علي عكس ما توقع الخبراء الاقتصاديون باتجاه البنك المركزي للإبقاء علي أسعار العائد عند مستوياتها دون تعديل وعلي مدار العام المالي الحالي 2018 - 2019. إلا أن المفاجأجة جاءت ليلة الخميس الماضي عبر لجنة السياسات النقدية للبنك - التي تنعقد كل ستة أسابيع - حيث قررت لأول مرة منذ 11 شهرا خفض سعر الفائدة بواقع 1% ليصل إلي 15.75% لعائد الإيداع و16.75% لسعر الإقراض. وقال البنك المركزي في بيان له ان المعدل السنوي للتضخم العام والأساسي ارتفع في يناير الماضي وذلك بعدما انخفض المعدل السنوي للتضخم العام إلي 12% في ديسمبر 2018 نتيجة تلاشي صدمات العرض المؤقتة لبعض الخضراوات الطازجة وبالتالي فقد حقق البنك المركزي معدل التضخم المستهدف للربع الرابع للعام 2018 وهو 13% والذي قام بالإعلان عنه في مايو 2017 للمرة الأولي.. وأشار كذلك لارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي حقيقي وفي ذات الوقت انخفض معدل البطالة إلي 8.9% من 10% ليسجل أدني معدل له منذ يسمبر 2010. وفي نفس الوقت تقريبا وعلي مدار الشهر الماضي واصل سعر صرف الدولار انخفاضه في الأسواق المصرفية ليصل يوم الخميس الماضي أيضا إلي 17.5 جنيه في نهاية التعاملات بعد أن فقد 6 قروش أخري أمام الجنيه. وفي الحقيقة قد تبدو هذه المؤشرات الاقتصادية مختلفا عليها - علي الأقل - بين الاقتصاديين ذوي الياقات البيضاء وبين المواطنين البسطاء في الأسواق وفي الشارع المصري. فعلي سبيل المثال يشعر أصحاب المدخرات البسيطة من يطلق عليهم الادخار العائلي في البنوك بكثير من الغصة في أنفسهم لأن هذا التقليل الجديد لسعر العائد بنسبة 1% يعني انخفاضا آخر في دخولهم الشهرية التي يعتمدون عليها في الإنفاق.. فهم أيضا نفس الأشخاص الذين فرحوا برفع سعر العائد منذ حوالي عامين وعلي وجه التحديد في نوفمبر 2018 إلي 20% عند تحرير سعر الصرف الذي خفض قيمة الجنيه المصري إلي حوالي النصف.. وهم الآن يضعون أيديهم علي قلوبهم عند كل اجتماع للجنة سياسات البنك مخافة تخفيض جديد لهذا العائد.. ولا يفهمون كثيرا في لغة الأرقام التي يتحدث بها السادة المسئولون في البنوك.. لأنهم للأسف لا يلمسون أدني تأثير إيجابي له في الأسواق وفي تعاملاتهم اليومية.. فالأسعار في ارتفاع مستمر حتي في أسعار الخضراوات التي يستشهد بها البنك المركزي لأنها متغيرة من يوم لآخر.. وأن بائعة حزمة الجرجير أو البقدونس التي كان يتم التندر بها عند رفعها سعرها إلي جنيه واحد عند ارتفاع سعر الدولار لا تنوي خفض سعرها عند هبوط سعر الدولار.. في الوقت أيضا الذي ترتفع فيه أسعار كافة المواد الغذائية كمنتجات الألبان والبقوليات وحتي أسعار الحرفيين ومدرسي المصيبة الكبري للدروس الخصوصية الذين يقال إنهم رفعوا أسعار الحصة في التيرم الثاني للعام الدراسي الحالي. وعلي الجانب الآخر بالنسبة لسعر الإقراض والذي يبرر الاقتصاديون تأثيره الإيجابي علي العملية الإنتاجية فإنه - للأسف - يبدو غير ملموس.. لأن التاجر أو رجل الأعمال المصري لا يتوقف كثيرا عند خفض سعر الإقراض هذا لأنه اعتاد أن يكسب بهامش ربح قد يقترب أحيانا إلي أكثر من 70 وربما مائة في المائة.. ولعل أقرب مثال نشهده هذه الأيام من أصحاب التوكيلات ومعارض السيارات الذين رفضوا أن يتنازلوا عن هامش ربحهم الكبير رغم انعدام الرسوم الجمركية علي السيارات الأوروبية حيث مازالت حملة "خليها تصدي" تضرب كفا بكف علي تحدي تجار السيارات وإصرارهم علي التخفيضات الهزيلة التي أعلنوا عنها! وحتي البنوك أنفسها لا تستند إلي الفارق بين سعر الإقراض والعائد وهو 1% حيث يفاجأ أي مقترض من البنك بضمان وديعة يملكها أن الفارق يصل إلي حوالي 4%.. وهكذا ينصح المحتاجون بعضهم البعض إلي الاقتراض بعيدا عن البنوك حتي لا يدفعوا تلك الفوائد العالية التي تزيد من أرباح البنوك التي نسمع عنها سنويا ويصرف منها السادة الكبار من موظفي البنوك مرتباتهم وأرباحهم الفلكية ولا يعترفون مثل كثير غيرهم من الهيئات الحكومية وغير الحكومية بالحد الأقصي للأجور الذي يبلغ 42 ألف جنيه شهريا! باختصار لا نقلل من جهود البنك المركزي في إصلاحاته النقدية.. ولكن المطلوب هو أن يصاحب تلك السياسات مراقبة ومراجعة حكومية وبرلمانية واقعية في حركة الأسواق والمعاملات اليومية حتي يشعر المواطن العادي بأثر تلك الإصلاحات وحتي لا تكون مجرد أرقام يرددها السادة المسئولون وتعكس إحباطا لدي الناس الذين لا يملكون من الأمر شيئا..!! *** وداعاً أحمد السلامي رحم الله زميلنا الناقد الفني الكبير الأستاذ أحمد السلامي نائب رئيس تحرير جريدة "المساء" الذي افتقدناه فجأة.. وقد كان حريصا كعادته أن يتردد علي كافة إصدارات مؤسساتنا دار التحرير حتي أسابيع قليلة ماضية رغم ظروف مرضه التي كنا نلحظها عليه دون أن يخبرنا عنها. فقد كان دائما يشعرنا بحبه وأخوته وزمالته لنا كبارا وصغارا بمودته وحسن خلقه وأحاديثه الطيبة التي كانت تكشف وعيه ومهنيته وخبرته النادرة ووطنيته وعشقه لعمله ومحبته لكل الناس. رحم الله السلامي الإنسان الجميل من هذا الجيل الصحفي العظيم الذي لا يعوض.. والعزاء لأسرته وزملائه وكل محبيه.