أم مذعورة تجمع أولادها فى أحد أركان البيت لحمايتهم من سيل الأمطار المنهمرة، تنظر بقلق ل «العيال» حتى تنتهى «النوة» لتواصل كفاحا من نوع آخر أسلحته «الجردل والخيشة». بينما تحتمى بالحمام، المكان الوحيد الذى لا يتسرب إليه المطر. هكذا تعيش أسر بكاملها فى قرية الهاويس بمنطقة العامرية فى الإسكندرية، أسر لا تحلم سوى بسقف «يستر البنت، ويحمى الولد ويبعد عننا مطر الشتا ويحسسك إنك قاعد فى البيت مش فى الشارع». «نفسى أعيش تحت سقف» قالت دليلة شحاتة التى جاوزت الستين من عمرها، فالبيت لم يعد «يستر بدن ولا يحمى عيل.. احنا بنجيب خشب المراكب القديمة ونرص فوقها مشمع عشان ما نمتش فى الشتا». حياة دليلة نفسها تلخص كل شىء فهى ربما تكون أول «غفيرحريمى» فى مصر تعمل مقابل 100 جنيه فى الشهر. وبمساعدات أولاد الحلال تحاول أن تصنع سقفا من أى شىء لحجرة تجمعها مع ولدها. «لما بتمطر بحس إنى قاعدة فى الشارع»، هكذا قالت ناعسة إحدى سكان البيوت التى بلا أسقف فى قرية الهاويس. ناعسة تحاول التحايل على البرد بسقف من البوص «ما فيش فى إيدى حاجة تانية أعملها.. لما المطر بيشد بحاول أبعد العيال التلاتة عن الحتة اللى بتنقط من البوص»، أما الزوج فهو خفير نظامى راتبه يكفى بالكاد للحصول على قليل من «الغموس» وما تيسر من أرغفة. أما سالمين عبدالمجيد التى تركت بيتها فى مركز أبوحمص بالبحيرة بحثا عن مصدر رزق لأولادها الذين ضاق بهم العيش فى مسقط رأسهم. أنفقت 20 ألف جنيه لشراء البيت ولم تعد تملك ما يمكنها من بناء السقف. «كان نفسى يبقى عندى سقف، وأقعد مع عيالى وإحنا دفيانين بس الإيد قصيرة»، قالت منى سليمان التى تعتبر وقت تساقط الأمطار معركة تكون فيها قطعة القماش و«الجردل» أسلحتها. وأمام الأمطار الغزيرة، لم تجد منى حيلة أمامها إلا اقتراض مائة جنيه لشراء مشمع إلا أن حالها لم يعد أفضل من السابق حيث تتجمع المياه فوق المشمع وتشكل ثقلاً على الخشب الذى يتشرب المياه ويفقد قدرته على حمايتهم من مياه الأمطار. وتتفاقم المشكلة مع محاولات سرقة الكهرباء العمومية حيث يتسبب هطول الأمطار فى حدوث ماس كهربائى، كان وراء إصابة يدى منى بحروق شديدة. أما الحاج حمدى باغوت، أحد كبار القرية، كشف زاوية أخرى فى مأساة الأسقف الغائبة «فيه ناس ولاد حرام بيخلوا الغلابة يمضوا على إيصالات أمانة عشان يبنوا لهم سقف بالتقسيط.. ودلوقتى نص الأهالى رايحين فى داهية وفيه منهم عليه أقساط أكتر من 1000 جنيه شهرياً.
