يعيشون كرنفالاً من البؤس والشقاء.. ورئيس الحي يقول «أعطوهم شقق من عندكم» سميرة خلف: بعنا العفش علشان نعرف نعيش.. وحمام واحد دون شبابيك يستخدمه كل أهالي المخيم! مصطفي محمد: أهالي العمارات المجاورة يلقون علينا القمامة ونموت في اليوم ألف مرة هم أموات علي قيد الحياة، غرباء داخل حدود وطنهم، مشردون لا مأوي لهم، يتسولون حقوقهم، منسيون أمام همومهم، أحلامهم تنمو وتنتحر، مستقبلهم يحتضر، حياتهم شقاء، ووجوههم بائسة منهكة بلا أمل، يظهر عليهم شقاء السنين، يعيشون تحت خط الفقر في خيام ممزقة، أكل عليها الدهر وشرب، يطوقهم شريط مائي مُلوث، يأكل أجسادهم قبل خيامهم، تتناثر حولهم القمامة، أما مياه المجاري فتحت أرجلهم أينما ساروا.. ينتشر البعوض والذباب في كل مكان، تشعر وكأنك تسير وسط مقبرة أشباح مهجورة لا تظهر عليها دلائل الحياة، ولا تتوافر بها أبسط مقومات البقاء، لا ماء، ولا كهرباء، ولا أثاث، ولا صحة، ولا تعليم، ولا أي دليل علي الحياة الآدمية.. هذا هو المشهد باختصار داخل مخيم الحزن، والألم، والموت الناعم، داخل ما يعرف ب"مخيمات بهتيم" الكائنة بشرق شبرا الخيمة، بمحافظة القليوبية، والذي تقف الكلمات عاجزة أمام دموع قاطنيها، ووجوه أطفالها التي ترتسم بالبؤس، والشقاء. سكان مخيمات بهتيم ضاقت عليهم الأرض، بعد سقوط منازلهم، أو صدور قرارات بإزالتها فلجأوا إلي الشئون الاجتماعية، للحصول علي مسكن يؤويهم، فأسكنهم المسئولون منذ ثلاثة أعوام في خيام لا تقيهم برد الشتاء، أو حر الصيف.. "الموجز" رصت من خلال جولة داخل المكان معاناة الأهالي، ومأساتهم مع مخيمات تشبه مخيمات اللاجئين، انه المخيم صاحب 24 قصة تبكي من ليس له قلب، ومن لا يملك وطن، ولا إحساسا.. قصص لا يمكن تسطيرها بالقلم لأن الجرح الخفي منها أفظع من الظاهر والمعروف. يروي سعيد عبدالكريم، سائق ميكروباص، يعيش بخيام الإيواء ب"بهتيم" قصته المأساوية التي يعيشها منذ ثلاث سنوات قائلا: "إحنا مش عايشين، ومحدش من المسئولين يقدر يتحمل حالنا ولو ليوم واحد، فالمقهي الموجود خلف المخيم يلقي علينا زجاجات البيرة، والسجائر، والسرنجات التي يستخدمها المدمنون ومتعاطو المخدرات، وعندما تأتي قوات الشرطة للمقهي، يقوم المتعاطون بإلقاء المخدرات داخل المخيم، ثم يقتحمون المخيم بعد رحيل الشرطة بحثا عنها، ولذلك أصبح المخيم مرتعا للمتعاطين، والبلطجية، وتجار المخدرات". وأضاف: "أطلب من الرئيس عدلي منصور، أن يتقي الله فينا، إحنا غلابة ولا نجد قوت يومنا، وأطلب من الداخلية أن تحمينا من البلطجية الذين يسرقوننا بالليل، وأقول لمحافظ القليوبية أن يراعينا فنحن بشر". أما زينب عبدالكريم، التي كانت تفترش أرض الخيمة وتأكل مع أولادها فتات الخبز فقالت.. "ناس كتير جت قبل كده وقعدوا معانا وسمعوا مشاكلنا وبرضه ماشفناش حاجة، ويمكن كمان هما بيستفادوا من كلامنا وبعدها بينسونا وملهمش دعوة بينا". وتلتقط سميرة علي خطاب خيط الحديث قائلة: "اللي بنبات فيه بنصبح فيه، وكل شويه يوعدونا، ومفيش حاجة بتحصل، وحالنا صعب أوي، تخيلوا حمام واحد ل24 أسرة، والحمّامات الموجودة مش آدمية، ومن غير شبابيك، ومتهالكة، ومش لاقيين نأكل، حتي عفشنا كله بعناه عشان نعرف نعيش". سيدة أخري رفضت ذكر اسمها قالت: إن زوجها توفي بعد معاناة كبيرة مع مرض تليف الكبد، داخل خيمته، التي لا تصلح لحياة بني آدميين، وتم خروج جثمانه من خيمته، وكان يطمع في أن يعيش داخل شقته قبل أن يتوفي، وقام بعمل بحث اجتماعي، وتجهيز كل الأوراق التي تثبت حقه في الحصول علي شقة من شقق المحافظة، ولكن كل ذلك بلا فائدة، حيث ما زالت زوجته، وأبناؤه يسكنون داخل نفس الخيمة التي توفي به والدهم. الحاجة فتحية أبوسريع، التي التقينا بها علي مشارف المخيم، روت لنا قصتها، بينما تذرف عيناها الدموع، وعلامات الحزن ترتسم علي وجهها، قائلة: "أسكن أنا، وابنتي المطلقة، وحفيدي في الخيمة، منذ 3 سنوات، ومعاشي لا يتجاوز ال300 جنيه، وأعاني من أمراض الشيخوخة، ومن ضعف النظر، وتسكن في الخيمة المجاورة ابنتي الأخري مع زوجها المعاق"، وأضافت: "عايزة أقول للرئيس عدلي منصور، ارحمونا أحنا غلابة، ومحدش بيسأل فينا، أنا مش عايزة غير أوضة واحدة، تحمينا من حر الصيف، وبرد الشتاء، ومياه الأمطار التي تغرقنا، وممكن تحصل كارثة في المكان عشان فيه أجهزة كهربائية، وأسلاك كهرباء عارية". أما مصطفي محمد محمد "عامل باليومية" فيقول: "أسكن هنا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وعشت سنة كاملة في الشارع إلي أن أعطاني الحي هذه الخيمة، وأعاني من انفصام في الشبكية، والأطباء قالوا لي إن السبب هو تعرضي لتلوث".. وأضاف: "أكيد بسبب الزبالة اللي يلقيها علينا سكان العمارات المجاورة، لأنهم يعتبرون المخيم مكاناً لإلقاء فضلاتهم، ومخلفاتهم، وغير كده يكفي مياه الصرف الصحي التي تحيط بنا من كل جانب، ونقوم بردمها بالرمال والطوب حتي لا تغرق خيامنا فيها". وتابع: "لما نروح للحي يقولوا لنا البلد تعبانة، ومفيش شقق، ولا حتي غرف، وحتي لو طلبنا منهم إرسال أحد لأخذ القمامة، وعمال مجاري لإصلاح الحمامات، محدش يسأل فينا، ولا يهتم بنا، نفسي صوتي يوصل للحكومة، وعايز أقول لهم الحقونا إحنا مصريين بنموت في اليوم ألف مرة". مصرية مصطف ي محمد، مطلقة، تقول: "أنا عايشة هنا من سنة مع أولادي، تلات بنات، وولد، وكنا عايشين في شقه غرفتين، وصالة، وراضيين إلي أن سقط المنزل، والحي أخرجنا بالقوة الجبرية، وبعد عشر شهور استلمت الخيمة من الشئون الاجتماعية".. وفجرت مصرية مفاجأة من خلال الأوراق التي بحوزتها، حيث أشارت إلي أن هذه الأوراق عبارة عن إقرارات قاموا بتوقيعها لصالح وزارة التضامن الاجتماعي، بحصول الوزارة علي تعويض، وقدره 4500 جنيه في حالة حدوث تلف أو فقدان للخيمة. وتستكمل حديثها: "ذهبنا كثيرًا لرئاسة حي شرق شبرا الخيمة، ولم يسمع أحد شكوانا، وعندما استطاع أحد الوصول لرئيس الحي الجديد، عبدالرحمن مقلد، ليسأله عن وضعنا، قال له بلهجة قاسية: "سكان مخيمات بهتيم ناس زبالة، خليهم يخدوا عيالهم، ويمشوا من هنا". "نحن في معاناة فظيعة، ونموت كل يوم".. بهذه الكلمات المؤثرة، بدأت رضا عبدالله كلامها، وأضافت: "زوجي علي باب الله، ونعيش هنا منذ 3 سنوات، وكأننا مش مصريين، أو مواطنين لهم حقوق". وتابعت: "حالتنا تحت الصفر حتي السرير اللي بنام عليه، يعوم في مياه المجاري، وغير كده مستشفي الحميات التي تجاورنا ترمي علينا السرنجات، والأدوية، والبرشام، وبتنقل لنا الأمراض، وذهبنا كثيرا لرئاسة الحي، وكان الأمن بيمشينا من علي الباب، ويتهمونا أننا تبع الإخوان، وعايزين نعمل قلق، وفوضي". أما الأطفال هناك فحالهم أكثر بؤسًا، ويدفعون الثمن الأكبر من هذه المعاناة حيث البرد والجوع.. تقول الطفلة صابرين التي لا يتجاوز عمرها عشر سنوات: "أصحابي في المدرسة بيقولولي أنتوا معندكوش بيت، وبتناموا في الشارع، يا "شورعية"، وأختي الكبيرة "رحمة" أتعقدت، وقعدت من المدرسة، من الكلام اللي أصحابها بيقولوه" وأضافت: "نفسي يكون عندنا شقة أو حجرة نعيش فيها زي الناس". وخلال جولتنا في المكان، لفت نظرنا، وجود لافتة علي حجرتين متهالكتين، داخل الخيام، لجمعية زراعية تحمل اسم " جمعية بهتيم الزراعية"، وبسؤال الأهالي عنها قالوا إن الجمعية تفتح يوميًا، من الساعة الثامنة صباحًا، حتي الساعة الثالثة عصرًا، والموظفون يمارسون أعمالهم، مع وجود الخيام، ووسط أهالي الإيواء. وكان محافظ القليوبية، المهندس محمد عبدالظاهر، قد أكد في حوار سابق له مع «الموجز» في العدد 388، بتاريخ، 30 ديسمبر 2013، إلي أنه سيهتم بأمر سكان مخيمات بهتيم، مشددا علي أن المحافظة بدأت منذ شهر نوفمبر الماضي ببناء 8 آلاف وحدة سكنية، حيث تقوم وزارة الإسكان ببناء 6 آلاف وحدة، ويقوم الجيش ببناء عدد آخر من الوحدات، مشيرًا إلي أنه بمجرد الانتهاء منها سيتم نقل المقيمين بهذه المخيمات فوراً لهذه المساكن. من جانبها أكدت سامية طه مدير إدارة تطوير العشوائيات بحي شرق شبرا الخيمة، أنها قامت بعمل حصر بأسماء، وأعداد سكان مخيمات بهتيم، منذ شهرين، وأرسلت فاكسا بحالتهم لمحافظة القليوبية، إلا أن المحافظة لم تتخذ أي إجراء بشأنهم حتي الآن. أما رئيس حي شرق شبرا الخيمة، عبدالرحمن مقلد، والذي تم ندبه منذ شهر لرئاسة الحي، وكان من المفترض ألا يسير علي درب من سبقه، وأن يكون لديه سيكون لديه خطط جديدة لمواجهة مشكلات الحي فقد قال بلهجة قاسية عند سؤاله عن مأساة ومعاناة أهالي المخيم "لو تأثرتم بأحوال أهالي مخيمات بهتيم لهذه الدرجة، أعطوهم شقق من عندكم"، وأضاف: "يوجد 4 آلاف فدان بالحي سأقوم بتسليمها للجيش ليقوم ببناء وحدات سكنية عليها، ولكن لن يكون لأهالي مخيمات بهتيم نصيب فيها، ولم نحسم أمرهم حتي الآن، لأن لديهم بالفعل شقق سكنية يتركونها، ويسكنون الخيام من أجل مطالبة الحي بشقة". وبالرغم من تأكيد رئيس الحي علي أنه أرسل عمال كهرباء، وسباكة لعمل إصلاحات لأهالي المخيمات بهتيم، إلا أن سكان المخيمات نفوا ذلك تمامًا، وأكدوا أنه لم يأت أحد إليهم.