معوقات المرحلة الانتقالية.. استمرت المرحلة الانتقالية فى رومانيا قرابة الخمسة عشر عاماً، وهى من أطول المراحل الانتقالية فى أوروبا الشرقية لسببين رئيسيين، الأول هو تردى الأوضاع الاقتصادية فى رومانيا بشكل كبير بما لم يسمح لها بالتحول الاقتصادى والديمقراطى السريع أو السهل باتجاه المعسكر الليبرالى الرأسمالى، فقد كان التحول المطلوب بين نقيضين. والثانى هو تشرذم القوى السياسية وضعفها الشديد وعدم اتفاقها على رؤية واحدة لمستقبل النظام السياسى أو الاقتصادى للدولة، وهو ما أدى إلى فراغ سياسى فور سقوط تشاوشيسكو لم يتقدم لملئِه سوى الصف الثانى من رجال النظام الديكتاتورى الساقط. وهو ما طرح فكرة أن ما حدث فى رومانيا لم يكن ثورة على النظام القديم، إنما فرصة للصف الثانى من النظام القديم ليحتلوا مواقع السلطة. سيطرة رجال الصف الثانى للنظام القديم.. . وقد كانت المرحلة الانتقالية مرحلة غير مستقرة مليئة بالتقلبات السياسية، حيث تولى (إيون إليسكو) إدارة البلاد باعتباره أحد قيادات (جبهة الخلاص الوطنى) التى تكونت من أعضاء سابقين فى الحزب الشيوعى التابع لتشاوشيسكو ولجنته المركزية، والذين تحولوا بين عشية وضحاها إلى ثوريين مطالبين بالديمقراطية، استغلوا الفراغ السياسى وضعف المعارضة ليصلوا إلى السلطة.. ونجح إليسكو فى استقطاب الجيش والإعلام، وتمكن من القضاء على المظاهرات الطلابية المدافعة عن الثورة والمضادة لحكمه باعتباره امتدادا لتشاوشيسكو، واتهمهم بالعمالة وتم التعامل معهم باعتبارهم مثيرى شغب، واستخدم عمال المناجم الأكثر فقراً والأكثر تضرراً من الركود الاقتصادى للاعتداء عليهم وتم تقديم الثوار للمحاكمات. وقد أصدرت الجبهة فور توليها قيادة البلاد عددا من القرارات الثورية مثل منع الحزب الشيوعى، وألغت الكثير من القرارات المتشددة التى صدرت فى عهد تشاوشيسكو، كما حولت الكثير من أفراد الحزب الشيوعى والجيش للمحاكمات العسكرية بتهمة التعدى على المواطنين، إلا أن سياساتها الفعلية كانت تهدف إلى بقاء جوهر النظام الشيوعى واستمرار سياساته بعد صبغها بصبغة ديمقراطية. الدستور الرومانى الجديد.. وعلى الرغم من الاضطرابات التى واجهت المرحلة الانتقالية فى رومانيا فإن رومانيا لم تواجه أزمات فيما يتعلق بكتابة الدستور الجديد. حيث تحولت (جبهة الخلاص الوطنى) إلى حزب سياسى، إلى جانب الكثير من الأحزاب السياسية الوليدة بعد الثورة سواء من المعارضة أو من تحت عباءة النظام الشيوعى السابق، وتم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى مايو 1990، ليفوز إليسكو بالرئاسة، وحزبه بالأغلبية البرلمانية. وتم تشكيل لجنة من البرلمانيين والفقهاء الدستوريين الذين كتبوا مسودة الدستور وتمت إجازتها من البرلمان الذى انعقد باعتباره جمعية تأسيسية للدستور. وتم طرح الدستور فى استفتاء شعبى فى 8 ديسمبر 1991 لتتم الموافقة عليه بنسبة 77. 3%، كما عُدّل الدستور أكثر من مرة لكى يلائم المعايير المطلوبة لانضمام رومانيا للاتحاد الأوروبى. التحول الديمقراطى.. توالى الرؤساء وتوالت الحكومات على رومانيا، حيث تولى (إليسكو) الرئاسة عام 1990، ليعقبه حكم المعارضة الإصلاحية بقيادة (إميل كونستانتينيسكو) عام 1996، ليعود (إليسكو) إلى الحكم مرة أخرى عام 2000 نتيجة للسياسات الاقتصادية الحازمة التى انتهجتها الحكومات الإصلاحية فى طريقها لتقليص سيطرة الدولة على الاقتصاد وخصخصة الكثير من الشركات والمصانع، والتى كان لها أثر سلبى على جموع الشعب الذى لم يشعر بتغير فى مستواه المعيشى إلى الأفضل، وإن كانت رومانيا على الطريق الصحيح فى تلك الإصلاحات تنفيذاً لتوصيات البنك الدولى وصندوق النقد الدولى. وهو ما مهد لتحسين أداء رومانيا الاقتصادى، ومن ثم انضمامها إلى حلف الناتو عام 2004، ثم الاتحاد الأوروبى عام 2007. ويرى بعض السياسيين أن المرحلة الانتقالية فى رومانيا قد انتهت بانتخاب (تاريان باسيسكو) أحد قيادات المعارضة الإصلاحية للرئاسة عام 2004، لتصل إلى مرحلة الديمقراطية المستقرة.