تعرف على سعر الدولار اليوم الخميس 2 مايو مقابل الجنيه    وزير الدفاع الأمريكي يبحث مع نظيره الإسرائيلي مفاوضات صفقة تبادل الأسرى واجتياح رفح    عقوبات أمريكية على روسيا وحلفاء لها بسبب برامج التصنيع العسكري    عاجل.. الزمالك يفاوض ساحر دريمز الغاني    رياح وشبورة.. تعرف على حالة الطقس اليوم الخميس 2 مايو    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم قلنديا شمال شرق القدس المحتلة    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    التحضيرات الأخيرة لحفل آمال ماهر في جدة (فيديو)    ما الفرق بين البيض الأبيض والأحمر؟    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    أول ظهور ل أحمد السقا وزوجته مها الصغير بعد شائعة انفصالهما    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    طريقة عمل الآيس كريم بالبسكويت والموز.. «خلي أولادك يفرحوا»    مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني يواصل تصدره التريند بعد عرض الحلقة ال 3 و4    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    حسن مصطفى: كولر يظلم بعض لاعبي الأهلي لحساب آخرين..والإسماعيلي يعاني من نقص الخبرات    سعر الموز والخوخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 2 مايو 2024    مُهلة جديدة لسيارات المصريين بالخارج.. ما هي الفئات المستحقة؟    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    احذر الغرامة.. آخر موعد لسداد فاتورة أبريل 2024 للتليفون الأرضي    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    بشروط ميسرة.. دون اعتماد جهة عملك ودون تحويل راتبك استلم تمويلك فورى    البنتاجون: إنجاز 50% من الرصيف البحري في غزة    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    صندوق مكافحة الإدمان: 14 % من دراما 2024 عرضت أضرار التعاطي وأثره على الفرد والمجتمع    ترابط بين اللغتين البلوشية والعربية.. ندوة حول «جسر الخطاب الحضاري والحوار الفكري»    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 2 مايو في محافظات مصر    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    اشتري بسرعة .. مفاجأة في أسعار الحديد    النصر يطيح بالخليج من نصف نهائي كأس الملك بالسعودية    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    أول تعليق من الصحة على كارثة "أسترازينيكا"    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    لبنان.. الطيران الإسرائيلي يشن غارتين بالصواريخ على أطراف بلدة شبعا    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    القوات الأوكرانية تصد 89 هجومًا روسيًا خلال ال24 ساعة الماضية    حمالات تموينية للرقابة على الأسواق وضبط المخالفين بالإسكندرية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    الوطنية للتدريب في ضيافة القومي للطفولة والأمومة    وزير الأوقاف: تحية إعزاز وتقدير لعمال مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 27 - 12 - 2016

آن الأوان أن نؤكد أن إسقاط مصر لم يعد هدفاً لعصابة الإخوان، والمسوخ الإرهابية التى خرجت من رحمها. مصر لن تسقط، وتاريخها -ك«دولة وشعب»- يخلو من أية تجارب سقوط، على الرغم من تعرضها لتجارب غزو واحتلال وتآمر كثيرة. ولو كان مقدراً لها أن تسقط فى المدى القريب لسقطت فى 25 يناير. ما الهدف إذن من كل ما يجرى هذه الأيام؟. الهدف فى تقديرى هو إسقاط «دولة السيسى»، أى إفشال مشروعه الوطنى. نحن ندرك جيداً أن للإخوان ومن يدورون فى فلكهم من جماعات سياسية متآمرة مثل «6 أبريل» والاشتراكيين الثوريين، وربما شرائح من الناصريين، ثأراً شخصياً مع «السيسى». فهو الذى أجهض فرصهم فى الحكم وتسبب فى تهميشهم سياسياً. ولعلك تلاحظ أن الخطاب المعادى للدولة المصرية يبدأ وينتهى بالهجوم على السيسى وتحريض المصريين على كراهيته والانقلاب على شرعيته. لعلك تلاحظ أيضاً أن الحديث عن أى أزمة سياسية أو اقتصادية فى حياة المصريين ينتهى دائماً بنتيجة واحدة: السيسى فاشل.. شعبيته انهارت.. لا بد من انتخابات رئاسية مبكرة.. لا بد من مصالحة.. إلخ. وقد سمعت أكثر من مرة من يقول إن أحوال المصريين فى ظل حكم الرئيس مبارك كانت أفضل، وزيادة فى الخبل والجهل والهلوسة، الناتجة عن ضغط الأزمة المعيشية، فإن مواطنين عاديين يرددون -على استحياء- ترحيبهم بترشح جمال مبارك لانتخابات 2018 الرئاسية، وهناك من يريد أحمد شفيق. والمفاجأة أن بعضاً ممن يقولون ذلك «ينايرجية»، سيق بهم إلى ميدان التحرير تحت ذلك الشعار الخادع، المغرض: «عيش.. حرية.. ملوخية»!.
إن الكلمة التى قالها الراحل محمد حسنين هيكل إبان ترشح السيسى لانتخابات الرئاسة، وهى أنه «مرشح الضرورة»، لم تعد تفى بالغرض فى ظل سعى عصابة الإخوان وأذنابها إلى الثأر من الرجل. لقد أصبح السيسى رمزاً لمعركة حياة أو موت. وخسارة المصريين لهذه المعركة -وأظن أنهم من الوعى والبأس بحيث إنهم لن يسمحوا بحدوث ذلك- إلا إذا كسب هؤلاء الخونة معركتهم «الشخصية» مع السيسى. من هذا المنطلق أرى أن من واجبى أن أضع بين يدى الرئيس -الذى لم يعد بالتأكيد ملكاً لنفسه- عدداً من الملاحظات والانتقادات والمطالب والأسئلة، ليس فقط دفاعاً عن شخصه، بل دفاعاً عن «دولته» ومشروعه الوطنى.
قطر: عدو.. أم دولة شقيقة؟
قبل حادث الكنيسة البطرسية الإرهابى مباشرة (تحديداً فى 10 ديسمبر 2016، أى قبل ساعات من وقوع الحادث) عرضت فضائية «الجزيرة»، لسان حال عائلة قطر الحاكمة، على موقعها الإلكترونى، مقالاً لباحث قبطى بلجيكى من أصل مصرى يدعى «يوهانس مقار» بعنوان «هل انتهى الود بين أقباط مصر والسيسى»، نشرته مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية. كتب «مقار» فى مقاله يقول إن أقباطاً كثراً اعتقدوا بادئ الأمر أن السيسى أرسلته السماء لهم، لكنهم أُصيبوا بخيبة أمل بعد فشله فى التصدى لما وصفه ب«الظلم الذى ظلوا يتعرضون له أمداً طويلاً». وختم قائلاً إن وضع الأقباط «غير المريح» فى المجتمع المصرى يعكس «المنحَدَر» الذى وصل إليه الرئيس السيسى، «ففى الأشهر الأخيرة شهد الاقتصاد المصرى أزمة عملة بينما تصارع الحكومة التطرف الإسلامى». هل هى صدفة، أم حدس مهنى رفيع، أم لأن «الجزيرة» طرف أصيل وحاضر فى كل سيناريوهات المؤامرة؟. خطاب «الجزيرة» قبل وبعد التفجير، وأكاذيبها وتحريضها السافر ضد إدارة الرئيس السيسى منذ الإطاحة بعصابة الإخوان فى 30 يونيو 2013، يبرر إجماع المصريين غير المسبوق على الاحتمال الثالث. نحن إذن أمام دليل جديد (وقديم فى الوقت نفسه) على أن «دمل الخيانة» المسمى «قطر» متورط فى كل موجات الإرهاب التى ضربت وما زالت تضرب مصر والمصريين، وهناك بالطبع أدلة أخرى كثيرة على هذا التورط!.
أنا لا أعرف فى الحقيقة لماذا لا تتخذ دولة ال«سبعة آلاف سنة حضارة» موقفاً حاسماً ونهائياً ضد خونة قطر؟. لماذا لا تطرد مصر سفير قطر وتغلق سفارتها وتقطع معها كافة العلاقات؟. ما الذى سنخسره سياسياً أو اقتصادياً؟. هل تتساوى مكاسب هذه العلاقات -بما فيها تحويلات العاملين المصريين هناك- مع حقيقة أن قطر تمول موت أبنائنا فى سيناء، وفى كل مكان يستطيع إرهابيوها أن يصلوا إليه فى مصر؟. ألا تعتقد الإدارة السياسية فى مصر أن قطر «عدو مبين»؟. هل ثمة حرج، كونها عضواً فى مجلس التعاون الخليجى، ولنا فى هذا المجلس أصدقاء ومصالح؟. ألا يوجد فى المجلس «شقيقة عاقلة» تردع هذا الكيان الصهيونى الجديد، وترده عن تآمره الفاضح ضد سيدة العرب الأولى.. مصر؟. الرئيس السيسى يعرف الإجابة، ولا بد أن نعرف -منه مباشرة أو عبر إدارته السياسية- إن كان لقطر «زلة» على مصر، لأن رؤوس المصريين تغلى من الغيظ، وقلوبهم تحترق لموت أبنائهم بفلوس هذا الكيان «المجرم». وسؤالهم وهم يشاهدون «دعارة الجزيرة»: أين الدولة؟. أين الدولة المصرية يا سيادة الرئيس؟. أين هيبتها وصرامتها وكبرياؤها؟.
«القوة الناعمة» هى الحل
فى السادس والعشرين من يوليو 2013 فوض المصريون الرئيس السيسى (وكان وقتها وزيراً للدفاع) لإعلان الحرب على الإرهاب. بعد أكثر من ثلاثة أعوام لم يعد خافياً على أحد فى مصر وخارجها أن الإرهاب أصبح ظاهرة كونية، عابرة للحدود والأيديولوجيات، لذا يبدو أننا أمام معركة صفرية: لم نكسبها.. بدليل حادث الكنيسة الأخير، ولم نخسرها.. بدليل أن الدولة المصرية لا تزال صامدة، واقفة على قدميها، تمارس حياتها بشكل طبيعى. وبعيداً عن النتائج فإن هذه آخر حدود «الحل الأمنى» فى تقدير كثير من المتابعين لهذه المواجهة الشرسة والدامية، وثمة إجماع على ضرورة إفساح المجال ل«الحل الفكرى» وتفعيله. لكن المؤسف أن «الدولة» -وليس الرئيس بصراحة- عاجزة، أو غير راغبة فى ذلك. بل ليس سراً أن هناك مؤسسات فى الدولة تقاوم هذا الحل!.
فى ظنى أن الطلقة الأولى فى المواجهة الفكرية والثقافية للإرهاب تبدأ من «التعليم» بكل مراحله (أى من الحضانة إلى الجامعة)، وبكل مستوياته (أى الرسمى والخاص). وكنت أتمنى فى الحقيقة أن يكون «التعليم» هو المشروع الوطنى الوحيد، أو على الأقل أحد مشروعات الرئيس الكبرى. قد يستهلك تطوير منظومة التعليم فترتى حكم الرئيس السيسى والفترة الأولى لمن سيليه (أى حوالى اثنى عشر عاماً وربما أكثر)، لكن الأمر يستحق. المهم أن نبدأ، وأن تكون البداية جادة وحاسمة وسخية، أى يتوافر لها كل ما يلزم من كفاءات وموارد ورقابة صارمة. أما الطلقة الثانية فى هذه المواجهة فهى «القوة الناعمة»: الكتاب والفيلم والمسرحية والأغنية وغيرها. عبدالناصر لم يقض على الإخوان بالسجن فقط، بل حارب فكرهم المتخلف بالفنون والثقافة. ولم يكتف بملء بطون المصريين وتحسين مستوياتهم المعيشية، بل زرع مدن وقرى مصر بقصور الثقافة. لقد أتيح لى فى طفولتى، فى قرية فى مجاهل الصعيد، أن أشاهد آلة عرض سينمائى على ظهر حمار، وفيلماً يعرض على جدار فى المدرسة أو فى الوحدة الصحية لقريتنا، بخلاف الكتب السياسية والروايات ودواوين الشعر التى كانت تملأ رفوف مكتبة المدرسة. والسؤال: أين وزارة الثقافة الآن؟. أين وزيرها، وهو رجل مستنير، و«دودة كتب»، وعاشق للفنون؟. أين قصورها ومكتباتها ومسارحها وقاعات عرضها السينمائى؟. لماذا لا يدعو الرئيس إلى مؤتمر ثقافى عام، على غرار مؤتمرات الاقتصاد والشباب وغيرها؟. لماذا أصبحت الثقافة والفنون كائنات لقيطة ومنبوذة وكأنها سقطت من «قعر قفة» الدولة؟. لماذا لا يخصص صندوق «تحيا مصر» حصة من إيراداته للنهوض بقوة مصر الناعمة وتفعيل دورها؟. لماذا تركنا قرانا ومدننا مرتعاً ل«الزوايا» وهى بؤر إرهاب وتخلف، بدلاً من أن نعيد الروح لظاهرة قصور الثقافة؟. أجبنى يا سيادة الرئيس!.
يعنى إيه «خطاب دينى»؟
بح صوت الرئيس وهو يطالب بتجديد الخطاب الدينى، والنتيجة الوحيدة التى تحققت هى الزج ب«إسلام البحيرى» فى السجن!. أنا شخصياً لا أعرف ما هذا الخطاب الدينى الذى ينبغى أن نجدده!. عبارة عن إيه يعنى؟!. وما الهدف من تجديده (إذا كنا نعرف معناه أصلاً)؟. هل بتجديده سننتصر على الإرهاب؟. كم مائة عام تكفى لتجديد خطاب دينى متخلف، شمولى فى تخلفه؟. ثم من الذى سيجدده؟. «الأوقاف» موحولة فى صراع نفوذ بينها وبين السلفية والسلفيين على الزوايا والمساجد. و«الأزهر» مبسوط بالخطاب الدينى الحالى، ولا يريد تجديداً أو تطويراً، وإلا سيكون أول من يدفع الثمن. والتعليم فاسد ومتخلف ولا ينتج سوى جهلة بالفطرة أو إرهابيين بالفطرة. والثقافة -كما أشرت من قبل- سلعة مكروهة وراكدة، لا تسمن ولا تغنى من جوع، أما المثقفون فقد أصبحوا كذباب الموائد: لا موقف ولا هيبة. والإعلام (الرسمى والخاص): حدث ولا حرج. ما الحل إذن؟. الحل: فصل الدين عن الدولة. ألا يبرح الدين عتبة المسجد أو الكنيسة. ألا يكون هناك «خطاب دينى» أصلاً، بل خطاب «دنيوى»، «واقعى»، تحكمه ضوابط ومتطلبات الواقع الراهن، سياسياً كان أم اجتماعياً أم اقتصادياً أم فكرياً.
من أمن العقاب..
أحسن الرئيس عندما طالب الحكومة والبرلمان بالتحرك «بشكل أكتر من كده»، لأن موضوع القوانين التى تكبل القضاء «مش هينفع كده»، كما قال فى زيارته للكاتدرائية معزياً فى شهداء الكنيسة البطرسية، وكان يقصد المواجهة مع الإرهاب. تأخر الرئيس كثيراً فى هذا المطلب، وكان ينبغى أن تكون له الأولوية، بدلاً من أن يتركنا نتهم القضاء بالبطء والتقاعس وعدم الإحساس بأى مسئولية وطنية. احترقت قلوب، وخربت بيوت، وأهدرت دماء مئات الشهداء من الجيش والشرطة، بينما رؤوس كوادر عصابة الإخوان وفروعها تتمايل طرباً فى الزنازين، بدلاً من أن تتأرجح على أعواد المشانق. لقد تحمل المصريون وما زالوا كل رزالات الحكومة وتضييقها عليهم فى لقمة العيش، وتحملوا عبث البرلمان وانشغاله عن معاركهم الحقيقية بمعارك صغيرة، لا تعنيهم من قريب أو بعيد. أما أن يتحملوا رؤية من قتلوا أبناءهم وهم يخرجون لهم ألسنتهم.. فهذا كثير. الرئيس يقول دائماً: نحن فى حالة حرب. هذا صحيح. فهل هذه حكومة حرب؟. هل هذا برلمان حرب؟. أجبنى يا سيادة الرئيس، فلم يعد لدى المواطن الغلبان ما يقوله لنا سوى أنه الوحيد الذى يدفع فاتورة هذه الحرب: موتاً.. وخراب ديار.
وهم تماسك الجبهة الداخلية
يصر الرئيس فى كل مناسبة على تذكير المصريين بأن تماسكهم ووحدتهم وخوفهم على بلدهم هو الضمانة الأولى لانتصارهم فى حربهم ضد الإرهاب. هذا صحيح، وتجارب المصريين فى حروبهم ضد أعدائهم تشهد على تماسك مشرف. لكن الكارثة هذه المرة أن العدو «مصرى». القاتل والمخرب والمفسد والخائن «مصرى»: فى الشارع نفسه، وربما فى الشقة المجاورة، وفى المكتب الملاصق. العدو «الإخوانى» أشد خطراً وكرهاً لمصر من العدو «الإسرائيلى»، لأنه «فيروس» يضرب من داخل الجسم. فيروس أقرب إليك من حبل الوريد، ولا يحتاج إلى وسيط للحصول على المعلومات التى سيستخدمها ضدك. لا يحتاج إلى جواسيس أو عملاء لأنه يعيش بيننا ويعرف كل أسرارنا وأزماتنا. لا يحتاج إلى ترسانة سلاح ثقيل، فهو يستطيع أن يقتل عشرات الأبرياء بأنبوبة بوتاجاز أو بقنبلة «بير سلم». يستطيع أن يدمر اقتصادك بشائعة رخيصة. يستطيع أن يحرضك ويهيجك وأنت تركب إلى جواره فى الميكروباص، أو وأنت تشترى دواءك وطعامك ولبن أطفالك!.
زمان.. كان العدو تقليدياً، يقف فى مواجهتك، ونادراً ما كان يضرب فى العمق. الآن أصبح العدو فى مواجهتك ووراءك وعن يمينك وعن شمالك، ويضرب غالباً من العمق وفى العمق، ثم يدعى أن إرهابه نتيجة منطقية لسياسات الرئيس السيسى. بل قد يصل به الخبل والسفالة والكذب إلى حد إلصاق تهمة الإرهاب بالنظام نفسه. هناك من يتأثر بهذه الأكاذيب وهذا المناخ التآمرى الخانق. هناك من لديه الاستعداد للتصديق، والأسباب كثيرة وقوية: التكلفة الباهظة لفاتورة الإصلاح الاقتصادى.. سبب قوى. «أخونة» المشهد السياسى بعد كارثة «25 يناير».. سبب قوى. انتهاء شهر العسل بين النخبة ونظام الرئيس السيسى.. سبب قوى. فقدان الثقة بين المواطن والنظام من ناحية، والإعلام من ناحية أخرى.. سبب قوى. الأداء المضطرب والمرتعش لكل من الحكومة والبرلمان.. سبب قوى. والنتيجة أننا أمام جبهة داخلية منقسمة، وسائلة، وغير متماسكة. ليست على قلب رجل واحد كما يحلم الرئيس، ولم يعد لديها قدرة أو رغبة: لا على دعم «النظام» ولا على معارضته. نحن أمام جبهة داخلية عاجزة ومحبطة ومكبلة. تغضب وتسخط وتسب وتلعن، لكنها غير مستعدة للوصول بغضبها وسخطها إلى حد الخروج فى مظاهرات جياع أو المغامرة بإسقاط النظام. جبهة تحلم ب«التغيير» لكنها غير مستعدة لتكلفته، لأنها تدرك أن احتمالاته ستكون كارثية. تلك مشكلة الرئيس، أو لنقل سوء حظه. تسلمها بعد «30 يونيو» متماسكة، صلبة، موحدة وذات إرادة، فى مواجهة عصابة إرهابية كافرة. كل الأطياف كانت ممثلة، ساعية إلى هدف واحد: إسقاط حكم الإخوان وإزالة آثاره. وشيئاً فشيئاً بدأ تحالف 30 يونيو يفقد زخمه، وبدأ كل طرف يبحث عن حصته من الغنيمة، وكان أول من انسلخ وتمرد وطالب بحصته «مرتزقة 25 يناير».
الرئيس و«الينايرجية»
لم تدخر الدولة (والرئيس شخصياً) أى جهد لاسترضاء «الينايرجية» وتدليلهم و«تمكينهم»، وهذا حق أرادوا منه باطلاً مع الأسف!. الطريف، والمقرف أيضاً، أن قافلة «الينايرجية» لم تعد قاصرة -منذ تولى السيسى حكم مصر- على «الميدانيين»، أى الذين تواجدوا فى ميدان التحرير خلال الثمانية عشر يوماً التى سبقت تنحى الرئيس مبارك، سواء كان وجودهم دائماً أو عابراً، وسواء كان «تنظيمياً» أو بطريق الخطأ أو بالصدفة، وسواء كان انتماؤهم ل«25 يناير» عن قناعة أو بهدف الاسترزاق والبحث عن حيثية سياسية. لقد انخرط فى صفوفهم سياسيون وإعلاميون وأكاديميون ممن ينتمون إلى عصر مبارك وغيروا جلودهم بعد التأكد من سقوط حكمه، بحثاً عن موطئ قدم وسط أنقاض وحرائق «25 يناير». نجح بعضهم فى الوصول إلى مبتغاه أثناء حكم عصابة الإخوان، وانتظر البعض الآخر حتى انقشع الكابوس فى 30 يونيو، عاقداً آمالاً كبيرة على سخاء الرئيس السيسى للحصول على حصة من الكعكة، تعوضه سنوات «بياته» السياسى أو الإعلامى. ولسوء حظ هؤلاء أن السيسى أعلن من البداية أنه ليس مديناً لأحد بفواتير وليس محملاً بجمائل، فما كان منهم إلا أن انقلبوا عليه وانتقدوا أداءه، وهاجموا مشروعاته الكبرى، وشككوا فى جدواها الاقتصادية والاجتماعية. وبلغ التطاول حداً جعل أحدهم يصف العاصمة الإدارية الجديدة بأنها «نكبة» (وهو الدكتور أسامة الغزالى حرب، الذى منحته مؤسسة الرئاسة فيما بعد شرف رئاسة لجنة العفو عن المسجونين!). لقد أصبح هؤلاء «المباركيون» -إن جاز التعبير- «ينايرجية مصالح»، واندمجوا بكامل إرادتهم فى معسكر «مرتزقة 25 يناير». ولا أظن أنهم يفتقدون الوعى ليدركوا أن معسكرهم البغيض هذا قد أصبح الباب الخلفى لعصابة الإخوان منذ سقوط حكمهم.
أثبتت الأيام والمواقف أن «25 يناير» فى محصلتها النهائية كانت جزءاً من مؤامرة، أو «أداة»، لإسقاط الدولة المصرية. وتوافرت لدى كافة أجهزة الأمن معلومات مؤكدة فى هذا الشأن. ومع ذلك بادرت «دولة السيسى» إلى تسميتها «ثورة»!. وتضمنت ديباجة دستورها الانتقامى (2014)، الذى أشرف عليه ودبجه «المباركى المرتد» عمرو موسى، اعترافاً قاطعاً بهذه «الثورة»!. وتمكن هؤلاء الينايرجية من «غزو» مؤسسات حكومية ونقابات مهنية، وأصبحوا رؤساء تحرير صحف ونجوم فضائيات، وكانت الطامة الكبرى اقتحامهم للبرلمان. وفوق ذلك كله حرص الرئيس السيسى نفسه فى أكثر من مناسبة على ذكر «ثورتهم» المزعومة بكل خير. ومدت مؤسسة الرئاسة يدها إليهم وفتحت لهم أبوابها وأجلستهم على منصات مؤتمراتها، كل ذلك لأن الرئيس يريد جبهة داخلية متماسكة، صلبة، تقف صفاً واحداً فى مواجهة عدو المصريين جميعاً: «الإخوان».. فما الذى حدث؟.
خيب الينايرجية ظن الجميع، وأولهم الرئيس. أصبحوا شوكة فى ظهر «دولة السيسى» ونظام حكمه. أصبحوا يرفضون السيسى شخصاً ونظاماً، وإن لم يجهروا بذلك، رغم أنهم أخذوا أكثر مما يستحقون. أصبحوا «جيتو» مغلقاً، أو لنقل «يهود» المشهد السياسى الراهن.. لهم شعاراتهم ومطالبهم وأدواتهم، ويبشرون ب«مصر أخرى» غير التى يقفون على أرضها. ومع أن عصابة الإخوان ضحكت عليهم وسرقت «بقرتهم المقدسة»، ونكلت بالكثيرين منهم أثناء فترة حكمها، إلا أنهم سرعان ما تجاوزوا عداءهم لها وتماهوا فيها. ولم يكن ذلك بدعة أو افتئاتاً على حقيقة. فهم رفقاء ميدان، وكلاهما أصبح بعد «30 يونيو» منبوذاً، متعالياً، ومبتزاً: عصابة الإخوان تمارس إرهاباً مسلحاً، وعصابة «25 يناير» تمارس إرهاباً سياسياً. والأمثلة على إرهاب «الينايرجية» ل«دولة السيسى» كثيرة: معركة نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية.. موقف ينايرجية البرلمان من قانونى «التظاهر» و«الجمعيات الأهلية».. رفضهم محاكمة الإرهابيين أمام محكمة عسكرية.. إلخ!.
أعرف أن الرئيس، ومؤسسة الرئاسة، حسنو النية فى تدليلهم لهذه الفئة الضالة. لكن تجربة العامين الماضيين من حكم السيسى أثبتت أن الرهان على إدماج الينايرجية فى النسيج السياسى والاجتماعى لدولته سيكون خاسراً، ولن يرضوا عنه.
تقاطع نيران «أشقاء»
المشهد الإقليمى تغيّر، أو بالأحرى «اتلخبط»، ومصر الآن فى تقاطع نيران «أشقاء»!. بعد «30 يونيو» وقف الخليج بكل قوته وراء الدولة المصرية: وعود وترتيبات مصالح ورحلات مكوكية ومشاريع على الأرض. وفى المقابل.. رفع الرئيس شعار «مسافة السكة»، وأعلن فى أكثر من مناسبة أن أمن الخليج من أمن مصر. لكن دولاً فى الخليج فهمت الرسالة خطأ فيما يبدو: فهمت أن «دولة السيسى» مطالبة بدفع ثمن دعمها سياسياً واقتصادياً، وأن عليها أن تخوض حروبها «المذهبية»، خاصة فى سوريا واليمن، بالوكالة!. لكن مصر -الرسمية والشعبية- أبت وتأبى أن تورط جيشها أو دبلوماسيتها فى مثل هذه المغامرات الفاشلة. فما الذى حدث؟. تحوّل الدعم والوعود و«مشاعر الإخوة» إلى ضغوط وحصار اقتصادى وبذاءات إعلامية. تحوّل سلاح النفط، الذى كان إسهام الخليج الوحيد والمؤثر فى حرب أكتوبر 1973، إلى صدور المصريين، وبدأ التلويح ب«ورقة العمالة المصرية»، وبلغت تصرفات أحد حكام الخليج حداً متدنياً وفجاً فى عدائيته، إذ أعلن دعمه الصريح لإثيوبيا، التى يُفترض أن مصر تخوض حرباً ضدها بسبب «سد النهضة»، فيما يمكن وصفه بأنه «كيد نسوان» يليق بعدو تقليدى مثل إسرائيل.. لا بدولة عربية «شقيقة»!. ومع ذلك يبدو واضحاً للجميع أن مصر قررت أن تواجه كل هذه المكائد والشرور و«لعب العيال» ب«ترفّع» وصبر يليقان بدولة كبيرة ورئيس عاقل، مؤدب، وإن كان يخفى وراء ظهره شعاراً خالداً: «اتق شر الحليم إذا غضب».
ليس لمصر فى هذه الحروب ناقة أو جمل، وليست منحازة للحوثيين فى اليمن، أو لبشار الأسد فى سوريا. لكن موقفها الثابت، خاصة بعد فواجع الربيع العربى، هو الحفاظ على تماسك الدولتين السورية واليمنية وعلى سلامة شعبيهما. هذا الموقف يدعمه إدراك المصريين لمخاطر ومآسى ما جرى بعد فاجعة 25 يناير. إنها «فوبيا الربيع العربى»، تلك التى خففت، أو عادلت سخط المصريين، وغفرت ما تقدم وما تأخر من أضرار اجتماعية فادحة خلفتها إجراءات الإصلاح الاقتصادى.
أسئلة غضب
قل عن «دولة السيسى» ما تشاء. قل: مستهدفة، ومحاصرة، ومأزومة، وغالبية مؤسساتها مترهلة وغارقة فى الفساد، وأداء غالبية مسئوليها ليس مقنعاً ولا طموحاً. لكنها صامدة، واقفة على قدميها: يد تبنى ويد تحارب. دولة عميقة بحق.. أعمق من أن تسقطها مؤامرات أو إرهاب كونى أو «أزمات زيت وسكر»، أو هرطقة نخب سياسية. هذا لا يعنى أن نسكت على خطأ أو نبتلع أسئلتنا ونحتقن. يحق لى ولك ولكل مواطن مصرى صامد، قرر أن يتألم فى صمت، أن يسأل الرئيس بلا حرج:
1- كيف يتم اختيار الوزراء والمحافظين، وبأى معيار: الكفاءة.. أم أول شخص «يقبل الأمانة»، ونحن نعلم أن أكفاء كثيرين رفضوها؟.
2- هناك مسئولون.. أثبتت تجاربهم فى الإدارة أنهم عبء على الجهاز الإدارى للدولة: إما لجهلهم أو لفشلهم أو لحساباتهم التى تتناقض مع متطلبات حالة الحرب التى نواجهها؟!.
3- كثر لومك وانتقادك ل«الإعلام»، وهو يستحق اللوم بالفعل. السؤال: ألا ترى أن إدارة الدولة لهذا الملف المعقد والحساس هى التى خلقت هذه الفجوة من انعدام الثقة والتربص؟.
4- يعز على المصريين أن يشاهدوا رئيسهم وهو يبكى.. فلماذا تبكى يا سيادة الرئيس؟. هل لأن حال البلد «صعبان عليك».. أما لأنك خسرت بعض رهاناتك.. أم لشعورك أننا شعب جاحد، يريد أن يأخذ ولا يريد أن يعطى؟. أعجبتنى كلمة للكاتبة فاطمة ناعوت فى حوار لإحدى الصحف قالت فيه إن شعبية «السيسى» انخفضت لأنه «مخلص للبلد».
5- أين جهود الحكومة من «سعار الدولار»، ومن جحيم الأسعار الذى يتقلب فيه المصريون صباح مساء؟. إن كان على المواطن فهو يتألم فى صمت، وسيموت فى صمت إذا لزم الأمر، على ألا يصحو ذات يوم ليكتشف أن الدولة «دُمرت» أو «اختُطِفَت». لكن المشكلة أن المواطن لم يعد يثق فى هذه الحكومة ولا يصدقها ولا يأتمنها على لقمة عيشه.
6- يقول بعض الخبثاء إن الرئيس ليس فى حاجة إلى «سياسة»، ولا يعول كثيراً على «سياسيين»، ولديه حجته: مصر «جُرفَت» سياسياً!. إن كان هذا صحيحاً فتلك مشكلة، إذ ما من «دولة» تنهض من دون غطاء سياسى، وما من «سلطة» تنجح فى تحقيق طموحات شعبها من دون أحزاب سياسية «معارضة». المشهد السياسى الحالى فقير وسائل بحيث يصعب المراهنة على «معارضة»، فهل يُعقل أن يكون أغلب المدافعين عن «دولة السيسى» خليط من الجهلة والانتهازيين والحمقى والآكلين على كل الموائد؟.
7- لا يفوتنى أخيراً إلا أن أشير إلى حقيقة موجعة: الناس محبطون، قلقون. لا أحد يفهم شيئاً مما يجرى، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما هو قادم. هذا «الموت الإكلينيكى الجماعى» لم يعد يجرحه مع الأسف سوى «موت حقيقى»: بإرهاب أو بكارثة. حتى أزمات المعيشة لم تعد تزعج أو تهدد.. لأنها كثرت وتنوعت ففقدت تأثيرها. الأخبار الحلوة فى حياتنا ندرت يا سيادة الرئيس، واللقطة المبهجة لم تعد مبهجة، والسعادة أصبحت بكل معنى الكلمة.. «لؤلؤة مستحيل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.