سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سكان عشش بولاق: الأمطار تغرقنا ونحن نيام.. والرئيس مش سامع صوتنا الحاجة صديقة ذات ال100سنة: أنا بقبض 210 جنيه من الحكومة بس هيعملوا إيه.. هبنى بيهم أوضة ولا هجيب علاج وأكل؟
ليلة برد قارس، تعالى خلالها صوت ضجيج القطار القادم من بعيد، والمتجه إلى محطة الجيزة مارا بمنطقة بولاق الدكرور، حيث ترقد عشرات الأسر بجانب شريط القطار فى منازل خشبية وعشش مبنية بالطوب اللبن، منغمسين فى نوم عميق. يقترب القطار ويمر على بعد 4 أمتار من مضاجعهم، تهتز الأرض وكأنه زلزال خاطف، لا يستيقظ أحد من النيام، فهم اعتادوا هذه الأصوات وألفوها، صغارا وكبارا. تشتد برودة الجو وترتفع زوابع الهواء التى تحرك أجزاء خشبية و«كرتونية» من أسقف منازلهم، يتساقط المطر ببطء ثم يتزايد، تبتل أسقف المنازل الخشبية، وفى حجرة لا تتعدى 10 أمتار تتمدد السيدة صديقة أحمد محمد، التى تجاوز عمرها 100 عام، على «كنبة» خشبية مستغرقة فى النوم، يحوطها «جركن» مياه، وشعلة غاز، و«حلة» مكشوفة لطهى الطعام، تتسرب مياه المطر من سقف الغرفة، وتسقط داخل «الحلة»، فتحدث صوتا مسموعا يكسر هدوء الحجرة، ويتعالى الصوت مع تزايد حدة المطر، تتساقط المياه المتسربة من مناطق عديدة بسقف الحجرة، وتقترب من «كنبتها» التى تتمدد عليها، تطول المياه «بطانية» خشنة الملمس، يبتل غطاؤها، تتساقط «نقط» من المياه على جبينها، فتستيقظ من نومها مرتعشة من شدة البرد، لتكتشف أن مياه المطر طالتها، ولترفع الغطاء المبتل عن جسدها النحيل، ولسان حالها يقول «رجعت تانى أيام البهدلة فى الشتا». تبحث «صديقة» بيدها عن مكان لم يطله المطر، ليستقر اختيارها على مكان تتحرك نحوه بزاوية الحجرة، لأن بها لوحا خشبيا يعلو سقفها، لتجلس العجوز مرتشعة فى وضع القرفصاء داخل الحجرة وتمد يدها وتحضر عددا قليلا من الحطب وبقايا الخشب الذى جمعته صباح أمس، وتشعل به النار كى تدفئ المكان، فتهدأ رعشتها. وترفع رأسها إلى السماء وهى تدعو «اللهم فك غمى وأخرجنى من الدنيا بسلام». تروى أنها جاءت من الصعيد مع زوجها منذ سنوات لا تعلم عددها، وسكنت فى غرفة إيجار فى وقت تولى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ثم توفى زوجها وترك لها «كوم لحم»، فلم تستطع أن تنفق عليهم وتدفع إيجار الغرفة، فتركتها لأصحابها، وجاءت لمنطقة بولاق الدكرور، بجانب شريط القطار، وأقامت غرفة بالطوب اللبن، تقول «أنا جيت من سوهاج، أنا أول واحدة سكنت فى المنطقة دى، لما كانت البلد كلها فاضية، ومكنش فيه زحمة، مرت الأيام وحالنا زى ما هو، البرد فى الشتا بينخر فى عضمى، والدنيا كل ما تمطر الأوضة تتملى ميّه، وبقوم من النوم على البرد والفرشة بتاعتى بتتبل من المطر، وأقوم الصبح أنشرها فى الشمس». انهار سقف المنزل عليها منذ عدة أشهر فى فصل الصيف، وأعاد جيرانها بناءه بالخشب والكرتون، تضيف وعيناها تملؤهما الدموع «أهى عيشة أخرتها الموت، أنا بصلى ومؤمنة بربنا، عايشين بستر ربنا، أنا كنت بقبض 160 جنيه من الحكومة من بعد ما جوزى مات ورفعوا القبض ل210 جنيه، بس هيعملوا إيه معايا فى الظروف دى، هبنى بيهم أوضة ولا هجيب علاج وأكل». لا تتذكر السيدة صديقة اسم أحد من الرؤساء سوى الرئيس جمال عبدالناصر، لأنها تعتبره الرئيس الذى نصر الغلابة، لا تعرف اسم رئيس الجمهورية الحالى، وتطلق على الرئيس محمد مرسى «الرئيس أبودقن»، لأنها لم تشاهده سوى مرة واحدة فقط فى عشة أحد أبنائها، الذى يملك تليفزيون أبيض وأسود، توجه للرئيس مرسى اللوم قائلة «مشفناش حاجة من البلد حلوة، ياريت يا ريس تهتم بينا شوية، وتعطف علينا، وتخرجنا من الغم اللى إحنا فيه، إنت مسلم وإحنا مسلمين، اعطف علينا وارحمنا من الذل اللى إحنا فيه» السيدة صديقة التى يبلغ عمرها 101 عام، لديها 7 أبناء، 4 بنات و3 أولاد، البنات متزوجات ويقطن بعيدا عنها، ويسكن أحد أبنائها مع عائلته وأسرته تقول «عيالى الدنيا بتلهيهم وكل واحد له بيت وعيال، وأنا صابرة ومفيش غير ربنا لىّ» فى حجرة مجاورة، تسكن أسرة حافظ حسين عمر، ذى ال38 عاما، الغرفة لا تتعدى مساحتها 12 مترا يوجد بها سريران، الأول لأطفاله ال3 والثانى له ولزوجته، فى نفس الحجرة، يوجد بوتاجاز، وأنبوبة غاز وغسالة بسيطة، يقول حافظ «أنا بنام خايف بالليل من المطر، بخاف سقف البيت يقع علىَّ وأموت أنا وعيالى، والحكومة مبتعملش حاجة سابتنا ورمتنا من زمان»، ويضيف «أنا نفسى يبقى عندى شقة لو 40 متر، بس أعرف أعيش وأنام وأنا مطمن أنا وأسرتى، ونفسى الحكومة توفر لىَّ كشك أبيع وأسترزق منه». تضيف أم مصطفى، زوجة حافظ، «إحنا هنا بقالنا سنين، المطرة بتغرقنا وبتقع علينا أنا وعيالى من السقف، إحنا عايزين شقة، الناس اللى جنبنا الحكومة وفرت لهم شقق وسابتنا ومش عارفين هتوفر لينا شقة أنا والعيال ولا لأ». وتلتقط أم هانى طرف الحديث من زوجة حافظ قائلة «تعالى اتفرج على حالنا فى العشة اللى جنبك»، حال المرأة الأربعينية كان أسوأ حالا، غرفة خشبية، مبطنة بشكائر بلاستيكية لتمنع دخول الهواء وتحافظ على دفء المكان، تتحدث ل«الوطن» شاكية «إحنا معرضين للموت كل يوم بسبب الكهرباء، إحنا موصلين سلك من أقرب عمود، لأننا معندناش عدادات كهرباء، والسلوك اللى متوصلة بتكهربنا لما بينزل عليها الشتا»، وتضيف «إحنا الحالة عندنا ضنك، لو كان معانا فلوس كنا اشترينا وقعدنا فى شقة، بس للأسف مفيش، عندى 3 عيال منهم اثنين متعلمين وابن مش متعلم ومشتغلوش، وكل واحد عايز يتجوز ومينفعش يتجوز وسطينا فى أوضة من الخشب، لأن مفيش مكان ليهم أصلا وعندى بنتين واحده متجوزة والثانية مخطوبة ومش عارفه أجهزها منين وعريسها كل يوم يطلب مننا أنه يحدد فرحه». وتستكمل أم هانى «إحنا بقالنا زمن على الوضع ده، من 45 سنة، من قبل أيام مبارك، وإحنا بنعانى فى الشتا والصيف، العيال الصغيرة بيموتوا من البرد بالليل وبتعضهم الحشرات والفئران فى الصيف». لم تفكر يوما فى أن تذهب لصندوق الانتخابات فى عهد رئيس ولم تنشغل بالسياسة، كل ما كان يشغلها لقمة عيشها، لكنها فى انتخابات رئاسة الجمهورية بعد الثورة، ذهبت إلى الصندوق فتقول «أنا انتخبت الرئيس محمد مرسى، ويا خسارة طلع زى غيره، لسه نفس النظام القديم موجود متغيرش، لو اتغير صدقنى مش هتلاقى ناس زينا عايشة حياة بدائية فى البرد من غير رحمة، يمكن فى الأول كنا بنمشى فى أمان دلوقتى مفيش أمان». تقتات أم هانى من بيع العيش الشمسى الذى تقوم بصنعه بنفسها فى فرن بلدى قام زوجها ببنائه لها من الطين، تقف فى ميدان العتبة كل يوم فى الصباح لتبحث عن «قرشين يساعدونا فى الظروف الصعبة» على حد قولها وتضيف «إحنا حاسين إننا مش مصريين، الكلاب اللى فى الشارع عايشه أنضف من الناس اللى فى العشش، إحنا بنى آدمين يا حكومة ويا ريس». بين الأزقة الضيقة التى تفصل العشش عن بعضها يقف أحفاد الحاج عبدالحليم حفنى، هم أطفال يلهون ويلعبون وأرجلهم موحولة ب«الطين» غير مبالين بهطول المطر أو ببؤس الأوضاع التى ولدوا فيها، ينظر إليهم جدهم متحسرا ويقول «مش عارف أعمل حاجة أساعد بيها عيالى ولا أحفادى، أنا عامل عملية حصوة وفاتح بطنى، الدنيا ملطشة معانا، الحكومة مش عايزة تبنى لينا شقق خلاص تساعدنا فى رزقنا عشان نشترى أو نبنى شقق»، ويضيف: «أنا قدمت شكاوى للمحافظ عشان يوفر لى كشك أو فاترينة أسترزق منها، وقدمت شكاوى لديوان المظالم اللى تبع الرئيس مرسى، بس محدش سمع لى صوت». ينهى «عثمان» حديثه بلهجة حادة قائلا «لازم الحكومة تعرف إننا لو محدش سمع لينا، هنغضب وهنعتصم وهنعمل مظاهرات ومحدش هيقدر يوقفنا». أخبار متعلقة: «الوطن» ترصد «شتا الغلابة».. مصر التى باتت فى العراء فى رملة بولاق.. الأمطار تجلدهم شتاءً.. والنيران تحرقهم فى الصيف