ليس صحيحاً أن فاقد الشىء لا يعطيه، والمثال القطرى فيما يخص الاهتمام بقضايا العلم والتعليم هو البرهان على فساد هذه المقولة، فعلى الرغم من اعتراف الشيخ الدكتور عبدالله بن على آل ثان، نائب رئيس مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، بأن قطر ذاتها شأنها شأن كل بلدان العالم العربى تعانى من مشكلات فى تطور أعضاء هيئات التدريس وتنمية مهاراتهم، فإنه يقود مهمة (عالمية) لإنقاذ التعليم وإعادة الطلاب لمدارسهم والأهم العمل على استرداد الأدمغة العربية المهاجرة، لتنفع بعلمها أوطانها الأصلية. وفى العاصمة القطرية التقيته وكان مفتاح اللقاء هو التغيير، بالذات بعد الربيع العربى .. سألته: هل تعتقد أن مناخ ثورات الربيع العربى سيسهم فى تطوير التعليم باعتباره لا ينفصل عن القرار السياسى؟ أساساً فكرة الربيع العربى، قامت من أجل التغيير، فالشعوب خرجت لتطالب بالتغيير للأفضل سواء فى النواحى الاقتصادية أو السياسية أو التعليمية وبكل مناحى الحياة وأتوقع وهذا من وجهة نظرى أن التعليم سيتمتع باستقلالية كبيرة فى ظل حكومات ديمقراطية تساعد على هذا التغيير فى وطننا العربى. أضف إلى ذلك، أن الشباب العربى لديه طاقات كبيرة وهو قادر على التغيير مثلما صنع مبادرات تغيير فى جوانب أخرى غير التعليم، وشبابنا قادر على المنافسة عالمياً فى المجالات المختلفة والتعليم هو السبيل الوحيدة ليطرح من خلاله الشباب قدراتهم نحو بناء المستقبل. ونحن نتعاون مع دول الربيع العربى من هذا المنظور، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، كانت هناك زيارة لوفد من مؤسسة قطر واجتمع مع الدكتور أسامة ياسين، لبحث تطوير المؤسسات التعليمية فى المناطق المحتاجة بمصر ودراسة إمكانية تنفيذ عدد من المشروعات التنموية فى مجالات التعليم والتنمية. تنظرون إلى ملف التعليم على أنه الأهم، ما تقييمكم لمستوى التعليم فى العالم العربى؟ التعليم هو مفتاح المستقبل، ونسعى من خلال مؤسسة قطر ورعاية الشيخة موزة بنت ناصر، حرم أمير دولة قطر، ورئيس المؤسسة إلى اتخاذ خطوات أكبر لإنقاذ التعليم حول العالم وإرجاع الطلاب إلى المدارس، كما أننا نريد تعاوناً أكبر فى سبيل التغيير إلى الأفضل والتعاون من أجل تحقيق تعليم أفضل مما يعنى أن هناك انفتاحاً على التعليم وأن يحصل جميع المحتاجين على تعليم يتمتع بجودة عالية فى جميع أنحاء العالم، وخصوصاً فى الوطن العربى، وللأسف هناك تعليم فى مناطق معينة، وهناك تعليم أقل فى مناطق أخرى، كما أن هناك تعليماً توقف بسبب عوامل أخرى مثل الكوارث الطبيعية والأحداث السياسية ونحن نسعى أن نتخذ قرارات سياسية سواء فى مجال التعليم أم فى المجالات الأخرى كى يصل التعليم إلى أى إنسان فى الوطن العربى. فالمشاكل الاقتصادية والسياسية، والأمنية التى تعانى منها العديد من الدول العربية لا يمكن أن تحل إلا بالاهتمام بالتعليم وترسيخ الإيمان بكونه حقاً للجميع. وهل تعانى قطر على وجه التحديد من مشكلات تعليمية؟ قطر شأنها شأن كل الدول العربية لديها مشاكل فى تطوير أعضاء هيئات التدريس وتنمية مهاراتهم، وهذه مشكلة فى العالم كله وهو توفير المدرسين الأكفاء الذين يساعدون فى تطوير التعليم أضف إلى ذلك (الحافزية) عند الطلاب وضعف إقبالهم على التعليم وهى مشكلة تعانى منها دول الخليج بشكل عام، أما عن توفير المصادر فلا يوجد مشكلة فى توفير المال لتطوير العملية التعليمية والمبانى المدرسية. وماذا عن وضع الطلاب المصريين فى قطر مقارنة بالجاليات الأخرى؟ الطلاب المصريون الذين يدرسون بالمدينة التعليمية أو فى المؤسسات التعليمية الأخرى يصنفون على أنهم من أعلى المستويات ويسهمون فيما بعد فى العمل فى قطر وتطوير البلاد بشكل عام، ونأمل أن تكون التغييرات التى تشهدها مصر فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تنعكس على التغيير نحو تعليم أفضل بما يسهم بمزيد من التعاون وتعزيز العلاقات الأكاديمية والعلمية. لديكم هدف لإعادة العلماء العرب الموجودين خارج الوطن العربى، فما الدور الذى تبذلونه لتحقيق ذلك؟ لدينا هدف أساسى يكمن فى إعادة العلماء العرب الموجودين خارج الوطن العربى وأنا أرى فى عودة الدكتور فاروق الباز إلى قطر نجاحاً كبيراً لنا ونحن سعداء به، ونحن من خلال مؤسسة قطر ندعم ونهتم بالتعليم النوعى وتحسين وجودة التعليم، فلدينا المدينة التعليمية بها مشاركات مع جامعات عالمية وعربية وتضم المدينة حالياً 8 جامعات، 6 أمريكية وواحدة فرنسية وأخرى بريطانية، ونطمح إلى تحقيق المزيد من الشراكات، أما المراكز البحثية الموجودة فى المدينة التعليمية فتضم عدداً من العرب، والهدف كما ذكرت إعادة العلماء العرب الموجودين خارج الوطن العربى. اتهمكم البعض بصفتكم رئيس مؤتمر القمة العالمى للابتكار فى التعليم والذى يعقد سنوياً بالدوحة، بالتركيز على الخبرات الأجنبية أكثر من العربية ما تفسيركم؟ هذا غير صحيح نهائياً، هذا مؤتمر قمة عالمى وليس مؤتمراً عربياً أو قطرياً، وتوزيع الحضور لابد أن يتسم بنسبة وتناسب، ونحن نوجه الدعوات إلى كل أنحاء العالم العربى، ودعونا وزراء التربية والتعليم، والتعليم العالى ورؤساء جامعات مصرية وعربية كثيرة، وهناك مشاركات من دول عربية ومن قطر كذلك شارك بعض الطلاب العرب فى مشروع التدريب القيادى للجامعات ونطمح إلى مشاركة عربية أكبر، ونحن نحرص على أن تكون اللغتان الرئيسيتان فى المؤتمر العربية والإنجليزية إلى جانب لغات أخرى مع وجود ترجمة كى نصل إلى أكبر عدد من الناس. كيف تنظرون إلى أهمية هذه المؤتمرات؟ هذه المؤتمرات تمثل دوماً ملتقى ومكاناً يستقطب شرائح مختلفة من العالم فى مجالات التعليم والمجالات الأخرى ونفتح لها المجال لنعزز علاقاتها ونتبادل الآراء والأفكار وإيجاد شراكات نحو تعليم أفضل، كما أن وجود اندفاع من الأشخاص وعبر الاحتكاك مع بعضهم بعضاً يسفر دائماً عن نتائج إيجابية، وفى مقابلتى مع وزير التعليم التونسى أخيراً، طلب منى أن يتضمن المؤتمر جلسات ومناقشات لمناقشة مشاكل التعليم الجامعى وقبل الجامعى وقد شكلت لجنة لدراسة هذا الأمر ووضعه فى خطة عمل المؤتمر المقبل. مع من تتعاونون من أجل تغيير أفضل للتعليم ومن هم الأطراف المعنيون بتلك العملية؟ نحرص أن نتعاون مع جهات مختلفة وأكثرها يركز على التعليم بمراحله وأشكاله المختلفة منها منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) والرابطة الدولية لرؤساء الجامعات (IAUP) وهى رابطة لرؤساء الجامعات التنفيذيين من مؤسسات التعليم العالى فى جميع أنحاء العالم ومعهد التعليم الدولى (IIE) واتحاد جامعات الكومنولث (AUF) ويشمل ذلك تعليم ذوى الاحتياجات الخاصة والتعليم الإلكترونى، إضافة إلى المجالات السياسية وأعنى أصحاب القرار وكيف يؤثرون فى التعليم. أما الأطراف المعنيون فهم أصحاب القرار فى كل المجالات ويشمل ذلك مجالات التعليم والقرار السياسى والاجتماعى. هل ترى أن الحصول على أعلى نوعية فى التعليم وجودته يتطلب بذل المزيد من الجهد للوصول إليه؟ فى رأيى أن الاهتمام بالمعلم والتركيز على احترامه وتأهيله حتى لا يكون معلماً اليوم ومديراً غداً، فالتدريس مهنة ذات اختصاص معين ولابد أن نشجع على احترام المهنة بأعلى درجات الاحترام ونقدرها ويكون لها وضع اجتماعى فى الوطن العربى. بشكل عام كى نوجد للمعلمين بيئة مناسبة للتدريس وهذا الموضوع مهم جداً بالنسبة لنا ومهم جداً أن تكون هناك استقلالية وتنوع فى التعليم وموارد ودعم مالى وهذه عوامل تثرى العملية التعليمية على المدى البعيد. هل تعتقد أن تغيير النظم التعليمية يحتاج إلى تشريعات جديدة فى العالم العربى؟ هذا متروك لأصحاب القرار، وإذا كانت هناك عوائق تقف فى طريق تحسين التعليم لابد من أن تتغير، وأعتقد أن الاهتمام بالمدرس كما ذكرت هو حجر الزاوية فى التغيير الذى ننشده فإذا أولينا المعلم اهتماماً كبيراً وأعلينا من مكانته الاجتماعية وطورنا مهاراته واهتممنا به من الناحية المادية، فسيسير التعليم على الطريق الصحيح. وعموماً فإننا قد ناقشنا مع وزارة التعليم العربى على مدى العامين الماضيين إمكانية وضع طرق معينة لقياس مدى جودة التعليم فى المنطقة وتطويرها فى الوقت نفسه، ولكن ثورات الربيع العربى أوقفت هذه المشاريع ، وبصفة عامة نحن ننتظر التغييرات على أرض الواقع، فالكلام عن التغيير كثير، ولكن الفعل هو الأهم، وأعتقد أن الشعوب التى سعت للتغيير فى كل مناحى الحياة أدركت أنه لا مجال لتحقيق ذلك إلا بالتعليم.