لم أتلق تفاعلاً وتعليقات على موضوع من الموضوعات التى تناولتها فى هذه الزاوية وغيرها مما أشرُف بالكتابة فيها، بالقدر الذى استقبلت فيه هذا العدد من الرسائل والتعليقات التى تخص هذا الموضوع. أمام هذا السيل الكبير من الأطروحات والوقائع حول أطراف يمكن تسميتها بأطراف فاعلة للأزمة، فرغم الدور المحورى الذى تقوم به شركات الصرافة للعبث والتربح غير القانونى بداخل سوق تداول العملات الأجنبية، إلا أن البعض من موظفى البنوك يرتكبون العديد من التجاوزات التى تتناغم مع منظومة الفساد وتدعمها، ويقابل هؤلاء قطاع ليس بالصغير ممن يسمون أنفسهم برجال الأعمال وأصحاب الشركات، فهم تحت مختلف الذرائع الحقيقية والزائفة يرتكبون ممارسات احتيالية ضاغطة بقوة هى الأخرى، من أحدثها أن البعض منهم -استثماراً لعدد الموظفين بشركته الخاصة- قاموا بفتح عشرات الحسابات بالبنوك المصرية بأسماء هؤلاء الموظفين، ثم يقوم رجل الأعمال بالسفر إلى الخارج ليستخدم الكروت الإلكترونية فى سحب عملة أجنبية من هذه الحسابات الصورية، فيكون بذلك قد حقق رصيداً مالياً بالسعر الرسمى يعود لضخه فى السوق السوداء للاستفادة بفروق الأسعار، وهو فى هذا ارتكب جريمة دولرة لرصيده من العملة الوطنية وأنعش سوق العملة الأجنبية الأسود، وأرهق البنوك المصرية بمزيد من أعباء توفير عملة أجنبية لأغراض مزيفة. مزيد من الضغوط والفساد الذى يحبط بالعملة الوطنية كفيل بخلق تهديد أمنى داخلى على الأقل، فالتحرك فى أجندة إصلاح اقتصادى وبرنامج طموح للمشروعات العملاقة يمكن إجهاضه، طالما الحركة الموازية تستنزف ما لا يقل عن 40% من أرصدة العملة الأجنبية طوال الوقت، ومن دون تشريعات منضبطة وتصحيح قانونى شامل لمنظومة العمل فى تداول العملات الأجنبية، تصبح رقبة أسعار السلع الأساسية ومكونات الإنتاج تحت سيف الفساد وأعوانه القادرين على الذبح فى أى لحظة، والشهور الماضية حملت بعضاً من ملامح هذا المشهد الذى شهد تصاعداً غير مبرر لأسعار السلع كافة، وضربت العملة الوطنية فى مناخ ملأه التشكك وعدم الثقة، ولهذا بعد سياسى يضىء اللمبات الحمراء فى غرفة الأمن، فالتقييمات معظمها زائف ولا تستند إلى معادلات حقيقية، والانكماش يسود أروقة الأعمال طالما القادم غير محدد الملامح، فالجميع يراقب البنك المركزى ووزراء المجموعة الاقتصادية ولا يرى سوى أداء إطفاء الحرائق وتسكين الأوجاع، فى الوقت الذى كانت فيه الساحة تحتاج بشدة للضرب بيد من حديد واعتماد سياسات تصحيحية تستهدف استراتيجية الاستقرار النسبى والآمن، حتى يمكن الانتقال إلى مرحلة الثقة فى استقبال الاستثمارات والدخول إلى خانة النمو الحقيقى. استرداد الهيبة والثقة للعملة الوطنية هدف ثمين يحقق وحده فصولاً عديدة من النجاحات، لذلك فالعمل عليه من قبل المتخصصين كافة (الرسميين والخبراء) داخل منظومة تشريعية محكمة، كفيل ببناء جسور الثقة المطلوبة لضمان حركة آمنة للأموال المقبلة من الخارج والتى ستُضخ فى المشروعات والأسواق، وكافة المستثمرين الجادين -عالميين أو محليين- محفزهم الأول هو قواعد منضبطة وخارطة طريق واضحة المعالم، وطاردهم الأشهر هو المناخ الفاسد ومنحنيات التردد والارتباك، اللحظة الراهنة مرشحة وملائمة جداً لخطوات بناء مناخ مالى جديد يعالج ميراث الخلل الفادح الذى أجمع عليه الكافة، لأن مقابله فى سياسات إطفاء الحرائق وعلاجات غرف الإنعاش الطارئة تدخلنا فى دوامات خطرة، ليس أقلها إجهاض طموحات النمو وتفريغ المشروعات العملاقة من مردوداتها الثمينة، ولنا فى مشروع قناة السويس الأسوة الحسنة والمتكاملة، فعندما توافرت الإرادة مع التخطيط على خلفية رصيد الثقة فى القيادة والمؤسسة كان التمويل مذهلاً فى حجمه وتوقيته، وكان طموح الإمساك بمقدراتنا وصياغتها بنجاح هو ما حرك هذا الاستفتاء الاقتصادى والاستثمارى فى حينه، ولعملتنا الوطنية الحق علينا فى صياغة حلم طموح يصحح ويضبط، ليضعها فى مكانتها اللائقة بإجادة صناعة المناخ المستقر الآمن.