على الرغم من عراقة المبنى الذي يعود للقرن الثامن عشر، وطرازه القديم الذي تتعرف عليه منذ أن تطأ قدماك مدخله، صاعدًا على الدرج الضخم شاهق الارتفاع، والأعمدة المستديرة العالية ذات النقوش الإسلامية القديمة، والحوائط المزينة بصور لكتب قديمة، وتماثيل للخديو إسماعيل، إلا أن مكتب مديره ذو أثاث "مودرن"، وأريكية جلدية ومنضدة صغيرة، ما يتنافى مع تاريخ وشكل المبنى ولكن السقف المرتفع والأعمدة المنقوشة تضع بصمتها على هذا الاختلاف، الجامع بين العراقة والحداثة في آن واحد، داخل دار الكتب والوثائق القومية، بباب الخلق، بمصر القديمة. تُعد دار الكتب المصرية أول مكتبة وطنية في العالم العربي، أنشأها الخديوي إسماعيل في عام 1870 تحت اسم "الكتب خانة الخديوية المصرية"، لتجمع المخطوطات والكتب النفيسة التي وقعها السلاطين والأمراء والعلماء على المساجد والأضرحة والمدارس والمعاهد الدينية، لتكون بذلك نواة لمكتبة عامة على غرار الكتب الوطنية في أوروبا. افتتحت أبوابها للجمهور في 1904، واستمرت في أداء وظيفتها وتقديم خدماتها للباحثين والقراء حتى 1971 حينما نقلت إلى مبنى أخر بكورنيش النيل، لترميم وتطوير المبنى التاريخي القديم بباب الخلق، لتكون منارة للثقافة والتنوير على أحدث النظم العالمية، ومتخصصة في الدراسات الشرقية، وأُعيد أفتتاحها بعد عملية التطوير في 25 فبراير 2007. تضم دار الكتب، عددًا ضخمًا من المقتنيات التراثية، ومجموعة قيمة ونادرة من المخطوطات الإسلامية للبلدان العربية والفارسية والتركية والتي تبلغ 60 ألفًا في كل المجالات، بالإضافة إلى 3700 بردية من المعاملات الرسمية والشخصية المصرية القديمة، بجانب حوالي 500 لوحة خط عربي نادرة منذ القرن الرابع عشر الهجري، تتنوع بين آيات قرنية مذهبة وملاقعات لأحاديث نبوية وحليات شريفة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام وأقوال مأثورة. كما تقتني الدار مجموعة من العُملات والمسكوكات ويبلغ عددها 13396 قطعة ذهبية وفظية لعصور مختلفة، والمصاحف الشريفة المخطوطة من العصور الأيوبية والعباسية والصفوية والمغولية والتيمورية والمملكوية والعثمانية، ويوجد أيضًا متحف يضم مقتنيات متنوعة للحضارة العربية والإسلامية القديمة، وقاعات للإطلاع والبحث للقراء والباحثون مجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية، بالإضافة لمعمل للترميم والميكروفيلم والتصوير للحفاظ على محتويات الدار، كما تقيم شهريًا عددًا من الأنشطة الثقافية من ندوات ومعارض ومؤتمرات. تتلاصق دار الكتب مع متحف الفن الإسلامي، فيظنه البعض جزءًا منه، إلا أنه كيان منفصل تمامًا، وهو ما يعيد للذاكرة أحداث الإرهاب الأسود في 24 يناير الماضي، عندما انفجرت سيارة مفخخة أمام مديرية أمن القاهرة المواجهة للمتحف والدار بباب الخلق، ما نتج عنه تدمير شديد لكليهما، أدى إلى هتك ديكوارت الدار رأسًا على عقب، إلا أن المقتنيات نجت من الحادث، وتم إغلاق أبوابه المتحف في وجه الجمهور، ومع نسيان الجميع لهذا التدمير وتحسين الأوضاع، بادر العاملون والموظفون بمجهوداتهم الذاتية في إزالة أثار التدمير للحفاظ على عراقته وحماية مقتنياته الثمينة، دون انتظار تدخل وزارة الثقافة التي ما زالت تواجه الكثير من المعوقات المادية.