يلعب الإعلام دوراً خطيراً في حياة الشعوب بصفة عامة وفي هذه المرحلة بصفة خاصة أكثر من أي وقت مضي.. وفي عصر الجيل الرابع من الحروب لا يقل تأثير الإعلام عن السلاح النووي والذري في الحروب التقليدية.. فالجيل الرابع من الحروب لا يعتمد علي الغزو المسلح والاحتلال الجغرافي والزحف البشري.. وانما غزو فكري وثقافي.. وتأليب الشعوب علي بعضها وحكامها وتعميق الانقسامات والصراعات الطائفية والقبلية وتدمير الشعوب ذاتيا وبأيدي أبنائها.. والتغلغل إلي داخل الشعوب من ثغرات ونقاط ضعف عديدة في البلدان العربية التي تعاني عبر بضعة عقود من ديكتاتورية حكام وفساد أنظمة وتفشي الرشوة والمحسوبية وزيادة البطالة بين الشباب واتساع دائرة المقهورين والكادحين إلي حد يسهل معه تأليب الشعوب علي الحكام ليس لإصلاح أو بناء بقدر رغبة الآخر الذي يمول ويدرب في اثارة الشعوب علي حكامها واشعال ثورات وموجات تدمير وتخريب ومد بعض الفصائل بالمال والسلاح للاقتتال وتمزيق وتفتيت وحدة الشعوب ودخولها في صدام مباشر مع جيوشها لاستنزاف قدرته وتحويل الدول إلي دويلات ضعيفة متقاتلة بلا استقرار.. وعندما تحدث الغرب والأمريكان منذ فترة ليست قصيرة عن الشرق الأوسط الجديد والفوضي الخلاقة كانوا يخططون ويدربون الشباب في صربيا وغيرها ويزرعون بعض المراكز والمنظمات الممولة التي تعمل تحت شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.. وهم أبعد ما يكونون عن ذلك. .. أقول عندما تحدثت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية عن الشرق الأوسط الجديد.. لم نتعامل مع هذا الطرح بجدية وبوسائل موضوعية.. وتهكم عليها نظام الحزب الوطني الفاسد.. ولم يتخل أي نظام عن ديكتاتوريته أو هيمنته علي الحكم ولم يصلح إدارته للبلاد - بصفة عامة في دول الثورات - ولم يفتح أي نظام نوافذ الحرية والديمقراطية ولم يسع أي نظام لإرساء العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان.. ولكن استمرت ديكتاتورية الحكام وفساد الأنظمة وقهر الشعوب حتي كان من السهل جدا اشعال الثورات وتكريس الانقسام والاقتتال الذي لا يؤدي في النهاية إلي دولة ولا نظام ولا حرية ولا ديمقراطية ولا بناء دولة جديدة.. وانما يؤول إلي فوضي مستمرة وصراعات لا تنتهي حتي تسقط الدولة تماما وتتهاوي مؤسساتها وتصبح اطلال دولة وبقايا بشر وانفجارات في كل مكان وهذا ما حدث في بعض الدول التي بدأت بها أمريكا هذا السيناريو في الشرق الأوسط.. بدءاً من العراق الجديد وديمقراطية ما بعد "صدام" التي روج لها بوش الابن في رحلة تدميره للعراق والاستيلاء علي بترولها وخيراتها وساهم الإعلام الغربي في تحقيق ذلك.. بل وسار وراءه كالأعمي الإعلام العربي والمصري بصفة خاصة وصرنا ننقل كالببغاء كل ما يروجه بوش والإعلام الصهيوني دون كشف هذا المخطط أو تحليل وتفنيد ما يتناقله الإعلام الغربي.. بل كنا نروج لأكاذيب بوش وافتراءات أمريكا ومزاعمها عن صدام والعراق حتي دمر بوش العراق ونهب ثرواته وبتروله وأعدم صدام في فجر عيد الأضحي.. ولم يدرك أحد ان هذه بداية تخريب الشرق الأوسط.. وان صدام كما قال القذافي آنذاك وفي أول قمة عربية بعد صدام.. قال القذافي للحكام العرب: ان صدام لن يكون الأخير وسيأتي الدور علينا جميعا ويومها تهكم عليه البعض ولكن حدث ذلك بالفعل.. فبعد تدمير العراق وتحويله إلي صراعات وانفجارات في كل مكان حتي اليوم ولم ير أي عراقي حرية ولا ديمقراطية ولا عراقا جديدا ولا قديما ولا دولة في الأساس وانما أطلال مبان مهدمة.. وشوارع خربة.. وشعب بلا أمل.. ودماء في كل مكان وقتلي بالعشرات في كل انفجار.. ودارت الدائرة علي البلدان العربية الأخري.. مولوا ودربوا الشباب وزرعوا الميليشيات الإرهابية في الدول العربية باسم الثورات وباسم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.. ولم يسأل أي مركز حقوقي من الذين تلقوا ملايين الدولارات الأمريكية.. هل حافظت أمريكا علي حقوق الانسان في معتقلات أبو غريب أو جوانتا نامو.. وهل راعت أمريكا حقوق الانسان في غزو العراق أم دمرت شعبا ونسفت المنازل فوق رءوس قاطنيها.. استباحوا العرض والأرض وارتكبوا أبشع الجرائم في حق الانسانية.. فهل تريد أمريكا من مصر أو غيرها حقوق انسان وهل أمريكا داعم إسرائيل المحتلة.. يعنيها الانسان المصري أو العراقي أو السوري أو الليبي.. لكن الدولارات تعمي البصر والبصيرة والمصالح فوق الأوطان والملايين أغلي من بلاء الآباء والأجداد.. والمهم تنفيذ الاملاءات والأجندات وإن ضرب الوطن فأمريكا تفتح ذراعيها لكل من يواليها وينفذ تعاليمها. *** من هنا.. فإنني أعول كثيرا في عبور مصرنا الغالية من عنق الزجاجة وعدم السقوط في الشرك الذي سقط فيه كثيرون.. أعول علي وعي الشعب المصري.. وادراك حجم المخططات التي تحاك ضد الوطن.. والملايين التي تنفق من الخارج والداخل لاسقاط الوطن وتحويله إلي عراق أو ليبيا أو سوريا.. وهنا يجب علي الإعلام الخاص إعلاء مصلحة الوطن فوق ملايين الدعم من الخارج وملايين الإعلانات ويجب علي الإعلام العام ان يستعيد مكانته بقوة بلا ضعف ولا لهث وراء نفاق بعض الذين يزعمون انهم نشطاء أو نخب أو محللون بينما يهدمون الوطن ويقودونه إلي الهاوية.. يجب علي الإعلام بصفه عامة ان يزاول دور التنوير والتبصير وكشف الحقائق وليس الهدم والسير كالأعمي وراء شعارات جوفاء يرددها مدعو الثورية والزعامة. *** علي الإعلام المصري أن يكون سلاح الوطن والمواطن البسيط ومرآته ضد مخططات اسقاط الوطن.. تعلموا كيف يتعامل الإعلام الصهيو أمريكي مع القضايا القومية؟.. وكيف يحافظ علي البعد القومي وأمن بلاده في كل القضايا؟.. تعلموا كيف تعامل الإعلام الألماني مع الانجليز يوم نشرت صحيفة بريطانية صورة عارية لانجيلا ميركل؟!