«اقتصادية النواب» تطالب «تنمية الصادرات» باستراتيجية متكاملة وتؤجل نظر موازنة المركز    إسرائيل: إصابة ضابط وجنديين شمال غزة واعتراض صاروخ من القطاع    كامل الوزير ينعى هشام عرفات وزير النقل السابق: فقدنا زميلا عزيزا وعالما قديرا    جاسبريني يعلن تشكيل أتالانتا لمواجهة يوفنتوس في نهائي كأس إيطاليا    مساعد كلوب يتولى تدريب سالزبورج النمساوي    ليس الفتيات فقط.. مسلسل التحرش والاعتداء الجنسي لسائقي تطبيقات التوصيل لن تنتهي بعد    رغم انفصالهما.. أحمد العوضي يهنئ ياسمين عبد العزيز على إعلانها الجديد    غدا.. إيزيس الدولي لمسرح المرأة يفتتح دورته الثانية على المسرح المكشوف    بعد تشغيل محطات جديدة.. رئيس هيئة الأنفاق يكشف أسعار تذاكر المترو - فيديو    وزارة النقل تنعى الدكتور هشام عرفات وزير النقل السابق    المشدد 7 سنوات لمتهم بهتك عرض طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة بكفر الشيخ    مخاطر الإنترنت العميق، ندوة تثقيفية لكلية الدعوة الإسلامية بحضور قيادات الأزهر    وكلاء وزارة الرياضة يطالبون بزيادة مخصصات دعم مراكز الشباب    «الشعب الجمهوري» يهنئ «القاهرة الإخبارية» لفوزها بجائزة التميز الإعلامي العربي    البداية ب "تعب في العين".. سبب وفاة هشام عرفات وزير النقل السابق    هل الحج بالتقسيط حلال؟.. «دار الإفتاء» توضح    أمين الفتوى يحسم الجدل حول سفر المرأة للحج بدون محرم    خالد الجندي: ربنا أمرنا بطاعة الوالدين فى كل الأحوال عدا الشرك بالله    رئيس جامعة المنصورة يناقش خطة عمل القافلة المتكاملة لحلايب وشلاتين    "الزراعة" و"البترول" يتابعان المشروعات التنموية المشتركة في وادي فيران    كوارث النقل الذكى!!    بتوجيهات الإمام الأكبر ..."رئيس المعاهد الأزهرية" يتفقد بيت شباب 15 مايو    يكفلها الدستور ويضمنها القضاء.. الحقوق القانونية والجنائية لذوي الإعاقة    الكويت تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي للامتثال إلى قرارات الشرعية الدولية    طبيب مصرى محترم    محافظ مطروح: ندعم جهود نقابة الأطباء لتطوير منظومة الصحة    بث مباشر مباراة بيراميدز وسيراميكا بالدوري المصري لحظة بلحظة | التشكيل    زياد السيسي يكشف كواليس تتويجه بذهبية الجائزة الكبرى لسلاح السيف    إصابة 4 مواطنين في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    الطاهري: القضية الفلسطينية حاضرة في القمة العربية بعدما حصدت زخما بالأمم المتحدة    ملك قورة تعلن الانتهاء من تصوير فيلم جوازة توكسيك.. «فركش مبروك علينا»    الصورة الأولى لأمير المصري في دور نسيم حميد من فيلم Giant    «تضامن النواب» توافق على موازنة مديريات التضامن الاجتماعي وتصدر 7 توصيات    الزراعة: زيادة المساحات المخصصة لمحصول القطن ل130 ألف فدان    فرحة وترقب: استعدادات المسلمين لاستقبال عيد الأضحى 2024    إصابة عامل صيانة إثر سقوطه داخل مصعد بالدقهلية    الحكومة توافق على ترميم مسجدي جوهر اللالا ومسجد قانيباي الرماح بالقاهرة    «الصحة» تقدم 5 نصائح لحماية صحتك خلال أداء مناسك الحج 2024    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    تحديد نسبة لاستقدام الأطباء الأجانب.. أبرز تعديلات قانون المنشآت الصحية    الأمم المتحدة: أكثر من 7 ملايين شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بجنوب السودان    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    قطع الكهرباء عن عدة مناطق بمدينة بنها الجمعة    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13238 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    ضبط 123 قضية مخدرات في حملة بالدقهلية    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    بعد الصين.. بوتين يزور فيتنام قريبا    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    فاندنبروك: مدرب صن داونز مغرور.. والزمالك وبيراميدز فاوضاني    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة المصرية والثورة الرومانية على نفس الدرب سائرون
نشر في الشعب يوم 22 - 07 - 2012

الثورة الرومانية بدأت 16 ديسمبر عام 1989 في العاصمة بوخارست استمرت لمدة إسبوع..... وتمكنت من الإطاحه بالديكتاتور نيكولاي تشاوتشيسكو....بعد ان تصاعدت اعمال العنف خلال هذا الأسبوع, حتى أدت إلى الأطاحة بالشيوعية في البلاد وأنشاء أول نظام ليبرالي في البلقان..... الجدير بالذكر ان تعرف ان رومانيا هي الدولة الوحيدة في دول البلقان التي تم التخلص فيها من النظام الأشتراكي بالعنف والدماء وإعدام الحاكم...... لقد أدت الثورة الشبابية الرومكانية إلى وفاة 1,104 شخص, بما فيهم الرئيس المخلوع وزوجتة إلينا ..... لقد مات 162 شخص في المظاهرات ضد تشاوشينكو من 16-22 ديسمبر..... والباقي 942 ماتوا ضمن أعمال الشغب قبل الاستيلاء على السلطة بواسطة هيكل سياسي جديد، يسمى جبهة الخلاص الوطني...وأصيب أكثر من 3,352 مصاب فى احداث الثورة الرومانية ....
الثورة الرومانية اندلعت بسبب الدولة البوليسية والبوليس السري المنتشر في كل مكان مما أدى لقمع الحريات والتنكيل بمن لا يمتدح الحزب الشيوعي الحاكم.... وكذلك بسبب
نظام التقشف الصارم الذي أتبعه تشاوتشيسكو لأدارة البلاد من أجل تسديد كل ديون رومانيا في سنوات قليلة......فاشتمل هذا التضييق على كل موارد الدولة , حتى التلفزيون الرسمي تم تقليل قنواته لتصبح قناة واحدة تبث لمدة ساعتين فقط يوميا .... كما كان يتم قطع الكهرباء لساعات طويلة خاصة في الليل من أجل التوفير مما جعل الشعب يعيش في فقر شديد .... أبتدع نيكولاي شاوشيسكو فكرة(القائد المعبود) فكان يتم استغلال الإعلام والاحداث الرياضية في الملاعب والشوارع له وزوجته والحزب الشيوعي....وقام بمشاريع تعكس جنون العظمة عنده مثل إنشاء (بيت الجمهورية) شديد الفخامة والأبهة وهو أكبر قصر في العالم وأيضا متحف شاوشيسكو والمستقبل الشيوعي الضخم مما أرهق ميزانية الدولة أعباءا أضافية....
قد لايعلم الكثيرين ان نيكولاي تشاوشيسكو ديكتاتور رومانيا بدأ حياته اسكافيا .... وهذا ما يعكس سبب اطلاقه على نفسه مجموعة من الالقاب الرنانة منها: «القائد العظيم» «الملهم»......لقد بنى تشاوشيسكو لنفسه خمسة قصور عمل في أحدها 17000 رجل، فيما كان يمنع عن شعبه الخبز..... أيضا كان والده سكيرا مثل والد ستالين... وتحاشى تشاوشيسكو الإشارة إليه طوال حياته..... وعندما مات لم يحضر جنازته..... تشاوشيسكو رجل تريد رومانيا أن تنساه... هذا الرجل حكم رومانيا الشيوعية لأكثر من عشرين سنة - وكان صديقاً شخصياً للرئيس جمال عبد الناصر و الرئيس أنور السادات ....و ساهم بمجهود كبير في مساندة مصر وحركة عدم الانحياز - كما ساهم في مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل و هو من اتصل برئيس وزراء اسرائيل مناحم بيجين لترتيب زيارة السادات لإسرائيل في 1979....
نيكولاي تشاوشيسكو كان يتولى منصب السكرتير التنفيذي للحكم الشيوعي الروماني عام 1965، ثم تولى الرئاسة عام 1974حتى ....1989. حكم البلاد بقبضة من حديد، وإتسم حكمه بالشدة والدموية على الرغم من بعض الإنجازات في مجالات تنموية وعلمية وثقافية.... حتى قامت ثورة عليه أيدها الجيش، فهرب مع زوجته، إلا إنه لوحق ثم حوكم من قبل عدد من ضباط الشرطة العسكرية وصدر عليه وزوجته حكم الاعدام في أسرع محاكمة لديكتاتور في القرن العشرين.... أعدم مع زوجته أمام عدسات التلفزيون .... وخلفه بالحكم إيون إيليسكو....أصيب تشاوشيسكو بجنون العظمة في نهاية حياته فكان يطلق على نفسه القائد العظيم والملهم ودانوب الفكر ( نسبة لنهر الدانوب ) والمنار المضيء للإنسانية والعبقري الذي يعرف كل شيء ....كان لا يقبل أي انتقاد ولا يبدى أية رحمة لمعارضيه ومما زاد في غروره وفي جنون العظمة عنده وجود المنافقين حوله يصفونه بأوصاف مبالغ فيها كوصفه بيوليوس قيصر وبالأسكندر الأكبر ومنقذ الشعب وأن عصره هو العصر الذهبي وبأنه الشمس التي تشع الدفء .... حتى كرهه شعبة وقام بالثورة ضده...كانت الثورة الرومانية في 1989 آخر ثورات أوروبا الشرقية وأكثرها عنفًا، وجاءت بعد نشوة الانتصار، السلمي في معظمه، لمنظمة تضامن في بولندا، والثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا السابقة..... ففي آخر يوم له في السلطة، في 22 ديسمبر 1989، كان الرئيس الروماني نيكولاي شاوشيسكو قد أمضى 24 عامًا على رأس الحزب الشيوعي، 21 منها رئيسًا لرومانيا.... وكان الرجل يحكم في معظم فترة حكمه عن طريق إشاعة الخوف وتشجيع عبادة الفرد بشكل متطرف، وقمع كل المعارضين اعتمادًا على جهاز شرطته السري الوحشي سيئ السمعة( السيكوريتات) وأكبر شبكة من الجواسيس والمخبرين في أوروبا الشرقية..... بدأت المظاهرات في 15 ديسمبر 1989، في مدينة تيميسوارا الغربية، وكانت كرد فعل على التحرش بالقس المجري الأصل المنشق( لاسزلو توكس)..... وسرعان ما انقلبت شعارات من قبيل "نريد الخبز" إلى "يسقط شاوشيسكو"..... وفي يوم الكريسماس سنة 1989 -وبعد ثلاثة أيام من فراره من منصبه- تم إعدام شاوشيسكو وزوجته إيلينا رميًا بالرصاص...
بعد ان انفجرت المظاهرات فجأة وبشكل لم يكن متوقعاً وخصوصاً بعد أن قامت قوات الرئيس بقتل عدد من المتظاهرين من الطلبة في 20 ديسمبر من عام 1989م ....الجدير بالذكر ان المظاهرات العنيفة وصلت إلى قصر الرئيس الفخم فخرج تشاوشيسكو يخطب فيهم ..... لكن الثوار كانوا يهتفون ضده مما أضطره إلى قطع خطبته .... وفي اليوم التالي ازدادت المظاهرات حدة برغم عدد القتلى الذي فاق المئات والجرحى الذي تعدى الألوف واكتظت المستشفيات بهم واستطاع الثوارمحاصرة القصر .....وأخذت أصوات الثوار تهدر مما أصاب تشاوشيسكو بالرعب فاضطر للهرب عن طريق الممرات السرية لقصره وبواسطة طائرة هليوكوبتر حطت به هو وزوجته خارج المدينة أستقل بعدها سيارة سرقها أعوانه من إحدى المزارع للبحث عن مخبأه السري الخاص الذي لم يعرف مكانه واستطاع الفلاحون القبض عليه وتسليمه للسلطة القائمة فى البلاد ...... وحاكموه محاكمة سريعة تم تسجيلها على أشرطة سينمائية بثتها إحدى شبكات التلفزيون الفرنسية فكانت حدث العام .... تشاوشيسكو و زوجته أثناء محاكمتهما في غاية العصبية وجنون العظمة فقاموا بشتم القضاة مما اضطر المحكمة لتنفيذ حكم الإعدام بهما ....وحين رأى تشاوشيسكو جدية الموضوع أخذ يبكي كالأطفال وخصوصاً حين قام الجنود بتقييده قبل إطلاق الرصاص عليه و قامت زوجته العجوز والبالغة من العمر ثلاثة وسبعين عاماً بضرب أحد الجنود على وجهه حين حاول تقييدها قبل تنفيذ حكم الإعدام بها ....
لم تستقر رومانيا بعد ثورتها ولم تتقدم ولم تصبح دولة مدنية ديمقراطية حيث تولي الرئاسة بعد الثورة ايون ايليسكو وهو احد رجال الرئيس السابق تشاوشيسكو فقام ايليسكو بالانتقام من الثوار عن طريق الاعتقالات والاغتيالات و الاعدام لبعض الثوار بمحاكم عسكرية وبتهم ملفقة.....لقد استطاع افشال الثورة الرومانية وسرقتها منهم فالشعب الرومانى اطاح بديكتاتور ليأت بديكتاتور آخر اسمه ايون ايليسكو...امتدح إيليسكوالثورة واحتفى بها فى البداية ثم حدث انفلات أمنى رهيب فى رومانيا تبين فيما بعد أنه من تخطيط إيليسكو... حيث بدأت مجموعات من الأشخاص المجهولين يهاجمون بيوت الناس والمنشآت الحيوية، وراح جنود الجيش يتصدون لهم حتى أصبحت رومانيا ميدان حرب مما تسبب فى إحساس المواطنين بالهلع وانعدام الأمن....ومع الانفلات الأمنى المتعمد ارتفعت الأسعار وأصبحت الحياة صعبة للغاية....
فى الوقت نفسه،لعب الإعلام الخاضع للنظام دورا مزدوجا، فهو من ناحية ساهم فى نشر الذعر عن طريق الشائعات الكاذبة المتوالية،وفى الوقت نفسه راح الإعلام يمعن فى تشويه صورة الثوار وتوالت الاتهامات لمن قاموا بالثورة بأنهم خونة وعملاءويتلقون أموالا من الخارج من أجل إسقاط الدولة وتخريب الوطن.....مع الهلع والأزمات الطاحنة،تأثر المواطنون بحملات التشويه الإعلامى وبدأوا يصدقون فعلا أن الثوار عملاء....وعندما أحس الثوار بأن إيليسكو يسعى لإجهاض الثورة نظموا مظاهرة كبيرة رفعت شعار: لا تسرقوا الثورة.....فما كان من إيليسكو إلا أن وجه نداء عبر شاشات التليفزيون إلى المواطنين الشرفاء .... لاحظ تكرار التعبيروطالبهم بالتصدى للخونة ...وقام إيليسكو سرا باستدعاء آلاف العمال من المناجم وأشرف على تسليحهم، فاعتدوا على الثوريين وقتلوا أعدادا كبيرة منهم....كانت هذه نقطة النهاية لثورة رومانيا......فقد استتب الأمر بعد ذلك لايون إيليسكو..... ورشح نفسه للرئاسة وفاز بالمنصب لدورتين متتاليتين فى انتخابات مزورة.....وهكذا، بعد أن كانت الثورة الرومانية مفخرة تحولت إلى مادة للتندر والسخرية.....والسبب الرئيس لفشل الثورة الرومانية انها كانت نصف ثورة فقط وليست ثورة كاملة ثورة اطاحت بطاغية واكتفت بذلك ولم تقوم بالاطاحة برجال النظام السابق ...و ها نحن على الدرب سائرون!...
ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين رومانيا ومصر؟ فلعل تشابها واضحا هو أن سقوط الديكتاتور لم يعن انتقال السلطة للثوار بل انتقلت الثورة بعد ما يشبه الانقلاب من داخل النظام..... في حالة رومانيا استولى الصفان الثاني والثالث على الحكم في الفترة الانتقالية، وصمم هؤلاء ترتيبات المرحلة بما يضمن إعادة إنتاج مراكزهم من خلال نظام انتخابي فيه بعض التعددية.....واستغلوا في سبيل ذلك شبكات الزبونية المنتشرة في الريف والمدن الموروثة عن الحزب الشيوعي المنحل، والإعلام الذي كان لا يزال حكوميا بامتياز..... وفي مصر آلت الأمور للمجلس الأعلى للقوات المسلحة من بعد مبارك، وهو المجلس الذي يرأسه وزير دفاع مبارك نفسه لمدة عقدين من الزمن.... ولكن يثور خلاف أساسي هنا في كون المجلس العسكري أو القوات المسلحة عامة مؤسسة من مؤسسات الدولة لا يمكن أن تملأ المجال السياسي لما بعد مبارك إلا عن طريق إنشاء حزب سياسي يكون في واقع الحال تكرارا أو امتدادا للحزب الوطني، ومعه جهاز أمني يقوم بتنظيم المجال السياسي بنفس قدر الإرهاب والقمع الذي كان قائما في عصر مبارك.... ولكن يبدو بوضوح أن أعضاء المجلس-خلافا للأعضاء السابقين في الحزب الشيوعي الروماني على غرار إيليسكو-يفتقدون للخبرة السياسية بحكم عقود من عدم تسييس الجيش في مصر...... ويضاف إلى ذلك أن مشكلات إدارة البلاد حتى خلال المرحلة الانتقالية تفوق قدرتهم على تولي زمام جهاز الدولة أو احتواء الصراع الاجتماعي المتفجر سواء في شقه الخاص بالأجور الحقيقية أو في شقه الطائفي...... وبالفعل ضمان مصالح النخبة العسكرية كما هي بدون تغيير كان حاضرا بجلاء على أجندة العسكريين في مصر، ولكن ليس من خلال مصادرة المجال السياسي الآخذ في الانفتاح بعد انهيار أمن الدولة، وإنما من خلال حمل القوى السياسية على إقرار وضعية خاصة للجيش تعزله بموازنته وهيكله عن المؤسسات الديمقراطية التي قد تنشأ وقد تمارس عليه رقابة مالية أو سياسية، ومن خلال وضع آلية للسياسة الخارجية كمجلس دفاع قومي يضمن للمجلس دورا إلى جانب رئيس أو برلمان منتخبين...... والحق أن إعادة إنتاج نظام مبارك كما هو بحزب وطني يزور ويمارس البلطجة لنيل أغلبيات مصنوعة، أو بجهاز أمني مطلق اليد قد بات أمرا مستحيلا بحكم انتشار المقاومة له من جانب مختلف الفئات الاجتماعية حال محاولته الرجوع لممارسة مهامه كما هي، وينبغي أن نأخذ في الاعتبار كذلك أن انهيار نظام مبارك لم يأت إلا على خلفية تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في مصر على نحو لم تتمكن معه المؤسسات السياسية من التفاعل بالتمثيل أو تقديم حلول فمن الحكمة إذن وربما الذكاء أن يدرك العسكر أن مستقبلهم في أفضل صوره سيكون بمشاركة الدولة مع نخبة سياسية حزبية منتخبة رئاسيا وبرلمانيا...
ويضاف إلى ما سبق أن المجلس العسكري قد تلقف السلطة الواقعة من مبارك بعد عجزه عن الصمود في وجه ثورة 25يناير باعتباره آخر ما تبقى من أركان الدولة من ناحية، وقلب نظام يوليو المستبد من ناحية أخرى......ولكن لم يأت ذلك على خلفية انقلاب من داخل الجيش على مبارك بغرض التخلص منه ومن عائلته ومشروع التوريث والفساد الذي أحاط به كوسيلة لإعادة إنتاج النظام المتسلط ولكن بنخبة جديدة أقل فسادا، وأكبر دليل على ذلك أن المجلس العسكري لم يضح بمبارك مختارا رغم أن هذا يعد أساسيا لمن يرغب في تحويل الثورة إلى انقلاب ونيل رضاء الجماهير باعتبار أن الجيش يطهر الدولة، وإنما ما حدث كان تواصل الضغط الشعبي على المجلس لتصفية النظام القديم من خلال فتح المحاكمات لمبارك وعائلته وأركان نظامه، وهو ما تم بحكم الضرورة مع بقاء الكثير من الشك حول جدية هذه المحاكمات، ويثور الأمر نفسه في عدم مسارعة المجلس إلى إعادة هيكلة الداخلية: جهاز مبارك القمعي الأساسي، وعدم استبعاد فلول الحزب الوطني من المنافسة السياسية-رغم سقوطهم المروع فيما بعد.... وكان الدليل الأبلغ على موقف الجيش من مبارك هو شهادة المشير طنطاوي، والتي رفض فيها توريط مبارك في قتل المتظاهرين، وهذه كلها أدلة على أن المجلس العسكري لم يكن يخطط لتحويل الثورة إلى انقلاب، ويقف ذلك خلافا للحالة الرومانية التي أقدمت فيها أطراف في النظام على تصفية تشاوتشيسكو وزوجته جسديا، ونجحوا بالفعل في تحويل الثورة الشعبية إلى انقلاب عسكري تمخض عن قبضهم على زمام الأمور....
بيد أنه لا يجب إغفال أن المجلس العسكري في مصر قد أصبح هو مركز "الثورة المضادة" بتصديه لإعادة هيكلة الداخلية وتفويته الفرصة على عزل أعضاء الوطني الفاعلين، وفي ذلك إعادة إنتاج جزئية لنظام مبارك، من حيث السماح لمستقلي الوطني بتشغيل شبكات الزبونية والفساد والعصبية خاصة في الريف ومن خلال ثلث المقاعد المحجوزة للتنافس الفردي. ولكن ذلك لن يكون إعادة إنتاج للوطني الذي لم يكن حزبا في الأصل بعد تفككه في التسعينيات، وتكونه من أصحاب رؤوس أموال خاصة وزعماء عشائر وعائلات في الصعيد يتسابقون ويتنافسون حتى فيما بينهم على الوصول للحصانة البرلمانية وامتيازات القرب من السلطة في دولة لا تعرف تطبيق القانون بشكل متساوى. وإنما دخول هؤلاء للحياة السياسية ما بعد الثورة يعني بقاء ثقافة غير سياسية تقوم على العصبية والرشوة الانتخابية والطائفية، وهذه الثقافة من المرجح أن توجد وتعيش في بلد فيه الفقر وعدم المساواة والأمية كمصر تماما كحال بلدان فقيرة تحظى بديمقراطية إجرائية كالهند وبنغلادش وإندونيسيا....... وهذه الوضعية مختلفة تمام الاختلاف عن حال رومانيا عندما تمكن جزء من الحزب الشيوعي-مركز الثقل نسبيا في عهد تشاوتشيسكو- في إعادة إنتاج مراكزه وصلاحياته من خلال نظام شبه ديمقراطي فيه انتخابات تعددية....
ماحدث مع الثورة الرومانية هو بعينه ما يحدث في مصر..... ثورتنا سرقت منا والمجلس العسكري نجح في تقليب الناس علي الثورة والثوار والحركات والقوي الوطنية "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" ... لذلك يجب علينا ان نفهم قبل فوات الاوان قبل ان نجد رجال النظام السابق يعودون مرة اخري لانهم سيقومون بالانتقام من الثوار الذين اطاحوا بزعيمهم والاب الروحي لهم حسنى مبارك ....ففي الثورة الرومانية نزل الشعب الروماني مع الثوار جنبا الى جنب ضد الرئيس حتى خلعوه واعدموه
و بعد عام من الثورة وفى ظل تدهور حال البلاد وعدم الاستقرار الذى خطط له ببراعة إيليسكو ... اصبح الثوار كلما خرجوا في مظاهرات يتعرضون للضرب من الاهالي حتى قام الاهالي بحرق كل الثوار...وانتخبوا في نهاية المطاف رئيس من الفلول هو إيليسكو ...

الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.