبية من نظام المقايضة.
يواصل: "هذا ليس جديداً، إذ مرت مصر بنفس الأزمة في عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، وتم سداد مستحقات السلاح لروسيا بالجنيه، لكن من خلال السلع المصرية. وهناك دول تتعامل بالعملات المحلية أشهرها مجموعة البريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ويحدث أيضاً ذلك في فترات الحروب. فهو حل مؤقت، لن يضر مصر، بل سيساعدها علي استغلال الروبل في شراء القمح الروسي، خصوصاً إذا كان التعامل بالروبل عبر البنك المركزي، وليس الصرافة".
متطوعون يتبادلون الخبرات.. و"بحوث الصحراء" يُساعد.. والنتائج مبشرة
الزراعة تقتحم عالم السياحة في نويبع
شباب من قارات مختلفة حجزوا أماكنهم عبر الإنترنت ووصلوا إلي نويبع ليقيموا في بيت ريفي داخل مزرعة صغيرة، يستيقظون قبل الشمس ليبدأوا العمل، يِّسمدون الأرض ويضعون البذور أو يروون المحصول ويقطفون الثمار، ومنهم من يطعم الدجاج ويجمع البيض. عمل وتبادل خبرات تعرف بالسياحة الزراعية وتنتشر في أماكن عديدة علي مستوي العالم، وبدأت علي أرض نويبع منذ سنوات قليلة، وحققت التجربة نجاحا يستحق الإشادة، خصوصا ونحن نتطلع إلي خطوات واسعة في تنمية سيناء، بعد وصلها بالوادي بعدد من الأنفاق والكباري ضمن مشروعات محور قناة السويس. أجمل ما في التجربة أنها تجمع بين التنمية الزراعية وبين السياحة مستغلة جمال البحر والجبال والطبيعة في منطقة نويبع لتقديم منتج سياحي متميز.
البدو يطالبون بدعم الدولة.. وأطفالهم يشاركون ويتعلمون الفنون داخل المزرعة
في مزرعة تجريبية بحثية صغيرة بدأت التجربة بزراعة عدد محدود من نباتات صحراوية وعطرية إلي جانب عدة نخلات وأشجار فاكهة، نجح بعضها وفشل البعض، لكن بالتجارب المتتالية ثم بالاستعانة ببعض المراكز البحثية عثر ماجد حبيبة صاحب المبادرة علي أول الطريق. ورغم بطء الخطوات إلا أن النتائج كانت مبشرة، فخلال سنوات قليلة أصبحت المزرعة التجريبية الصغيرة قادرة علي مد الجيران من البدو بالبذور والخبرة وخلاصة التجربة لزراعة أنواع جديدة من النباتات. وبالتعاون بين المجموعة من أهل نويبع تم حفر آبار للمياه وتدشين صوب ومزرعة دواجن. وبدأت المزرعة في استضافة متطوعين من أنحاء العالم للمشاركة بجهدهم وخبراتهم في الزراعة مقابل الاستمتاع بجو نويبع وبحرها. وبالتوازي استضافت المزرعة أطفال البدو وأعطتهم مساحة لممارسة الفنون المختلفة، ومساعدتهم دراسيا، رغم ضآلة الإمكانيات إلا أن الفكرة تنمو وتكتسب كل يوم مزيدا من القبول والإقبال لدي أهل المنطقة.
بالتعاون مع مركز بحوث الصحراء بالقاهرة نجحت زراعة نبات الكينوا أو بديل القمح عالي البروتين وموطنه الأصلي أمريكا الجنوبية. كما أعطي نبات المورينجا نتائج جيدة في أرض نويبع وهو نبات متعدد الفوائد والاستخدامات وعالي القيمة الغذائية. كذلك نبات السويس تشارد الذي يستخدم في السلطات ويطبخ كالسبانخ ويحتوي علي نسبة مرتفعة من الحديد ويمكن إنتاجه سبعة أشهر في السنة، وبالتعاون مع مركز بحوث الصحراء تم إمداد بعض البدو ببذور الكنتالوب والخيار وزراعتها داخل الصوب المقدمة من جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة لبدو سيناء. وهكذا تحاول المبادرة النهوض بالزراعة لكن ما زال ينقص الكثير من الآلات والميكنة الزراعية والمزيد من الدعم للبدو. وتسعي المبادرة للحفاظ علي نظافة الزراعة من المبيدات والأسمدة وتنشر وعي الزراعة العضوية.
يقوم ماجد حبيبة الآن بمحاولة لنشر نخيل المجدول ويطالب رجال الأعمال بالمشاركة حيث إن إنتاج هذا النوع من النخيل مرتفع الثمن وكذلك فإن النخلة يصل سعرها إلي ثلاثة آلاف جنيه، حيث يتم استزراعها بطرق دقيقة للحفاظ علي نقاء السلالة اعتمادا علي زراعة الأنسجة ويدعو الدولة لتبني المشروع حيث المكان مناسب جدا. كما قام المركز بعمل تحليل لواحد وأربعين مزرعة صغيرة ومياهها لمعرفة ما يناسب كل مكان. أما صاحب المبادرة فيقوم بالعمل مع زوجته علي تقديم بعض الخدمات التعليمية والثقافية لأطفال البدو. ويشيد بدور جهاز الخدمة الوطنية في عمل عدة سدود بتكلفة مائتين وخمسين مليون جنيه. أما بدو المنطقة المتحمسون للزراعة فيطالبون بنك التنمية والائتمان بالعمل والمشاركة حيث يوجد فرع لكنه لا يعمل. كذلك مزرعة البحوث الزراعية بنويبع ومساحتها أربعمائة فدان يمكن أن تساهم في تعميم التجربة، وتكون حاضنة لها، ولا تخلو الأمور من بارقة أمل حيث بدأت بعض الكامبات بالاهتمام بموضوع الزراعة وأدخلت بعض الصوب. وهو ما يمكن أن يطرح مفهوما جديدا للتنمية يمزج السياحة بالزراعة.
تعمل المبادرة دون صخب وعلي مهل ولكن بطموح كبير ليس لتحقيق عائد مادي كبير ولكن بنشر الفكرة وتحويل المجتمع إلي مجتمع منتج وفي نفس الوقت متكامل ومكتفي ذاتيا. وهو ما يعزز الشعور بالرضا ووجود الهدف والدافع للاستمرار والتعمير، وهي مهمة يجب أن تتخذ بعدا قوميا بدعم مثل هذه المبادرات.
وعزفا علي وتر المزج بين السياحة والزراعة قامت بعض الكامبات بإدخار بعض الزراعات علي أراضيها، صحيح التجربة في بدايتها لكنها تمنح تميزا حيث تضيف جمالا للأماكن، وقدرا من الاكتفاء الذاتي من بعض المنجات الزرعية.
ويبدأ السائح المزارع يومه مبكرا حيث العمل أولا في جو صحي نقي ووسط المزروعات والنخيل، ثم يتناول إفطاره، ثم يعاود العمل، لتكون فترة ما بعد الظهيرة مخصصة للراحة والغداء والبحر، ويتم جلب هؤلاء السائحين عبر الإنترنت حيث توجد شبكات للمتطوعين في مجالات مختلفة يرغبون في العمل وتبادل الخبرات وفي نفس الوقت يطوفون العالم من شرقه إلي غربه. وفي نويبع يجدون الفرصة للاستمتاع بالغطس والقيام برحلات السفاري إلي (الوايت كانيون) و(الكولور كانيون) وعدد من الأودية والواحات، مما يشكل تجربة مثيرة وفريدة ولا تنسي. ويضيف كل سائح شيئا ولو بسيطا إلي التجربة، وخبرات قد يكون اكتسبها وتعلمها من مكان بعيد. والحقيقة أن هذا النوع من السائحين، يبدو مختلفا كثيرا عن السائح العادي، هم سائحون لديهم في الغالب هموم إنسانية، وأفكار، ويبدون أكثر بساطة وتعاونا. كما أن لديهم روح التعلم واكتساب الخبرات والتعاون. ويطمح أصحاب المبادرة إلي التوسع لجلب المزيد من السائحين خصوصا أن طبيعة السياحة الزراعية تعتمد علي الإقامة لفترات طويلة، ويقبل عليها أشخاص من أعمار مختلفة. وهي سياحة تساهم في التنمية الزراعية ويستفيد السائح بإقامة رخيصة لفترة طويلة، حيث يحتسب العمل كجزء من الأجر، كما أن السائح يعد طعامه بالتعاون مع زملائه.
ويبدي الشباب الأجانب سعادة كبيرة بوجودهم في نويبع ويرونها مؤهلة لمزيد من التنمية الزراعية. وبحماس كبير يتحدث جون من أمريكا وأنجيلا من النمسا حول تميز نويبع كمقصد سياحي، وحول أنها منطقة واعدة للزراعة والسياحة الزراعية مقارنة بعدة أماكن حول العالم. لكن الزراعة في نويبع ليست علي ما يرام، كما أكد محمد رمضان أحد أبناء نويبع الذي يشارك في التجربة من خلال مزرعة دواجن، كما يشارك في حفر الآبار، وصنع الطوب الطيني من كمي السيول وبعض المكونات الأخري. ويري أن نويبع تحتاج إلي جهود كبيرة ونظرة من الدولة في هذا المجال الذي أثبتت التجارب جدواه، ولم يخف بعض البدو هنا حسرتهم وهم يقارنون بين ما كان عليه الوضع تحت الاحتلال عندما كانت الطائرات تحمل فاكهة نويبع إلي أوروبا وبين الوضع الحالي. حيث تحولت البساتين إلي مزارع زيتون ليست علي المستوي، وأصبح مصنع التعبئة أثرا بعد عين، وشاهدا علي إهمال وفساد ثلاثة عقود أهدر الموارد والإمكانات. ويطالبون الدولة بأن تضع خطا فاصلا بين عهد الإهمال وبين حقبة جديدة تعطة النماء والأمل لأهالي سيناء وتستوعب مزيدا من الشباب لملء الفراغ الاستراتيجي. ومن أجل هذا نجد أنه من المهم أن نسلط الضوء علي المبادرات الصغيرة التي تصلح نواة لتنمية شاملة.
رشيد غمري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.