انتشرت في الفترة الأخيرة، حالة من الإنفلات الإعلامى ليس فى المضون، ولكن بسبب دخول كثير من الشخصيات سواء السياسية أو النشطاء أو لاعبى الكرة، إلى مجال التقديم التلفزيوني، والجلوس على كرسى المذيع، دون النظر إلى تأهيله الإعلامي. وأكد خبراء الإعلام أن الأمر أصبح ظاهرة خطيرة بكل المقايس، معتبرين أن الإعلام هو المحرك الرئيسى للرأى العام، وترك المجال لغير المتخصصين يدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية، وإثارة البلبلة، مطالبين بضروة وضع معايير محددة لمن يجلس على كرسى المذيع، وأيضا ضروة إنشاء نقابة للإعلاميين تتولى مهمة المراقبة، والإشراف على الفضائيات التى لا تلتزم بالمعايير المحددة. البداية مع دكتورة منى الحديدي- رئيس قسم الإذاعة و التلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة - التى عبرت عن إستيائها الشديد مما يحدث على الساحة الإعلامية فى الوقت الحالي، والسماح لأى شخص غير مؤهل أو دارس لمهنة الإعلام بالجلوس على كرسى المذيع، وتولى هذه المهنة التى تؤثر على الرأى العام، قائلة: "هل يمكن لشخص لم يدرس الطب أن يعمل طبيب و يعالج المرضى؟ بالطبع لا، لذلك أشعر بالدهشة من الحال الذى وصل به الإعلام فى مصر إذ أصبح يفتح أبوابه أمام أى شخص غير مؤهل ولا يفقه شيئاً عن مبادئ الإعلام والسماح له بالجلوس على كرسى المذيع لمجرد أنه نجم لامع فى مجال آخر سواء سياسى أو رياضي، وللأسف ما يحدث الآن مهزلة بكل المقاييس خاصة أن الإعلام مؤثر جداً فى الرأى العام، و هؤلاء المذيعون الجدد لا يتميزون بالحيادية بل يتمسكون بأرائهم وميولهم ومبادئهم الخاصة، و يحاولون التأثير على الرأى العام من خلال جلوسهم على كرسى المذيع". تضيف "الحديدي": "السبب إنتشار هذه الظاهرة السيئة، هى القنوات الفضائية التى سمحت بظهور هؤلاء الأشخاص غير المؤهلين على شاشاتها كمذيعيين، والحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة فى أيدى هذه القنوات التى يجب أن تضع معايير قبل تولى أى شخص مهمة التقديم التلفزيوني، فيجب أن يكون لديه دراية ودراسة كاملة لمهنة الإعلام، ووضع معايير محددة ". وعن أسباب إنتشار هذه الظاهرة يقول الدكتور حسن حامد - رئيس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي- : " بحث بعض القنوات الفضائية عن الإثارة، وتحقيق أعلى نسبة مشاهدة؛ وراء إنتشار هذه الظاهرة، فالبعض الآن أصبح هدفه الوحيد تحقيق أرباح مادية وللأسف وجود أشخاص ليسوا مؤهليين جعل الإعلام يرتكب عديد من الأخطاء، فبعض القنوات ليس هدفها إيصال الحقيقة بقدر إهتمامها بالإستعانة بالمشاهير، والنجوم سواء فى مجال السياسة أو الرياضة، وغيرها من المجالات من أجل تحقيق أهداف خاصة ". يضيف "حامد ": " للأسف السبب فى إنتشار هذه الظاهرة هو عدم وجود نقابة للإعلاميين لإدارة هذا المجال، إذ أصبح لأى شخص الحق فى الدخول إلى هذا المجال دون أى شروط، وبالتالى وجود نقابة سيضع حدًا لهذه المهزلة كما أطالب بسن تشريعات لمعاقبة كل شخص يجلس على كرسى المذيع، ولا يحترم قواعد ومبادئ الإعلام ". نتيجة طبيعية لحالة الإنفلات الأمنى التى تمر بها مصر، بهذه العبارة كشف الناقد طارق الشناوى عن سبب إنتشار هذه الظاهرة قائلا: " تواجد غير المؤهلين على كرسى المذيع ظاهرة طبيعية جداً، فالفترة الأخيرة شهدت كل المجالات حالة من التخبط والإنفلات، ووجدنا المذيع يعمل بمجال التمثيل والممثل أصبح مطربًا، ولاعب الكرة مذيعًا وأخيراً النشطاء السياسين وشباب الثورة كما يقال عنهم أصبحوا إعلاميين ". "الشناوي" أكد أن بعض القنوات لديها إعتقاد بأن الشتائم والتجاوزات المهنية والهجوم على الأخرين هو الحل الوحيد لتحقيق الربح، قائلا: " لا يبحثون سوى عن الإثارة بغض النظر عن الوسيلة التى قرروا اللجوء إليها". بينما يقول الدكتور صفوت العالم - أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة- : " إن هذه الظاهرة ليست بجديدة على مجال الإعلام وفوجئنا فى أواخر الثمانيات بإتجاه لاعبى كرة القدم المشاهير إلى التقديم التلفزيوني، ولم يحققوا أى نجاح فى هذا المجال لأنهم غير مؤهلين، وفشلوا فى التمييز بين ثقافة الملاعب وثقافة الإعلام، وفوجئنا وقتها بعديد من التجاوزات غير المقبولة على الإطلاق، وبتحيز غير طبيعى فى حديثهم مع المشاهد، فهم لم يلتزموا بالحيادية والموضوعية أو آداب الحوار ". تابع "العالم" قائلا: " هذه الظاهرة إمتدت إلى ما بعد ثورة 25 يناير، و أصبح الأمر لا يقتصر فقط على لاعبى الكرة او المشاهير بل وجدنا النشطاء السياسيين، والثوار يجلسون على كرسى المذيع، وهو الأمر الذى أثار حالة من الدهشة لأنهم لم يلتزموا بمعايير العمل الإعلامي، بل استغلوا كرسى المذيع للترويج لأفكارهم؛ والحث على النزول إلى الشارع للتظاهر، وهناك نوع آخر من الإعلاميين الذين تحولوا إلى "ثورجية" ونشطاء سياسين، فالمذيع يجب أن يكون محايدًا و لا يؤثر على الجمهور".