تعمير الأرض الخراب التي لا مالك لها هو المراد بإحياء الموات في الفقه الإسلامي. والموات هي الأرض التي خلت من العمارة والسكان. أي هجرها الناس وتخلو عن ملكيتها. لانعدام أسباب الحياة فيها. والمقصود بإحيائها هو إعمارها والتسبب للحياة النامية فيها. مثل حفر الآبار لمياه الشرب. واستصلاح الأراضي الصحراوية للزراعة. وبناء المدن الجديدة مع توفير سبل المعيشة فيها فأصحاب الفضل في ذلك هم الذين يطلق عليهم أهل إحياء الموات. وتري الشريعة الإسلامية أن هذا الفضل في إحياء الموات يؤهل صاحبه لاستحقاق حق المواطنة أو الإقامة في الأرض التي أحياها. وقد ذهب جمهور الفقهاء إلي مشروعية إحياء الأرض الموات في داخل الدولة أو خارجها. وفقا للضوابط المنظمة علي سبيل الإباحة. لأنه من المعايش. وذهب الشافعية إلي القول بالاستحباب. لأنه سبب لزيادة الأقوات والتوسعة علي الناس. واستدلالا بما أخرجه أحمد وابن حبان عن جابر. رضي الله عنه. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر. وماأكلت العافية منها فهو له صدقة".. والعافية هم طلاب الرزق من الإنس والدواب والطير. وقد اختلف الفقهاء في الحق المترتب علي إحياء الأرض الموات بشروطه المقررة. فذهب الجمهور إلي أن الإحياء يثبت حق الملك للمحيي. استدلالا بما أخرجه البخاري تعليقا وأبودواد ومالك مسندا عن عمرو بن عوف. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" وذهب بعض الحنفية منهم البلخي إلي أن الإحياء يثبت حق الانتفاع دون ملك الرقبة. لبقاء ملكية الأرض لله تعالي. ووافقهم بعض الحنابلة في ذلك بخصوص غير المسلم المقيم في دار الإسلام في العصر الحاضر.. وفي ظل الدولة الحديثة التي حصرت أراضيها بخرائط مساحية يجب استئذان الحاكم قبل إحياء الموات حتي يستحق الإقامة فيها. أما في ظل الدولة القديمة فقد اختلف الفقهاء في اشتراط الحصول علي إذن الحاكم من عدمه. فذهب الإمام أبوحنيفة ورواية عند الإمام مالك إلي وجوب استئذان الحاكم. وذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد من الحنفية إلي عدم اشتراط إذن الحاكم. وفرق جمهور المالكية بين الأرض الموات القريبة من العمران فيشترط فيها إذن الحاكم. وبين الارض البعيدة عن العمران وهذه لا يشترط فيها إذن الحاكم. ويرجع سبب الخلاف كما يقول القرافي إلي اختلاف العلماء في قوله صلي الله عليه وسلم: "من أحياء أرضا ميتة فهي له" هل هو تصرف بالفتوي. فيجوز لكل أحد أن يحيي سواء أذن الإمام أم لا. لأن الفتوي حكم عام علي الثقلين إلي يوم القيامة. وهذا مذهب الجمهور. أو أن هذا القول تصرف منه صلي الله عليه وسلم بالإمامة فلا يجوز لأحد أن يحيي إلا بإذن الإمام. وهذا قول أبي حنيفة. وأما تفرقة الإمام مالك بين ما قرب من العمارة وبين ما بعد فليس من باب التفرقة بين الفتوي والإمامة. بل من قاعدة أخري. وهي أن ما قرب من العمران يؤدي إلي التشاجر والفتن وإدخال الضرر. فلابد فيه من نظر الأئمة. دفعا لذلك المتوقع. وما بعد لا يتوقع فيه شيء من ذلك فيجوز. وقد اختلف الفقهاء في ثبوت حق إحياء الموات لغير المسلمين في البلاد الإسلامية. فذهب الشافعية إلي عدم ثبوت هذا الحق لهم وان أذن الإمام. لأن الإحياء سبب شرعي للتمليك كالميرات. فلا ينتفع به غير المسلم. وذهب بعض المالكية منهم مطرف وابن الماجشون إلي منع غير المسلم حق الإحياء في جزيرة العرب دون غيرها من بلاد المسلمين. وذلك لما ورد من النهي عن إقامة غير المسلمين في جزيرة العرب. وذهب الحنفية والحنابلة وجمهور المالكية إلي أن غير المسلم المعاهد كمسلم في حق الإحياء في بلاد الإسلام. لأن الإحياء سبب الملك فيستوي في ذلك المسلم وغير المسلم إذا لم يكن حربيا كما في سائر أسباب الملك.