مصر زاخرة عامرة ببطولات وهمية فارغة أو فاسدة، لكن البعض منا يحلق على تضاريس هذه الأوهام على ارتفاع تصعب منه الرؤية الحقيقية، فنرى الباطل بطلا والكذب صدقا ولا نتوقف عن صياغة هذه الأوهام لنلبسها أثوابا وصفات ليست فيها ونضفى عليها كل ما ليس له علاقة بها. منذ يناير 2011 ونحن نصنع أوهاما ونرتكب أخطاء كبرى وننسج من الأحداث التى تستحق والتى لا تستحق مناسبة وذكرى ونصنع الأساطير ثم نكتشف الأكذوبة الكبرى (ولنا فى «ست البنات» وغيرها من أحداث لا تعد ولا تحصى مثالا). ومن «ست البنات» إلى «دهب» نماذج «تبيض» للندابين والكذابين كل الدهب. ورغم الغباء العصامى فى التعامل مع قضية «دهب»، تحديدا من صاحب قرار الإبقاء عليها بالكلابشات وهى تلد؛ مما خلق منها فرصة للمتاجرين والمزايدين ليبقى سرادق الندب منصوبا وصاخبا ولتعمل ماكينة «الفتى» فى كل الاتجاهات ولنستكمل مسلسل صناعة أبطال من الوهم. ومن صناعة البطولات الصغيرة لصناعة أساطير لشخصيات نحسبهم أبطالا وزعماء وعظماء وكأننا مغرمون بأن يكون هناك على الجدار مزيد من صور نعلقها وبعضها لا يليق به سوى السقوط أو التجاهل. يبدو أننا مغرمون أيضاً بالبحث عن «السند» على أعمدة من الكذب نظنها حماية وأمنا وأمانا. نصنع عناوين كبرى، لكن المتن ليس به عمق وليس به شىء. كم من أوهام قدمت وتقدم نفسها إلينا باعتبارها الأكثر وطنية والأكثر ثورية أو الأكثر فهما. وأصبحنا نطلق لقب خبير على كل من قال علما أو قال «فتيا» لتمتلئ الشاشات والصحف بالخبراء من كل حدب وصوب، فهناك خبير كروى غالبا فشل كمدير فنى أو كمدرب ولكنه لا فض فوه يحلل ويفتى باعتباره الأنجح والأفهم، وإذا كان الخبير الرياضى أقل ضررا من غيره فهناك قائمة لا تعد ولا تحصى من الخبراء بداية من الخبير الأمنى إلى الاستراتيجى إلى الزراعى والمصرفى والاقتصادى وصولا إلى خبراء التنمية البشرية وخبراء الشئون والحركات الإسلامية وربما سيكون هناك قريبا خبراء فى شئون الحزب الوطنى. تكاثرت علينا الخبرات وتشابهت وزادت وتعقدت وتضخمت المشكلات ولأننا لا نبحث عن العلماء الحق فإننا نجرى وراء خبراء الوهم. مصر زاخرة بالعلماء وتمتلك إبداعا فى البحث العلمى لكننا لا نرى هؤلاء العلماء تحت الأضواء ولا يرى علمهم ولا دراساتهم النور لأننا منشغلون بصناعة أشياء وأشخاص إما بحثا عن حالة من الفتاوى لا تتوقف وإشباع نهم النميمة ومواهب التأليف وتوزيع الشائعات والانشغال بقضايا «زينة وأحمد عز»، وإما خلق بطولات لأشخاص لم يختبروا وليس بينهم وبين البطولة أى صلة قرابة ونفتح لهم أبواب الوهم على مصراعيها ونراهم أبوابا آمنة بينما هم أبواب مخلوعة بيعت أكثر من مرة لأكثر من مشترٍ ومصر كانت الثمن.