أحرص على كتابة هذه السلسلة حتى أفسر للقارئ وللشعب المصرى ذلك الحزن العميق الذى أصاب النظام الأمريكى لسقوط نظام الدكتور مرسى، وأفسر له أيضاً أسباب قطع المعونة العسكرية عن مصر، ذلك أن أمريكا تمر الآن بعصر الفشل العام فى المخططات الأمريكية، وكان على رأس هذا الفشل هو سقوط خطتها فى تقسيم مصر على النحو الذى يرضى أمريكا وإسرائيل. وقد استعرضنا فى يوم الاثنين الماضى كيف بدأت علاقة الإخوان المسلمين بالصهيونية العالمية، وتم نشر هذا المقال فى جريدة «الوطن» حصرياً. إلى المقال السابق على وجه اللزوم والحتم، ذلك أننا لن نتمكن من التكرار، كما نحيل القارئ إلى كتاب «الوحى الأمريكى» للأستاذ عبدالعظيم حماد، الذى جمع فيما جمع كل ما هو متعلق بتلك الاتصالات. ونشير فى هذا المقال إلى عدة محطات مهمة: المحطة الأولى منها فى أربعة وعشرين يونيو عام 2007، فقد أصدرت الوزيرة «كونداليزا رايس» قراراً بالترخيص لجميع الدبلوماسيين الأمريكيين بالاتصال الرسمى بجماعة الإخوان المسلمين، وتكون ائتلاف كبير من الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية «إسنا» ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية «كير» والدائرة الإسلامية لشمال أمريكا «إكنا» ومجلس الشئون الإسلامية العامة «مباك»، والذى ظهر من أن هذا الائتلاف قد تم إعلانه لبداية التعامل بين الإخوان المسلمين والولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ما تم بالفعل بعد أربعة أيام، وأسفرت التفاهمات عن القرار المذكور للسيدة كونداليزا رايس. وسرعان ما بدأت المنتديات واللقاءات المشتركة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وشخصيات تنتمى إلى الإخوان المسلمين بصورة أو بأخرى. ثم نشر البروفيسور «مارك لينش»، وهو المسئول السابق عن التحليل فى وزارة الخارجية الأمريكية، مقالاً تحت عنوان «مذكرة إلى المرشد العام» فى مجلة «فورين بوليسى». وقد ربط الكثير من الناس بين إقالة الأستاذ محمد مهدى عاكف من منصب المرشد العام ورفض التجديد له من أعضاء التنظيم الخاص وبين هذا المقال، ذلك أن الأستاذ «عاكف» كانت له تصريحات خاصة بشأن العلاقات المصرية الأمريكية. ومع ذلك فإن أهم ما نشير إليه فى هذا المقال هو العنوان الفرعى الذى أشار إلى علاقة الإخوان بأمريكا بعبارة «إخوة فى السلاح»، وقال الكاتب فيه ما نصه: «إن الولاياتالمتحدة وجماعة الإخوان المسلمين لديهما مشتركات أكثر مما يعتقدان، وإذا أرادت الجماعة أن تتغلب على الشكوك الأمريكية فإن أعمالها يجب أن تتوافق مع كلماتها»، ثم طالب الكاتب المرشد العام مهدى عاكف بأن يدين صراحة هجمات «حماس» على إسرائيل، ثم عرض على الأستاذ مهدى عاكف نصيحة شخصية بأن يخفف من اندفاعاته اللفظية ولا سيما وهو يتحدث عن أمريكا. على أى الأحوال ومن باب الاختصار نشير إلى أهم نقاط التحول الإخوانى الأمريكى فى العلاقة.. فقد توالت العلاقات والاجتماعات على نطاقات أضيق حتى صدرت التعليمات الحكومية الأمريكية، من «الخارجية» ومن وزارة الأمن الداخلى ومن المركز القومى لمكافحة الإرهاب، بوقف التعامل بتعبير «الفاشية الإسلامية» أو تعبير «الإرهاب الإسلامى». وكما يقول الأستاذ عبدالعظيم حماد، فى مرجعه المشار إليه، إنه «كان من الضرورى إقناع صقر الصقور فى الكونجرس الأمريكى المؤيد لحرب بوش الابن والسيناتور الجمهورى جون ماكين بهذه التحولات وجدواها». وكان «منير فريد»، أحد قيادات الجمعية الإسلامية لشمال أمريكا، قد أجرى أول اتصال للإخوان بالسيناتور ماكين، وتم الاتفاق والتوافق بين الطرفين حتى أصبح السيناتور ماكين فيما بعد هو المدافع الرئيسى فى الكونجرس عن الارتباط البنَّاء مع الإخوان المسلمين، ثم كان هو نفسه بعد ذلك مبعوثاً لأوباما مرتين إلى القاهرة بعد ثورة 25 يناير للاتصال بالإخوان المسلمين، وكانت إحدى المهام التى نجح فيها هى إطلاق سراح المتهمين الأمريكيين، ولم تنشر تفاصيل هذه الجريمة حتى الآن، ونقصد طبعاً جريمة تهريب المتهمين الأمريكيين فى قضية التمويل الأجنبى الشهيرة، وكان ذلك فى صيف عام 2012. ومن الجدير بالذكر أن أهم المحطات هى ما طالبت به الدكتورة «شريفة زهور» الإدارة الأمريكية، بحكم مركزها فى كلية الحرب الأمريكية، بتوسيع حرية الاتصالات ليس بالإخوان فقط وإنما أيضاً بمنظمة حماس. وبالفعل قام السيناتور «جون كيرى»، رئيس لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ ووزير الخارجية الأمريكية بعد ذلك، بتنظيم سلسلة من جلسات الاستماع حول العلاقات الأمريكية الإخوانية، ودعا إليها جميع الشخصيات الأمريكية التى تقود برنامج الارتباط البناء مع الإخوان. ثم سارعت بريطانيا إلى ربط نفسها بعجلة الولاياتالمتحدة، فأسس «تونى بلير»، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، فى عام 2007 «مؤسسة الإيمان»، وهو العام نفسه الذى أعلنت فيه «رايس» استراتيجية الاتصال الرسمى بالإخوان. وكان من ضمن أعضاء مجلس المؤسسين لهذه المؤسسة السيد إسماعيل الشطبى، مرشد الإخوان فى الكويت، و«مصطفى سيريتش»، من قيادات الإخوان فى البوسنة والهرسك، عضو مجلس الإخوان الأوروبى الذى يرأسه الشيخ «يوسف القرضاوى». لكن الأهم من ذلك كله أن ذات المؤسسة قد ضمت رجال الدين اليهود، ومنهم الحاخام «ديفيد روزين» الذى يحمل الجنسية الإسرائيلية. وفى عام 2009 أصبحت الولاياتالمتحدةالأمريكية والإخوان كجسد واحد، فأعلن مكتب التحقيقات الفيدرالى فى 25 يونيو قائمة من خمسة وستين اسماً اعتُمدت لدى مكتب التحقيقات الفيدرالى كأسماء مؤهلة للحديث لديها عن كل شىء يتعلق بالإسلام، وكانت هذه الشخصيات جميعها من الإخوان المسلمين؛ فكان منها الأساتذة «هشام الطالب» و«جمال بارزينجى» و«محمد نمر» و«سيد سعيد» وغيرهم.. وأخيراً فقد تبلور عن هذا الاتفاق تعاون أمنى وصل إلى درجة أن مجلس الشئون العامة الإسلامى الأمريكى افتخر بتعاونه البناء مع السلطات الأمريكية بالقبض على خلية من خمسة من الإسلاميين «الإرهابيين» -على حد وصفهم- فى باكستان. وحينما أصبحت ثورة 2011 على الأبواب كانت التفاهمات الأمريكية - الإخوانية على أكمل وجه إلا فى نقطة واحدة لم يتم الانتهاء منها حتى 2011، وهى نقطة «إسرائيل»، وهى الوثائق التى سنعرض لها فى المقال المقبل إن شاء الله.. حتى نصل إلى الاتفاق المشبوه الذى تم توقيعه لوقف الاعتداء الصهيونى على غزة.. وكانت أطرافه الأربعة هى: إسرائيل، «حماس»، الدكتور مرسى، الولاياتالمتحدةالأمريكية. وإلى اللقاء فى الحلقة الثالثة.