التغيير الحقيقى لابد أن يأتى من الناس أنفسهم، فمثلما انتفض الشعب على الظلم والطغيان، واستطاع أن يخلع نظاماً فاسداً استمر لعقود طويلة، لابد أن ينتفض المصريون على حياتهم الاجتماعية التى شابها العوار فى كل شىء.. فالمصريون لكى يستطيعوا تحقيق أحلامهم وآمالهم وطموحهم فى الحياة الكريمة، لا ينتظرون أن تملى عليهم أو أن يقوم النظام الجديد والحياة المدنية الحديثة بمنحها لهم... لابد أن يحدث التغيير من أنفس الناس.. ويخطئ من يظن أن الدولة تستطيع وحدها أن توفر كل شىء للمواطنين. فالموارد هى هى والدخل لم يتغير وتصرفات الجماهير هى التى يجب أن يطالها التغيير. لن يختلف حال المصريين كثيراً كما كان فى السابق إلا إذا تغير أيضاً فكر الناس، ليس من الناحية السياسية فحسب، وإنما فى طريقة العمل والتصرفات والأخلاق.. تصرفات الناس فى طريقة عملهم وانتاجهم.. وتوجهاتهم العملية فى الجد والاجتهاد هى التى يجب أن تتوافق مع التغيير السياسى الذى تشهده مصر حالياً.. فالحلم الكبير الذى تمناه المصريون من انتقال الحكم بالبلاد إلى سلطة مدنية منتخبة قد تحقق وأصبح واقعاً، وانتهت عقود طويلة من حكم «العسكر»، لكن نجاح التجربة المصرية لن يستمر دون تغيير كامل وشامل فى نهج حياة المصريين، فتصرف الناس يحتاج بالفعل إلى ثورة عارمة توازى تماماً الثورة السياسية التى خلعت أعتى نظام فاسد وأتت بنظام مدنى جديد. ماذا يفيد التغيير السياسى والاقتصادى دون تغيير حقيقى فى سلوك المصريين وتصرفاتهم، وأعنى هنا بالتحديد التصرفات السيئة والسلبيات الكثيرة التى انتشرت وتشعبت فى كل مجال مثل الاخطبوط الذى يضرب بجذوره ويلتصق بقطاعات كثيرة داخل المجتمع المصرى دون استثناء.. لن يفيد أى تغيير فى الأنظمة السياسية التى تحكم البلاد بدون تغيير فعلى وجذرى فى سلوك الناس وأفعالهم.. فالذين لا يعملون إلا دقائق فى دواوين الدولة لابد أن يقلعوا فوراً عن هذه التصرفات الحمقاء، والذين يتلذذون بتعذيب خلق الله أثناء قضاء حوائجهم، لابد أن يعودوا إلى رشدهم، والذين لا يعملون إلا بالرشوة لابد أن يتوبوا إلى الله، والذين تستهويهم ممارسة قهر مرؤوسيهم لابد أن يعدلوا عن هذا الفكر المعوج، والذين يسخرون من أقرانهم وأفكارهم ويستهزئون بآرائهم لابد أن يحترموا كل الأفكار والآراء.. والذين والذين.. لن ينصلح هذا البلد دون الاقلاع باقتناع عن كل العادات السلبية، والتراخى فى العمل، لن ينصلح الحال إلا بالإقلاع عن الكلام دون الانتاج، فمهما حدث من تغيير سياسى لن يجدى أو ينفع دون تغيير حقيقى فى سلوك البشر، فما فائدة البرامج والخطط دون ترجمة حقيقية على أرض الواقع، وما فائدة الرغبة فى البناء دون تجهيز مواد هذا البناء، وما فائدة أن نحلم بالرخاء والتنمية، ونحن كسالى لا تحركنا إلا المنفعة الشخصية.. وما جدوى الكلام دون العمل؟!.. التغيير الحقيقى هو تغيير فى النفس البشرية، وتهذيبها وتمسكها بالجد والاجتهاد والعمل لا الهروب منه.. نحن فى حاجة حقيقية إلى ثورة فى «الأخلاق»، وكما قمنا بثورة عظيمة ضد الفساد والظلم والقهر، لابد من القيام بثورة العمل وثورة الأخلاق حتى نضمن نجاح الثورة الأم.. فهل نفعل؟!.. أم نظل نندب الحظ على الحالة المتردية التى نعيشها؟! الثورة فى الأخلاق تعنى بدء مرحلة العمل والانتاج والتعمير، وهذا ما تحتاجه مصر حالياً ولا غير ذلك إذا أردنا فعلاً أن نشعر بوجود تغيير فى مصر.