لا أعرف كيف حدث الربط الذهني بين ما حدث قبيل تنفيذ قانون حزام الأمان الذي صدر في زمن وزير داخلية مبارك حبيب العادلي ومقدمات توقيع الكشف الطبي علي الشخصيات المرشحة لعضوية البرلمان الجديد 2015 هكذا فجأة وبدون مقدمات؟ حيث صدر قانون حزام الأمان لمطاردة سائقي السيارات لجباية المخالفات. ولسبب ما تجد أن التساؤلات تحاصرك وتمطرك بوابل من الشكوك الملتهبة في جميع الاتجاهات. فجأة تقدم نائب الحزب الوطني السابق إلي المحكمة الإدارية بدعوي تطالب بتوقيع الكشف الطبي علي النواب للتأكد من عدم تعاطيهم المخدرات. وتداخل معه في الدعوي نائب آخر سابق. تري لماذا؟ ولم في هذا التوقيت بالذات؟ الغريب أن الدعوي لم تستغرق وقتاً طويلاً لنظرها. وتم البت في القضية في زمن قياسي لم نعرفه من قبل في القضاء المصري وانتهي بحكم المحكمة في 20 يناير 2015 بموافقة القضاء الإداري علي إلزام اللجنة العليا للانتخابات بإجراء الكشف الطبي علي المتقدمين لشغل مقاعد البرلمان المصري. ووقعت اللجنة العليا في حرج كبير لأنه لم يصلها الأمر التنفيذي وبالتالي لا تستطيع إلزام المرشحين حتي تاريخه بوضع الكشف الطبي ضمن شروط قبول الأوراق قبل وصول الأمر التنفيذي. وليس في الوقت متسع لذلك. فاللجان ستتلقي أوراق المرشحين خلال أقل من أسبوع. وعليه فإن وضع الكشف الطبي ضمن مسوغات الترشح تستلزم تأخير مواعيد الانتخابات وإرباك المشهد السياسي وبذر الشك في النفوس. ومن هنا تتوالد التساؤلات التي لم ولن تتوقف أي لجنة تلك التي حددت رسوم الكشف الطبي ب 6 آلاف جنيه. بالإضافة إلي 3 آلاف أخري للكشف الطبي والنفسي. ولماذا حددت مستشفيات بعينها "عدد 2" لإجراء الكشوف والفحوص؟ وما دور وزارة الصحة والسكان في تقرير تلك الرسوم؟ وهل رسوم الكشف طبيعية أم مبالغ فيها جداً؟ وكيف يستطيع المرشح المؤهل علمياً ولو كان صاحب كفاءة عالية أن ينفق علي الدعاية الانتخابية الباهظة ويتحمل الكشف الطبي المبالغ فيها؟ وكيف يمكن لشاب متوسط الحال التقدم للانتخابات البرلمانية والإنفاق علي الدعاية والكشف الطبي وما وراءه؟ أخشي أن يكون الكشف سبوبة مثل سبوبة حزام الأمان؟ أو طريق حلزوني لاستبعاد غير المرغوب فيهم؟ فلماذا لا نكون صرحاء مع أنفسنا ونتحدث بشفافية؟ وكيف نتحدث عن نواب خدام للشعب تقوم وزارة الصحة باستنزافهم قبل الولوج إلي مقاعد البرلمان؟ ألا يعلم هؤلاء أن رسوم الكشف تمثل عبئاً علي الشباب والمرأة ومتحدي الإعاقة؟ أم مطلوب نواب أصحاب رؤوس أموال يستطيعون الإنفاق علي الدعاية وشراء الذمم والأصوات والصحة معاً؟ وكيف تكون رسوم الكشف الطبي ثلاثة أضعاف تأمين دخول الانتخابات؟ أم أن المطلوب فتح الباب أمام التلاعب في التقارير الطبية وخلافه؟ وما هو حق المواطن الذي يكتشف في العلاج علي نفقة الدولة بعد ذلك أليس هذا حق مشروع لهم؟ وإذا كان نظام مبارك الفاسد هو الذي جعل من شعب مصر شعباً مريضاً سواء بفيروس سي أو بالفشل الكبدي والكلوي والسرطان والضغط والسكر فهل نستورد نواباً من الولاياتالمتحدة وأوروبا؟ أم أن الأصلح لهذا الشعب أن يمثله أصحاب الملايين الذين كانوا يعالجون علي نفقة الدولة. ولا يأكلون مما يأكل منه الشعب ولا يشربون الماء الملوث ولا يتنفسون الهواء الأكثر تلوثاً؟ نربد برلماناً يمثل الشعب بجميع مستوياته ومشاكله. نريد برلماناً يجمع بين الغني والفقير والسليم بدنياً والمريض مرضاً غير مقعد مادام منتخبا بإرادة شعبية حتي يشعر بآلام المرضي ومعاناة الفقراء وإلا فإن البديل الأنسب للبرلمان المصري استيراد نواب طبعة خاصة من أمريكا وأوروبا الغربية فهم أليق بدنياً ونفسياً. ويحق لنا أن نتساءل: ألا يتنافي هذا الحكم مع مباديء الدستور وحق كل مواطن في ممارسة العمل السياسي؟ وهل من حق هؤلاء النواب بعد توقيع الكشف الطبي عليهم قبل دخول البرلمان أن يضعوا تشريعاً بعد نجاحهم يخضع جميع العاملين بالدولة سواء في القضاء أو الشرطة ووزارة الصحة والتعليم وغيرها من مؤسسات الدولة للكشف الطبي الدقيق سنوياً للتأكد من سلامتهم وقدرتهم علي أداء أعمالهم لخدمة وطنهم؟ أما إذا كان المطلوب نائباً متزناً وعاقلاً لا يتعاطي المخدرات فلماذا لا يكتفي بالكشف الطبي عن المخدرات وحدها وبرسم لا يتجاوز ألف جنيه؟