إليكم القصة المختصرة للخمسة عشر عاما الأولى من عمر الثورة الرومانية علها تقدم عبرة لنا هنا، ونحن نعيش العام الثانى من ثورة 25 يناير. فاز إيليسكو القيادى السابق فى الحزب الشيوعى فى أول انتخابات رئاسية عام 1990 بعد قيام الثورة، وشكل حكومة أغلبيتها من الشيوعيين السابقين، الذين استمروا فى السلطة حتى عام 2004 (باستثناء أربع سنوات فى الفترة من 1996 إلى 2000 فاز فيها رئيس من يمين الوسط). وطوال هذه الأعوام شهدت رومانيا انتخابات أكثر ديمقراطية واستبدلت الرأسمالية بالشيوعية، ولكن ظلت شخوص النظام الساقط لتشاوشيسكو جاثمة على رقاب المجتمع، فماذا كانت النتيجة؟ 1- إصلاح اقتصادى بطىء حافظ على نسب الفقر عالية، وظلت رومانيا من أفقر دول أوروبا. وزادت الفجوة بين الغنى والفقير. وبذلك أضحى الفائز فى الثورة هم نخبة النظام السابق الذين خسروا الثورة وكسبوا السلطة والثروة، وقد مثلوا 85% من قائمة أغنى مائة شخص فى رومانيا لعام 2009. فمن سخرية الأقدار أن أصبح المدافعون عن الشيوعية هم أنفسهم من يدافعون عن الرأسمالية. 2- التراخى الواضح فى التحقيق فى جرائم الماضى «سواء الفساد السياسى والتعذيب والقتل أو الفساد الاقتصادى»، وفُتح المجال لنمو شبكة الفساد بسرعة ملحوظة، بحيث أصبحت مواجهتها أحد أكبر التحديات. وتحول الفساد إلى مؤسسة وقيم سلبية سائدة فى غالبية مناحى الحياة. ولم تأمن فقط عناصر النخبة الفاسدة من العقاب بل تولت مناصب قيادية هامة فى الدولة. 3- تراجع الزراعة مع استمرار معاناة كثير من القرى من نقص المياة الجارية. كما تزايدت معدلات الهجرة إلى الريف بسبب الغلاء ومناخ عدم الأمن وانتشار البطالة. واتسعت الفجوة التنموية بين الأقاليم. 4- زادت الهجرة إلى الخارج لدرجة أن حوالى 10% من الشعب هاجر بحثا عن فرص أفضل غير موجودة فى بلدهم. 5- استمرت الحركات الاحتجاجية رفضا لقيام الشيوعيين السابقين بسرقة الثورة، واتجه ايليسكو إلى سحقها بطرق مختلفة، ومن أخطر هذه الأساليب الاستعانة بآلاف من عمال المناجم لقمع احتجاجات الطلبة عام 1990. وليس قبل عام 2004 مع تولى الرئيس باشيسكو أن بدأت ترتفع نسب النمو الاقتصادى، وتزيد معدلات الاستثمار الأجنبى، وتُتخذ خطوات أكثر جدية لمحاربة الفساد ساعدت لاحقا على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى. لعل أهم درس مستفاد من هذه الخبرة هو خطورة عودة نفس الاشخاص رافعين شعارات جديدة، لأن الثابت أنها تظل كلمات حق يراد بها باطل، والحق هنا هو الاستقرار بينما الباطل هى المصلحة الشخصية وإعادة إنتاج ماكينة الفساد والنهب والقمع. فمن الصعب إسقاط الديكتاتور ولكن الأصعب إسقاط نظامه بقيمه وشخوصه، فالأولى تحتاج للشجاعة أما الثانية فتحتاج للوعى والبصيرة.