هل ندرك ما نوعية المسافة التى تفصلنا عن التقدم؟وهل تقاس بالإصلاح أم بالوقت أم بالفكر الثورى؟وهل منطق الإصلاح هو ما يُلزمنا الآن أم أنه حان الوقت لتجاوز هذا الفكر واستبداله بعافية وجرأة وقوة الفكر الثورى.مؤكد أن لكل منا وجهة نظر فى أى أمر، تختلف حسب موقفنا والزاوية التى نقف فيها، وربما ترى الدولة أن الإصلاح هو الحل، لكن هل تمتلك رؤى وطرق وآلية التنفيذ، وإذا كان ذلك صحيحاً، فهل تمتلك رفاهية الوقت بسلك طرق الإصلاح، أم أن الطريقة الصحيحة للتغيير هى التمرّد والجرأة على تغيير واقعنا وتغيير وضعيتنا.لم يعد الإصلاح وحده كافياً أو مجدياً، نحن ننفق حياتنا فى أفكار ومشروعات إصلاحية تجاوزها الظرف الذى أصبحنا فيه، فالتأجيل أو الترميم طرق جالبة للفشل والإصلاح، يبدو جملة مواربة تحمل معنيين متناقضين، وفى حالتنا الراهنة يُستخدم كالمسكنات التى يؤكد العلم أن آثارها الجانبية كارثية، فهل آن الأوان لانقراض الأفكار القديمة والانتقال إلى أفكار ثورية تجعلنا أكثر عنفواناً وإرادة؟نحن نحتاج إلى ثورة بناء، ولا يحتاج الإصلاح ولا الثورات إلى الخروج إلى الشارع.نحن نحتاج إلى فكر ثورى فى الدين والتعليم والاقتصاد، وللأسف لا يوجد ثوار، وما نفعله هو ترميم وإصلاح، بينما العطب وصل إلى درجة متأخرة، لن ينقذنا إلا تغيير شامل بأفكار ثورية فى كل مجال من التربية وأسلوب الحياة إلى العلاقة بين الحكومة والناس، والناس والحكومة.إنها ثورة مفكرين، فلا يمكن أن نردم بحر الفساد والبطالة والإهمال ونحن ننزع منه الماء بملعقة.الفاسد والباطل لن تسقطه المظاهرات والغضب، وإنما يسقطه الإزاحة وأن يحل محله الصحيح والحق.نحن فى أشد الاحتياج إلى ثورات بناء وفكر وأسلوب يقدم نظريات فى كل المجالات، وكل نظرية ستأتى بمريديها الذين سيحولونها إلى واقع، ويجب أن تنتبه الدولة وتدرك، ثم تعلن ثم تشجع الأفكار الثورية وتفتح لها المجال.وعلى الدولة تقديم بيان الحقيقة بناءً على قاعدة معلومات صحيحة دون أوهام أو أخطاء، لا بد أن تعلن على الناس وأن يكون كل مواطن على بينة، ولا نتحدث عن حجم أى مشكلة من خلال كلمتين وخطاب أو تصريحات مسئولين أو وزراء، فلا بد أن يكون حجم المشكلات وأبعادها خريطة واضحة ومعلومة وكأنها مواد دستورية.الحقيقة لها قوة تفرضها، ولا بد أن يصطدم الناس بكل وضوح، لكن مع تقديم خطط شاملة وإعلان اتجاه الدولة فى التعامل مع المشكلات، فإذا قررت الدولة أن تمتلك عافية الجرأة فى معالجة مشكلات التعليم مثلاً وقررت بدء ثورة جذرية شاملة فى التعليم لا تبقى على أحد أو على شىء مما هو قائم الآن من نوعية المدرسين وطريقة التدريس والمحتوى وهياكل مدارس أو إغلاق كليات الطب وغيرها لعدة سنوات والتكثيف فى تعليم فنى وزراعى بشكل عصرى، فلا بد أن تمتلك خطة ثورية واضحة ومدروسة ومعلنة لتغيير هذا الواقع وتحديد الهدف وكيفية تحقيقه ومراحله وآلياته.جمال عبدالناصر عندما قام بثورة شاملة لم يكن خبيراً فى التعليم أو فى الزراعة أو فى الصناعة، ومن قبله محمد على، لكنهما أدركا المسار وفتحا الباب.الآن أصبح الباطل معروفاً والفاسد متفقاً عليه والتحدى «نكون أو لا نكون»، والمشكلة أننا نفكر ونتحرك فى اتجاه الإصلاح الذى لن يغلق أبواب الفساد ولن يغير ثقافة الإهمال، ولن تتسع معه مساحات التقدم، فلا بد من بناء كيانات صحيحة تهدم الكيانات الفاسدة، سواء كان فسادها فكراً أو أداء أو سرقة الوطن والاعتداء على المستقبل.لا تفكروا بالطرق التقليدية وافتحوا الأبواب للأفكار الثورية، فمشاكلنا وقضايانا أقوى وأكبر من الإصلاح وإذا أهدرنا وأنفقنا الوقت فى اتجاه الإصلاح، فلن نذهب إلى الصواب ونبقى نعانى إفلاساً فكرياً يفوق المعاناة الاقتصادية وعجزاً فعلياً يطيل قامة التأخر، ويجعلنا نعتذر للحياة والتحضُّر والتحقق لأننا نصدق أن الإصلاح وحده يكفى، وأننا قادرون عليه ويبقى بيننا وبين «أن نكون» مفتاح لا نريد أن نراه أو نمسك به.الفكر الثورى والخطط والأداء والطموح هى نوعية الثورة التى نحتاجها، ومن هذه الثورة ستخرج الحياة.