موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للموظفين والمدارس (9 أيام عطلات رسمية الشهر المقبل)    محامي يكشف مفاجآت في قضية اتهام صلاح التيجاني بالتحرش    نائب محافظ المركزي: ملتزمين بضمان استدامة السياسات النقدية الجاذبة للاستثمار    حزب الله: اغتيال القيادي أحمد محمود وهبي في غارة إسرائيلية    فلسطين.. 3 إصابات في قصف إسرائيلي استهدف خيمة تؤوي نازحين وسط خان يونس    وزير الخارجية: الجهد المصري مع قطر والولايات المتحدة لن يتوقف ونعمل على حقن دماء الفلسطينيين    الأهلي ضد جورماهيا في دوري أبطال إفريقيا.. الموعد والقنوات الناقلة والمعلق والتشكيل    «من خليفة إيهاب جلال إلى أين سمعتي».. القصة الكاملة لأزمة الإسماعيلي وحلمي طولان    «صاحب المعلومة الأدق».. لميس الحديدي تهنئ أحمد شوبير على التعاقد مع قناة الأهلي    عاجل - الأرصاد تعلن تحسن الطقس اليوم وانخفاض الحرارة    مبلغ مالي غير متوقع وزيارة من صديق قديم.. توقعات برج العقرب اليوم 21 سبتمبر 2024    بحضور وزير الثقافة.. تفاصيل انطلاق الملتقى الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة    وزير الخارجية: مصر تدعم الصومال لبناء القدرات الأمنية والعسكرية    أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 21-9-2024.. آخر تحديث    «أغلى من المانجة».. متى تنخفض الطماطم بعد أن سجل سعرها رقم قياسي؟    توجيه هام من التعليم قبل ساعات من بدء الدراسة 2025 (أول يوم مدارس)    موعد مباراة مانشستر يونايتد ضد كريستال بالاس في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لخوض كأس الأمم الإفريقية    في احتفالية كبرى.. نادي الفيوم يكرم 150 من المتفوقين الأوائل| صور    قتل صديق عمره .. ذبحه ووضع الجثة داخل 3 أجولة وعاد يبحث مع أسرته عنه    أنتهاء أسطورة «ستورة» فى الصعيد .. هارب من قضايا شروع فى قتل وتجارة سلاح ومخدرات وسرقة بالإكراه    النيابة تعاين الزاوية التيجانية بعد أقوال ضحايا صلاح التيجانى    استدعاء والدة خديجة لسماع أقوالها في اتهام صلاح التيجاني بالتحرش بابنتها    د.مصطفى ثابت ينعي وزير الداخلية في وفاة والدته    عمرو سلامة: أداء «موريس» في «كاستنج» يبرز تميزه الجسدي    حفل للأطفال الأيتام بقرية طحانوب| الأمهات: أطفالنا ينتظرونه بفارغ الصبر.. ويؤكدون: بهجة لقلوب صغيرة    زاهي حواس: تمثال الملكة نفرتيتي خرج من مصر ب «التدليس»    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    وصلت بطعنات نافذة.. إنقاذ مريضة من الموت المحقق بمستشفى جامعة القناة    أمام أنظار عبد المنعم.. نيس يسحق سانت إيتيان بثمانية أهداف    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    «البوابة نيوز» تكشف حقيقة اقتحام مسجل خطر مبنى حي الدقي والاعتداء على رئيسه    إسرائيل تغتال الأبرياء بسلاح التجويع.. مستقبل «مقبض» للقضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    نوران جوهر تتأهل لنهائي بطولة باريس للإسكواش 2024    ارتفاع سعر طن الحديد والأسمنت يتجاوز 3000 جنيه بسوق مواد البناء اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    عمرو أديب عن صلاح التيجاني: «مثقفين ورجال أعمال وفنانين مبيدخلوش الحمام غير لما يكلموا الشيخ» (فيديو)    عودة قوية لديمي مور بفيلم الرعب "The Substance" بعد غياب عن البطولات المطلقة    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    المخرج عمر عبد العزيز: «ليه أدفع فلوس وأنا بصور على النيل؟» (فيديو)    «التحالف الوطني» يواصل دعم الطلاب والأسر الأكثر احتياجا مع بداية العام الدراسي    وزير خارجية لبنان: نشكر مصر رئيسا وشعبا على دعم موقف لبنان خلال الأزمة الحالية    أهالى أبو الريش فى أسوان ينظمون وقفة احتجاجية ويطالبون بوقف محطة مياه القرية    «جنون الربح».. فضيحة كبرى تضرب مواقع التواصل الاجتماعي وتهدد الجميع (دراسة)    لأول مرة.. مستشفى قنا العام" يسجل "صفر" في قوائم انتظار القسطرة القلبية    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    تعليم الإسكندرية يشارك في حفل تخرج الدفعة 54 بكلية التربية    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    الأهلي في السوبر الأفريقي.. 8 ألقاب وذكرى أليمة أمام الزمالك    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    حريق يلتهم 4 منازل بساقلتة في سوهاج    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد يحيي امبابي يكتب : تجديد الخطاب الديني
نشر في الفجر يوم 23 - 08 - 2011

ان تجديد الخطاب الديني في الوقت الراهن من حيث مضمونه ومحتواه يعتبر بحق قضية هامة من اجل المساهمة في تشكيل وعي الافراد بما يحقق-في اطار النهضة المجتمعية - بلورة فكرية سياسية دينية يرتكز عليها الافراد للاصلاح والتقدم نحو اليمقراطية الفعلية بالمشاركة والتشاور والتفهم والمناقشة المبنية علي اسس من المنطق الديني والتعاون في اتخاذ القرارات والاتصال السياسي ,وكذلك التوصل الي حلول لمعالجة الظواهر السلبية السائدة في المجتمع ومنعها من الانتشار او التكرار بجمع الافكار والمتناقضات ومن ثم بلورة فكرة صائبة واخري وهكذا الي ان يصل الافراد في نهاية المطاف الي قواعد علمية موضوعية لحل اظهر المشكلات التي يواجهها المجتمع بالوعي والنضج والتفهم السليم ولن يتأت ذلك الا بالمشاركة الاجتماعية اساس المشاركة السياسية وبالتالي اختفاء ظاهرة او ما يعرف بالاغتراب السياسي او العزوف السياسي ,ولكن اختلف المهتمين بهذا القضية اي تجديد الخطاب الديني خاصة رجال الدين و عامة المسلمين من حيث كيفية التوصل الي طرق او وسائل يمكن بها ان يتحقق الانسجام التام بين الافراد والتهيئة لقبول الافكار او المعتقدات بكافة جوانبها سواء الدينية في المقام الاول او السياسية او الاقتصادية او من الناحية الاجتماعية فالدين والشريعة الاسلامية هي المصدر الاساسي للتشريع والترشيد والهداية السليمة للافراد والمجتمع ككل وهذا عرف سائد داخل المجتمع المصري لا يختلف عليه اثنان فالاسلام اول من حدد القواعد العامة لحقوق الانسان بشكل عام للمسلمين وغيرهم .
اذن فهناك حجة رئيسية ننطلق منها لاعداد هذا البحث الا وهي دور الخطاب الديني في المساهمة في تحقيق الانتقال السلمي بالافراد من محيط الانعزال او الاغتراب او السلبية نحو المشاركة الاجتماعية والتفكير الايجابي وبالتالي التحول نحو اليمقراطية العربية والنهضة في المجتمع بكافة شئونه ,وبالتالي تنشأ عن هذه الحجة الرئيسية حجج فرعية وهي:
1- كيفية التجديد في شكل ومضمون الخطاب الديني لا هيكله(التركيز علي اهم محاور التغيير

2- وما هي اهم الوسائل والادوات التي يمكن بها التعامل مع الافراد لتقبل الخطاب؟
3- وما اهم الجوانب التي يتسني للافراد تفهمها ايجابيا وازالة الغموض واللبس عند البعض ؟
4- كيف يمكن لهؤلاء الافراد التطبيق السليم لافكار الخطاب الديني وتعليمها للاخرين وتحقيق التعاون والنهوض بالمجتمع ؟
5- اخيرا ما اهم معايير تقييم فعالية الخطاب الديني وجدواه وتطوره مع ظروف المجتمع واحوال الافراد ؟
ونظرا لان هذا الموضوع يهم المسلمين كافة ولاختلاف وتباين وجهات النظر والانتقادات تبعا للمستوي العلمي عند الافراد فسنجد اقتراحات عديدة حول هذا الموضوع الا وهو تجديد الخطاب الديني لذلك فأنه بحق قضية خلافية نتعرض لاهم اطرافها وأراءهم والانتقادات الخاصة بكل منهم ,وكذلك شكل المعالجة وفي نهاية المطاف نتوصل الي اهم نتائج التحليل النقدي لجوانب هذه القضية وحججها الرئيسية والفرعية كما تم ذكره سالفا
اولا : كيفية التجديد في شكل ومضمون الخطاب الديني لا هيكله(التركيز علي اهم محاور التغيير

حول هذا الحجة نجد اراء واقتراحات كثيرة منها دكتور في مقالة1 بعنوان "كلمة حق أريد بها باطل"


" يري ان تجديد الخطاب الديني مسألة تعلق بها أصناف من غير الإسلاميين طويلاً، ودندنوا حولها كثيراً، وهي في رأيه -بالنسبة لهؤلاء- كلمة حق أريد بها باطل، إذ يريدون من تجديد الخطاب الديني مضمون الخطاب ومحتواه لا هيكله، ويريدون التخفف من تكاليف الشرع المطهر تحت هذا العنوان البرّاق الجذّاب، ويريدون -فيما يريدون- أن يأخذوا بالشاذ من الأقوال المنسوبة إلى العلماء، وبالضعيف من المفهوم والاستنباطات، ويجعلوها هي المعتمد لا لشيء إلا لأنها توافق هواهم وما يرتضونه من طرائق العيش، هذا وقد خبرنا عدداً من هؤلاء فوجدنا دينهم رقيقاً، وأفكارهم مشوشة مضطربة.

ويعلل ذلك بوصفه ان نفر من الصالحين انخدعوا بدعواهم وارتضوا شيئاً من طريقتهم، فصاروا يرددون عبارات التجديد في الخطاب الديني دون وعي كامل بخطورة ما يقولون، ولا بما تجرّه من عواقب، وتعدّوا القول إلى التنفيذ، إذ رأينا نفراً ممن نؤمل منهم الخير والصلاح -وهم كذلك إن شاء الله تعالى- تساهلوا في عرض العورات، واستضافة الكاسيات العاريات في برامجهم بدعوى إتاحة الفرصة للرأي الآخر وللمناقشة الحرة، ورأينا برامج فضائية تربوية -أو هكذا يزعم القائمون عليها- يتصدر فيها لمناقشة مسائل مهمة من تربية الأولاد نساء غير ملتزمات بالحجاب، وأفكارهن فيها عوج ظاهر وميل واضح عن جادة الشريعة، ورأينا بعض المجلات الإسلامية التي جددت خطابها -فيما يزعمون- تتساهل في إظهار صور النساء على صفحاتها، وبعضهن جميلات فاتنات، بدعوى أنهن محجبات !! ويظهرون المرأة وهي ضاحكة أو مبتسمة، وربما ظهر شيء من شعرها وزينتها.
وبالتالي يستنكر هذا التجديد مناديا فيا عباد الله أي تجديد هذا؟!

وهل يقول فقيه واحد -ممن يقول بجواز كشف الوجه- بجواز ظهور المرأة على صفحات المجلات وهي ضاحكة تثير الغرائز، وتلوي أعناق الشباب، وتفتن المراهقين بحجة أنها غطت شعر رأسها؟!

هذا ولم تكتف المرأة بذلك بل غطت رأسها بغطاء جميل ملون ولبست (بلوزة) جميلة وأرسلت لضحكتها العنان بعد ذلك، فهل هذه حجاب؟!

وعلي حد تعبيره إن الحجاب شرع لستر مفاتن المرأة فهل حقق هذا الذي يسمونه حجاباً هذا المقصد الشرعي الذي لا خلاف عليه بين جمهور الفقهاء ؟! إن هذا ليس بتجديد بل هو فتنة واستدراج وكيد من الشيطان اللعين وحزبه المضلين.

وأيضاً سوّل الشيطان لنفر من المشايخ الأخذ بالأقوال الضعيفة والرخص المرذولة المتروكة فظهرت فتاوى عجيبة غريبة، رحّب بها دعاة التجديد في الخطاب الديني -أو إذا أردنا الدقة دعاة تجديد الدين نفسه وتكاليفه- وطنطنوا بها وملأوا الدنيا ضجيجاً حولها، وقرأنا كتابات صحفية كتبها كتّاب مشهورون ومغمورون، كلها تنادي بالتجديد والعصرنة والعقلنة للخطاب الديني، وكلها دعاوى إذا مُحّصت واختصرت يظهر منها أن القوم لا يفهمون الفارق الكبير بين تجديد الخطاب والتفلّت من التكاليف الشرعية كلها أو بعضها.

ويقترح إننا مطالبون دوماً بمسايرة العصر في طرائق العرض والجذب لأكبر عدد ممكن من الناس؛ لكن ليس على حساب شرعنا المطهر، ويمكن الجمع -لمن تحقق له التقوى والورع- بين جمال العرض وصحة المضمون.
انتقادات المقال :
وردا علي الدكتور يري الاستاذ وائل ان دعات العلامانية ونبذ الاخلاق يعرضون الخلافات الفقهية على ان هناك عدم ثبات للقاعدة الدنية واختلاف الفتوى حسب حاجات المفتى له واصبحت قواعدنا واحكمنا الشرعية فضفاضة وقابلة لاتساع اى شئ كانكار الحجاب لمضيفة الطيران اثناء الرحلة وذلك للضرورة واذيعت هذة الافتائات فان الضرورة ستقتضى الكثير من المخالفات الشرعية والتى ستذاع ايضا وسوف يروج لها.., واخر يري ان المقال يفتقد إلى رؤية واظحة حول هذا الموضوع الشائك.فكاتب المقال لم يذكر تصوره لكيفية التجديد و من يجدد أم نكتفي بنقد دعاة التجديد من الإسلاميين ذوي النيات الصادقة,واخر مع المقال تجديد الخطاب الديني اذا كان هذا الخطاب لايستهدف جوهر النصوص الشرعيه انما يعمل في منطقة الفراغ التي لم يرد فيه نص قطعي في الحرمه او الحليه وانما يكون الخطاب متوازيا مع تطور البشريه ولايخدش جوهر النصوص القطعيه ,ومن جانبنا نري ان مهاجمة رجال الدين الي هذا الحد كما جاء في المقال امر غير واقعي اطلاقا فالمسلمين كافة علي دراية لا بأس بها بهوية الاسلام ومبادئها ولكن نحتاج_المسلمون_الي وصفة سلسة لترسيخها ولا يعقل ان رجلا دينيا مشكوك في ايمانه او ان يكون مأجورا او متأثر بمنهاج معين يتعارض مع الشرع
وفي قرأءة 2لللدكتور محمد بن شاكر الشريف بعنوان تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف يوضح الكاتب معنى التجديد السائغ شرعاً؛ انطلاقاً من التعريف اللغوي واستناداً للحديث النبوي الشريف: «إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».
وقد اوضح انهناك ثلاث دوائر كبرى تمثل حدود التجديد المشروع، وهي:
1 - نشر العلم بين الناس، وإظهار الشرائع التي خفيت في المجالات الشرعية المختلفة بفعل الجهل الذي خيّم على كثير من مجتمعات المسلمين، أو بفعل التأويل الفاسد الذي أضاع كثيراً من دلالات النصوص، ويكون التجديد في هذه الحالة: هو إظهار ما طُمِس، وإحياء ما اندرس.
2 - إزالة كل ما علق بالدين مما ليس منه من أخطاء، أو بدع، أو تصورات وقعت في سلوك بعض الناس، أو أقوالهم، أو عقائدهم، وردُّ الأمر إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيكون التجديد في هذه الحالة: هو إزالة ما زيد في الشريعة أو أضيف إليها.
3 - التمسك بما ورد في الشرع كله، والتقيد به والعمل على وَفْقِه، وعدم ترك جزء منه أو إهماله، فيكون التجديد في هذه الحالة: هو إعادة ما نُزِع أو نقص، ومن أهم تلك الأمور في عصرنا الحاضر إعادة التحاكم إلى الدين (الذي نُحِّيَ وأُبعد عن الغالبية العظمى من ديار المسلمين)؛ ليكون الحكم في شؤوننا كلها بما أنزل الله. ويدخل في هذه الدائرة أيضاً البحث في النصوص الشرعية وأدلة الشريعة الإجمالية، والقواعد الفقهية للتوصل إلى الأحكام الشرعية للنوازل والمستجدات..». وقد أشار إلى فوائد تجديد فهم الدين فقال: «وتجديد الدين - على ما تقدم توضيحه وبيانه - له فوائد عظيمة؛ إذ يكون طريقاً إلى حفظ الدين على صورته النقية بعيداً عن البدع التي أُضيفت إليه، أو الأقوال الباطلة التي نُسبت إليه، كما أنه يؤدي إلى تآلف القلوب واجتماع الكلمة ووحدة الأمة؛ إذ لا مجال ولا مسوّغ للتفرق والاختلاف عند العودة إلى المنابع والأصول».واشار إلى اتجاهين في المراد بالدعوة إلى تجديد الخطاب الديني:
«الأول: وهو الذي ينادي بفريق ، وهؤلاء قلة، وصوتهم يكاد أن لا يُسمع من الصخب والجلبة التي يثيرها الفريق الآخر، وهؤلاء غالبيتهم من أهل الاختصاص في العلوم الشرعية: كبعض المفتين، ووزراء الأوقاف، وأساتذة العلوم الشرعية في الجامعات، وبعض الدعاة وطلبة العلم، وإن كان بعض هؤلاء لم يخلُ خطابهم وحديثهم من بعض الشوائب التي كدَّرت صَفْوَ كلامهم؛ وذلك بفعل الصياح الذي يكاد يصم الآذان من الفريق الآخر.
الثاني: وهو الذي ينادي بالتجديد، لكنه يفهم التجديد على أنه التغيير أو التطوير؛ أي تغيير الخطاب الديني: المحتوى والمضمون، وليس الطريقة أو الأسلوب؛ ليجاري التغيرات السريعة في واقع المجتمعات داخلياً، وفي العلاقات بين الدول خارجياً؛ بحيث تصير قضية الخطاب الديني: هي إقرار هذا الواقع وتسويغه وتسويقه،والتجاوب معه كلما تغير».
ثانيا: اما بالنسبة للوسائل التي يمكن بها التعامل مع الافراد لتقبل الخطاب: فمن ذلك: تعليم الناس دينهم، ومنه: تعليم الناس السنن، ونفي الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: تمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها، ومنه: إظهار كل سنَّة وإماتة كل بدعة، ومنه: إظهار السنة وإخفاء البدعة، ومنه: إحياء ما اندرس من العمل بالكتاب والسنة والأمر بمقتضاهما، وإماتة ما ظهر من البدع المحدثات، ومنه: تبيين السنَّة من البدعة، وتكثير العلم وإعزاز أهله، وقمع البدعة وكسر أهلها، ومنه: إحياء السنن ونشرها ونصرها، وإماتة البدع ومحدثات الأمور ومحوها وكسر أهلها باللسان، أو تصنيف الكتب والتدريس، وكل هذه الأقوال تدور على معنى حفظ الدين على النحو الذي بلَّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالتجديد مطلوب بضوابطه الشرعية، وبالنسبة للقائم بالتجديد، هناك صفات يلزم توافرها في القائم بالتجديد نفسه منها: أ - أن يكون من أهل هذا الدين المؤمنين به على النحو الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ب - أن يكون من المتفقهين فيه المتمسكين به في أقوالهم وأفعالهم، لا يظهر منه تهاون فيه أو خروج عليه،أو تساهل وتفريط فيما دل عليه.
ت - أن يكون خبيراً بواقع الأمة عارفاً بعللها، وأن يكون محيطاً بالأحوال العالمية من حوله والتي لها علاقة بأمته؛ فإنه لا يتحرك في فضاء.
وأنى للخطيب أن يفيد إن لم يراعِ مقتضى الحال، فلكل مقام مقال، فيجدر به مواكبة الأحدث، ومسايرة الوقائع، وملاءمة موضوع الخطبة للأحداث الجارية، والملابسات الواقعة، فالكلام في حال الأمن، يختلف عنه في حال القلق، واختلاف الظروف وتقلبات الأحوال تتطلب من الخطيب أن يكون فطناً مسايراً لما يحدث حوله، وأن لا يكون في وادٍ، وحال المجتمع ف ي وادٍ آخر، إن خطبة الجمعة من شعائر الإسلام الكبرى، ومعانيها ينبغي أن تنساب إلى النفوس في تلك اللحظات الإيمانية، وموضوعاتها يجدر أن تهدف إلى تحقيق الأغراض الآتية( ):
1- الوعظ والتذكير بالله تعالى، وبحسابه وجزائه في الآخرة، وبالمعاني الربانية، التي تحيا بها القلوب، وتعود إلى خالقها.
2- تفقيه المسلمين وتعليمهم حقائق دينهم من الكتاب والسنة، مع العناية بسلامة العقيدة والعبادة والأخلاق والآداب.
3- تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام، ورد الشبهات والأباطيل التي يثيرها خصومه لبلبلة الأذهان، بأسلوب مقنع حكيم، بعيد عن المهاترة والسباب، ومواجهة الأفكار الهدامة والمضللة، بتقديم الإسلام الصحيح، وإبراز خصائصه من السماحة والشمول والتوازن والعمق والإيجابية.
4- ربط الخطبة بأحداث المجتمع، وبالواقع الذي يعيشه الناس، والتركيز على علاج أمراض المجتمع، وتقديم الحلول لمشكلاته.
5- تثبيت معنى الأخوة الإسلامية، ومقاومة النزعات والعصبيات العنصرية والإقليمية والمذهبية، المفرقة للأمة، المشتتة لشملها، والمثيرة للأحقاد والبغضاء.
ولا بد من مراعاة الوسائل الناجعة لقيام المسجد برسالته العظمى،وذلك بمراعاة الآتي:
أولاً: إعداد الإمام والخطيب الصالح، حتى يكون قدوة حسنة ومثالاً يحتذي به الآخرون، بحيث يكون ملتزماً بالحكمة والموعظة الحسنة، ويسير على المنهج الوسط، بعيداً على الغلو والتقصير، والإفراط والتفريط، متحلياً بالإخلاص والصدق والأمانة.
ثانياً: أن يكون الخطيب واعياً لما يدور حوله من أحداث، عارفاً بالمذاهب الفكرية، وملماً بالقضايا العصرية، التي تشغل أفراد المجتمع، قادراً على فهمها والإعداد للحديث عنها، وإيضاحها للناس، ورد الباطل منها، وكشف زيف الأفكار المضللة المخالفة للمنهج الإسلامي القويم.
ثالثاً: أن يقوم الإمام والخطيب بأداء رسالة المسجد الضافية، بحيث يعمل على تبصير أهل الحي، وتثقيفهم وتربيتهم التربية ال إسلامية الصحيحة، وتوجيههم للالتزام بآداب الإسلام الفاضلة، وأخلاقه الحميدة، وغرس المعاني الإيمانية في نفوسهم.
رابعاً: استثمار الخطيب لخطبة الجمعة، بعرض الموضوعات المهمة، وطرح المسائل التي تمس المجتمع بأسره، ويتعلق بها مصيره، كالالتفاف حول ولاة الأمر وطاعتهم، والثقة بعلماء الأمة، والتحذير من الخروج على الجماعة.
خامساً: على الخطيب أن يذكّر أفراد المجتمع بين الحين والآخر، بأهمية وحدة المجتمع، وتماسكه وترابطه، وبيان الآثار الإيجابية الناتجة عن التآلف والتقارب، وأنها طريق رقي المجتمع وازدهاره، وترسيخ أمنه واستقراره، وإيضاح العواقب الوخيمة للفرقة والتنافر، وأنها سبيل تمزق المجتمع وانقسامه، فالأخوة الصادقة مفتاح كل خير ومغلاق كل شر، وصمَّام الأمان.
سادساًً: ضرورة إبراز أهمية الأمن في حياة الأفراد والمجتمعات، وأنه مطلب مهم وضروري لاستقرار الحياة الاجتماعية، وأساس في سعادة الإنسان، إذ لا تستقيم حياته إذا فقد الأمن، ولا يهنأ بالعيش وراحة البال إذا عدم الطمأنينة والاستقرار.
سابعاًً: أن يعمل إمام المسجد على تلمس حاجات أفراد الحي، والنظر في مشكلاتهم، والتعرف عليها، وعرض الحلول المناسبة لها والتوفيق بين المتناز عين،والمصالحة بينهم، ودفع كل الأسباب المؤدية إلى إيجاد الخلاف والفرقة.
ثامناًً: حث أفراد المجتمع على الاستقامة على منهج الله تعالى، ولزوم جادة الصواب، والتحذير من الانحراف عن الصراط المستقيم، وأهمية الاستقامة السلوكية، وبيان مساوئ الانحراف والتنفير من الإقدام على الجريمة،وإيضاح العواقب الوخيمة المترتبة على البعد عن المنهج السوي.3
ثالثا: الجوانب التي يتسني للافراد تفهمها ايجابيا وازالة الغموض واللبس عند البعض ؟
المساواة وترسيخ الأمن في النفوس
يؤدي المسجد درواً مهماً في تهذيب النفوس، وتنقيتها من شوائب الحقد والضغينة، المؤدية إلى التشتت والافتراق، والمثيرة للنزاع والانقسام والشقاق، إذ يغرس في نفوس الأفراد السلو ك الصحيح لتنمية الشعور بأن الجميع أسرة واحدة، تجمعهم رابطة الإسلام، وتضمهم وشيجة الإيمان، وذلك من خلال المساواة التي هي من أبرز القيم التي أصّلها الإسلام في النفوس، والمنبثقة من وحدة الأصل الإنساني.
فقد أعطى الإسلام اهتماماً خاصاً لقيمة المساواة، وجلاَّها في أروع صورِها بين أفراده وهم يمارسون عباداتهم، وظهرت واضحة جلية مطبقة بين المصلين في المساجد.
فالإسلام منذ بزوغ فجره قضى على جميع الفوارق المصطنعة، وأزاح نظرة الاستعلاء التي كانت سائدةً في الحياة الاجتماعية الجاهلية.
فحين تنطلق من مآذن المسجد كلمة التوحيد مدوية في كل اتجاه، يستجيب المؤمنون لنداء الحق، ويلبون دعوة خالق الخلق فإذا تكاملت أعدادهم، والتأمت جموعهم، أعلن المؤذن إقامة الصلاة، فانتظمت جموع المصلين صفوفاً متراصة خلف إمامهم، لا يمتاز شخص على آخر، بل تذوب كل الفوارق، وتزول جميع الحواجز، يضمهم الصف متجاورين، مهما تباينت أحوالهم المادية، ومستوياتهم الثقافية، وحالاتهم الاجتماعية، لا يجد أحدهم غضاضةً أن يقف بجانب أخيه، المأمور بجانب الأمير، والغني إلى جوار الفقير، والأبيض ملاصق للأسود، والتاجر مجاور للعامل، والمثقف مساوٍ للأمي، جميعهم في صفٍ واحد، لا تفاضل في مواقفهم، ولا تمايز في أفعالهم، لا يتقدم واحد بالركوع قبل إمامه حتى يركع، ولا يسجد حتى يسجد، ولا يزيد فعلاً، ولا ينصرف من صلاته قبل انصراف إمامه.
عبادة تتجلى فيها المساواة، وتبرز الوحدة بأسمى صورها، وأجل معانيها، فتعمق في نفوس المصلين انتماءهم إلى أصل واحد، وأنهم أمة نبعت من منبع واحد.
إن هذا المنظر البديع للمصلين، وتلك الصورة الفريدة، لا تتكرر عند غير المسلمين، ولذلك أبهرت المساواة الباحثين من المنصفين الغربيين، الذين عَبَّروا عن إعجابهم بالمعاني الفاضلة، والقيم السامية التي تظهر من خلال أداء الصلاة، والدور الفاعل لها في جمع كلمة المسلمين، وتوحيد صفوفهم.
تقول الكاتبة الإنجليزية ساروجيني ناديو في كتاب (محاضرات ومقالات):
إن الدين الإسلامي كان الدين الأول الذي دعا إلى الديمقراطية، وعمل بمبادئها، فلا يرتفع صوت الأذان من منارة مسجد، إلا ويأتي من يريد أن يعبد الله، فيجتمعون في صف واحد خمس مرات في اليوم، ويركعون لله على صوت التكبير، وتتجلى المساواة الإسلامية في أروع أشكالها، إنني شعرت مرة بعد مرة، بأن الإسلام بقوة الوحدة العملية يجمع أفراداً مختلفين من بني آدم، في سلك واحد من الأخوة( ).
ويعترف أحدهم بعظمة الإسلام في إقرار مبدأ المساواة، وتطبيقها عملياً في المجتمع، وأنها ذات أثر كبير في انحسار العدوان، وإزالة الشقاق، وإزاحة الخصام.
يقول المستشرق الإنجليزي روسكين جب، في كتابه (تجاه الإسلام):
لم يحرز مجتمع من المجتمعات البشرية نجاحاً مثل ما أحرزه الإسلام في إقرار المساواة بين الأجيال المختلفة، بصرف النظر عن الطبقات البشرية، وتنوع الفرص وإمكانية العمل، لقد تجلَّت من أوضاع الجالية الإسلامية في عدد من البلدان قدرة الإسلام على إذابة الاختلافات في الأجيال والتقاليد، التي لا تزول على مر القرون، وعلى مدار التاريخ، فإذا كانلا بد من إحلال عاطفة التعاون مكان الصراع والخصومة بين مجتمعي الشرق والغرب الكبيرين، فلا بد في ذلك من الاستعانة بالإسلام والاعتماد عليه في تحقيق هذا المطلوب( ).
إذاً فالمسجد يؤكد المبدأ القويم الذي قرره الإسلام من المساواة بين جميع أفراده، ويؤكد الحقيقة الناصعة من تساوي الناس كلهم أمام خالقٍ واحد، فالكل له عبيد، لا تفاضل بينهم إلا بتقواه، وشدة الخوف منه ورجواه، وهي دعوة إلى نبذ الاستعلاء، وتنقية الصدور من الكبرياء، وتصفيتها من الحنق والشحناء، فجميع الفوارق تتها وى، وسائر الفواصل تتساقط، وتبقى التقوى الميزة الفريدة التي تسمو بها النفوس وتتسامى.
ووقف رسول الله ‘ أمام الجموع الغفيرة في حجة الوداع ليعلن المساواة ويؤكد عليها، فقال عليه الصلاة والسلام: إنَّ ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى( ).
إن المساواة تتكرر في المسجد كل يوم خمس مرات، حتى تترسَّخَ في نفوس المصلين ولا تُنسى، ولتتضاءل في أحاسيسهم كل الفوارق الزائفة، المؤدية إلى تفتيت المجتمع، والنخر في جسد الأمة، وإيغار النفوس، وتمزيق الصفوف، وليزول من المجتمع كل ما يؤدي إلى الضعف والوهن، وتبطل كل نعرة مقيتة تتسلل وتندس بين صفوفه، ويحل محلها المحبة والوئام، والتآلف والانسجام، حتى يبقى المجتمع قوياً آمناً، رصيناً متماسكاً، بعيداً عن كل ما يثير العداوة والشحناء، أو يسبب القطيعة والبغضاء.4
رابعا: كيف يمكن لهؤلاء الافراد التطبيق السليم لافكار الخطاب الديني وتعليمها للاخرين وتحقيق التعاون والنهوض بالمجتمع ؟
1-وحدة المجتمع وتماسكه
تهدف تعاليم الإسلام إلى بناء مجتمع متماسك، تقوم علاقات أفراده على المودة والالتئام، والمحبة والانسجام، وتنحسر فيه دواعي الفرقة والشتات، والتمزق والاختلاف، والشحناء والعداوة، فوحدةُ المجتمع المسلم لا يقاس بها وحدةُ أي مجتمع آخر، فرابطة الإيمان تجمع بين أفراده، على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، وهي أشرف الروابط وأوثقها، وأفضل الوشائج وأكرمها، وقد أكدت النصوص الشرعية أهمية الالتزام بمضامين الروابط الإيمانية، وحذرت من الانقسام والتنازع، فالإسلام يجمع ولا يفرق، ويؤلف ولا ينفر، ويقرب ولا يباعد، فالاجتماع قوة ومنعة، والافتراق ضعف وَخَوَرٌ وفتنة.
لقد أقام الإسلام المجتمع المدني على أساس المحبة والتواصل، والتعاون والتكافل، وألفَّ رسول الله ‘ بين فئات المجتمع المدني كلها، وقارب بينها، وأبعد عنها أسباب الفرقة والتمزق، وما يثير الخلاف والنعرات في أوساطه، وأوضح سمو علاقة المسلم بأخيه، والتي ترتكز على الود والتآلف، وتحمل الأخط اء والزلات، والصفح عن المثالب والهفوات، وذلك من أهم وسائل تعميق الأمن في النفوس، وترسيخه في المجتمع.
إن الإسلام يؤكد مبدأ القوة والترابط بين أفراد المجتمع، وتحقيق معاني الأخوة الإيمانية،
وعندها يشعر الجميع بوحدة الأمة، وترابط مصالحها، وتلك ركيزة عظمى في توفير الأمن للمجتمع، إذ يدرك كلُّ فرد مسؤوليته، ويقوم بواجبه، فتسهر الجماعة على راحة الفرد، ويقوم الفرد بخدمة الجماعة، فيتكاتف الجميع، ويعلمون على احترام أنظمة مجتمعهم، والتزام بتعاليمه، واحترام حقوق الآخرين، ويتعاون الجميع على مكافحة الفساد، وحماية المجتمع من الجريمة، ومكافحة دواعيها، ووقايته من كل ما يؤدي إلى زرع بذور الشر والفتنة، وسَدّ المنافذ التي قد يتسلل منها الأشرار والمفسدون، والبغاة والمرجفون.
والمجتمع المسلم يعتمد في بناء أفراده على قوة الرابطة التي أسسها الإسلام منذ بزوغ فجره، والمتأمل لحقيقة تلك الرابطة يتضح له أن العقيدة تحرم الأذى والعدوان، وتمنع الظلم والبغي والإجرام، وتحفظ الحقوق، بحيث يجد المسلم نفسه أمام حدودٍ يجب التوقف عندها، وعدم تجاوزها، ويردعه وازعه الديني عن الوقوع في شيء مما منع منه، ويحس بشعور قوي يربطه بأفراد مجتمعه، ويحجزه من التعدي عليهم، ويدفع به إلى الترابط والتماسك معه.
وخطيب الجامع، وإمام المسجد، عليه أن يعنى بترسيخ معنى الوحدة في نفوس المصلين، وتعميق أواصر المحبة بينهم، ويذكرهم بأن الإسلام اعتمد الأخوة دعامةً لوحدة المجتمع، وركيزة للترابط بين أفراده، فلا يسمح الإسلام بقيام أحزاب أو تجمعات من شأنها تمزيق وحدة المجتمع، وتبديد قوته، وتفريق كلمته، أو بروز خلافات ينتج عنها التناحر، أو تسفر عن القطيعة والتناحر، فذلك شرٌّ عظيم، وخطر جسيم، ينتج عنه الكثير من الأحداث المروعة، والمآسي المفجعة، ويزعزع أمن المجتمع، ويؤدي إلى قلقه واضطرابه، وإن مسارعة الخطيب أو الإمام إلى إزالة أي خلاف قد تظهر بوادره من أبرز ما يجب أن يضطلع به، فيبادر إلى الإصلاح بين الناس في خصوماتهم، وإزالة خلافاتهم، وتوطيد علاقاتهم الأخوية، وترسيخ دواعي الألفة والانسجام، لأن ذلك من أقوى دعائم ترسيخ أمن المجتمع، وضمان الاطمئنان والحياة السعيدة، وعليه أن يذكرهم بأنهم وحدة قائمة، متشابكة متآلفة، كل عضو منه يعمل في سبيل مصلحة الجميع، على نحو قول المصطفى ‘: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد ال واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى( ).
2- التكافل الاجتماعي
تتبوأ العلاقات الاجتماعية في الإسلام مكانة عظيمة، ومركزاً متقدماً واهتماماً واسعاً، لتحقيق معاني التكافل الاجتماعي، ومبادئ الترابط الأخوي، ودعم أجواء الأمن والسلامة، وصيانة المجتمع المسلم من أخطار التعسف والنزاع، ودواعي الأنانية وحب الذات.
لقد قرر الإسلام التكافل بمجالاته المتعددة، المعنوية والمادية، لإيجاد مجتمع فاضل متعاون، فالأفراد، فيه ليسوا على نسق واحد في الفهم والمستوى المعيشي، بل يتفاوتون في أحوالهم وأوضاعهم، فيحتاجون إلى تنظيم دقيق يضبط أحوالهم، ويرعى شؤونهم، ويحقق التوازن والانسجام بين مختلف الفئات، حتى يشعر كل فرد بعضويته الكاملة في المجتمع، ويشارك في واجباته وينهض بأعبائه، ليتحول المجتمع كله إلى أسرة واحدة، إخاء ومودة، وتعاون ورحمة، ومناصرة وقوة، كما قال ‘: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً( ).
ويمكن لإمام المسجد وخطيبه أن يقوم بدورٍ حيوي لتحقيق تلك المعاني، من خلال حثّه المصلين على القيام بتوطيد العلاقة بينهم، و تجسيد نظام التكافل الاجتماعي، وشعور كل مسلم بمسؤوليته نحو مجتمعه، فيعمل كل فرد على تعميق معاني الأخوة الإيمانية، بتبادل مشاعر المحبة والود، وتصفية النفوس من الشحناء، وتنقيتها من العداوة والبغضاء، وسعي كل عضو لدفع مظاهر السخرية والاحتقار، والعم ل على فك الضائقات وتفريج الكربات، بالبذل والإنفاق، وتفقد المحتاجين من أبناء الحي والتبرع لهم، والعطف على المعوزين والمعدمين، والنظر في أحوال المرضى والمعاقين، والرحمة بهم، ومدّ يد العون لأولئك الذين عضتهم أنياب الفقر، وأصابتهم الفاقة، والعناية بمن يحتاجون إلى رعاية مادية ومعنوية.
كما أن إمام المسجد يستطيع –بما يحظى به من ثقة- أن يستقطب الأثرياء وذوي اليسار من أبناء الحي، ليكونوا مصدر تمويلٍ لإخوانهم المحتاجين، للتخفيف من معاناتهم، ومساعدتهم بما أنعم الله عليهم من المال، وسدّ حاجات الفقراء، وبسط أيديهم للإنفاق على العجزة والأيامى، والمكلومين واليتامى، والعاجزين عن التكسب والعمل، والتخفيف من آلامهم، كلُّ ذلك من أجل إقامة جسور من الرحمة والرأفة مع أفراد المجتمع، الذين أدت بهم الظروف المعيشية إلى الوصول إلى هذه الحالة، وإشباعهم وإكفائهم وانتشالهم من مذلة السؤال ومهانته.
إن التكافل الاجتماعي حين يطبق بين أفراد المجتمع، تبرز آثاره التربوية النافعة، في معالجة النفوس، وإصلاح القلوب، وتهذيب السلوك والطباع، والإحساس بالشعور الأخوي بين الجميع، وترسيخ التآلف والتعايش الودي الآمن، والمعالجة العملية لحالات من الفقر والحرمان، والعجز والإعسار.
إنَّ العناية بالتكافل الاجتماعي، وتطبيقه عملياً، يحفظ المجتمع وينقذه من لجوء البعض إلى طريق الإجرام، والوقوع في مزالق الانحراف، ومحاضن الرذيلة، وسلوك السبل الملتوية للوصول إلى تحقيق الهدف، مما يؤدي إلى خلخلة أمن المجتمع، وتفككه واضطرابه، وارتفاع نسبة الجريمة، فالتكافل الاجتماعي له دور مهم وفعال في انضباط الأفراد، وتحقيق الأمن الاجتماعي، وترسيخ الاستقرار والاطمئنان، وغرس القيم الإيمانية بين جميع فئات المجتمع، وهي القيم التي تحفظ على المجتمع أمنه وسلامه، وتبث فيه روح الإخاء، وتبعده عن الاستغلال والعدوان، وتنقي النفوس من الأحقاد والعداوات.
3-العلاقة مع غير المسلمين
يقوم المجتمع الإسلامي على عقيدة واضحة، وأحكام ثابتة، تنبثق منها قواعده ونظمه، وآدابه وقيمه، فقد اعتمد الإسلام منهجاً ودستور حياة، ومصدراً لأحكامه وتشريعاته، وحرص على تقوية الوحدة الاجتماعية داخل الوطن الواحد، وأكد على ضرورة تماسكها، دون إثارة حساسات، أو افتعال خلافات.
ومن سمات المجتمع الإسلامي إقراره للتعايش وفق منهجه السمح في تعامله مع المخالفين، والمسالمة مع المسالمين، وقد أولى رسول الله ‘ هذا الجانب عناية فائقة، وجعله من أولى اهتماماته عند تأسيسه الدولة الإسلامية الأولى في المدينة، ليقيم نظاماً أمنياً مشتركاً مع الفئات الأخرى، حيث اعتبر توفير الأمن من أهم المطالب، ولم يكن المجتمع -إذ ذاك- مقصوراً على المسلمين فحسب، بل ضمَّ فئات مختلفة من أصحاب الديانات الأخرى، لذلك وضع الإسلام قواعد وأحكاماً تنظم علاقة المسلمين معهم، وتبرز التعايش بينهم وبين المسلمين في المجتمعات الإسلامية على مر العصور، وفي مختلف الأزمان.
لقد قرر الإسلام التعايش الاجتماعي الآمن من المخالفين والمسالمين المقيمين في كنف الدولة الإسلامية، وأباح أكل طعامهم، وأحَلَّ ذبائحهم، وجَوَّزَ مصاهرتهم،
وأوصى رسول الله ‘، بحفظ حقوق أهل الكتاب، ورعايتها، وصيانة دمائهم وأموالهم، وعدم الاعتداء عليهم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ‘: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً( ).
وهذا يظهر روح الإسلام السمحة، وعدالته القائمة، وأنها مبذولة للبشرية كلها، لنشر الرحمة، وإشاعة الأجواء الآمنة وتوثيق العلاقات الإنسانية.
إن الإسلام لا يحكم بالفناء على جميع العناصر ال تي تعيش داخل مجتمعه ممن لا تدين به، بل يوطّد العلاقة بينها وبين المسلمين، ويحترم المواثيق، ويعنى بالعهود، ولا يقبل الغدر والخيانة.
وقرأت كلمة رائعة سطّرها الحافظ ابن الصلاح (ت 643ه‍(، تتصل بالتعامل مع غير المسلمين في المجتمع المسلم، قال رحمه الله:
((إن الأصل إبقاء الكفار وتقريرهم، لأن الله تعالى ما أراد إفناء الخلق، ولا خلقهم ليقتلوا، وإنما أبيح قتلهم لعارض ضرر وجد منهم، لا أنَّ ذلك جزاء على كفرهم، فإن دار الدنيا ليست دار جزاء، بل الجزاء في الآخرة، فإذا دخلوا في الذمة والتزموا أحكامنا، انتفعنا بهم في المعاش في الدنيا وعمارتها، فلم يبق لنا أرب في قتلهم، وحسابهم على الله تعالى، ولأنهم إذا مكنوا من المقام في دار لإسلام، ربما شاهدوا بدائع صنع الله في فطرته، وروائع حكمته في خلقه، وإذا كان الأمر بهذه المثابة لم يجز أن يقال: إن القتل أصلهم))( ).
إنَّ الخطيب عليه أن يبرز مِن على منبر المسجد، ويوضح للناس تلك القيم الإسلامية السامية، والمواقف الحكيمة والعادلة، في نظرة الإسلام إلى غير المسلمين في المجتمع المسلم، وأن وجود جماعات وطوائف عديدة متعايشة مع المسلمين دليل على التزام ظاهرة التسامح، وتجنب الفرقة والاضط هاد، وأن المجتمع الإسلامي لا يعرف النعرات، بل يحرص على إضفاء روح المودة، ونشر الأمن والاطمئنان، والتعايش مع الآخرين لإشاعة أجواء السلام والأمان، وتجنب الخصومات والمنازعات، والبعد عن إثارة الفتن والمنغصات، وما يعصف بأمن المجتمع واستقراره، أو بجلب الضرر لجميع فئاته، أو يزرع الأحقاد والعداوة في صفوفه.5
بالنسبة لشكل المعالجة فكما هو واضح خلال البحث الشكل السائد هو شكل الحوار
6- خامسا: اخيرا ما اهم معايير تقييم فعالية الخطاب الديني وجدواه وتطوره مع ظروف المجتمع واحوال الافراد ؟ ,وما اهم النتائج المتوصل اليها والرؤي النقدية ؟؟

ان الدين في عالمنا العربي، بالرغم من كل ما يقال عنه، قد تجذر في الحياة والفكر وتموضع جينيا في دماء الشعوب الإسلامية لدرجة أن السياسي غير المتدين إذا تمكن من السلطة وجد نفسه مضطرا للبس العباءة الدينية صادقا أو متملقا، ولا أدل على ذلك من أن إدارة بوش نفسها -غير المسلمة طبعا- تتمسح ببعض جوانب الدين الإسلامي المتسامح إقرارا منها بقوته ووجوده الذي لا يزاحم، رغم تفوقها العلمي والتكنولوجي.
وختاما لابد أن تتباين وجهات النظر بشأن تقييم الخطاب الديني لمحوريته في النزاعات كلها، ومن الطبيعي أن ينقسم المثقفون حوله ما بين المغالي في تضخيمه والجافي الذي يبخس الناس أشياءهم.
وستبقى أسئلة جوهرية كبرى تحتاج إلى مثل شجاعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه للبت فيها، بعيدا عن الجمود الفكري وأحادية الرأي، وعلى رأسها تحديد علاقاتنا ومصالحنا مع الحضارات والأمم الأخرى بعد سيادة العولمة الاقتصادية والانفجار السكاني والمجاعات على كوكبنا، وتقديم خطاب مقبول عالميا يوضح بجلاء طريقة تعايش المسلمين مع خصومهم المتفوقين عليهم تكنولوجيا واقتصاديا، وبالطبع تأتي في مقدمة تلك الأمم الولايات المتحدة الأميركية.6
ورأ اخر للدكتور محمد يحيي ان النظر الي الخطاب الديني كمصطلح منذ البداية يهدف في النهاية إلى إنهاء أو إسقاط هذا الخطاب ويتوسل إلى ذلك بمزيج من الإخفاء لمفهومه الحقيقي عن الخطاب ولحقيقة ممارسته للقوة بأشكالها المختلفة لكي يمرر هذا الهدف وذلك المفهوم.
والسر في هذا الإخفاء هو أن معظم الذين ألقيت دعوة الخطاب الديني أمامهم فهموها على أنها تعني الجانب اللغوي (اللهجة) والأسلوبي والشكلي دون أن ينتبهوا أن هذا الجانب في حد ذاته لا يمكن أن يتغير أو يتطور بشكل أو بآخر دون أن يؤثر هذا علي المضامين والأفكار. لكن هذا التمويه كان ضروريا أي التمويه بطرح مفهوم قاصر عن الخطاب لكي لا تثار حساسيات كثيرة عند أصحاب العقيدة الدينية.
ويبدو أن المطلب الآن بأن تجري المناقشة في وضوح ونزاهة وموضوعية وبدون التمكين المسبق لتيار (هو في الحقيقة رافض أو ناقض للخطاب الديني) دون إعطاء فرصة للتيار الآخر يحسم هذا النقاش قبل أن يبدأ.7

واستعرض شيخ الأزهر مقومات تجديد الخطاب الديني والتي تتمثل في: أولا: لا بد ان يكون الخطاب الديني نابعاً وزاخراً من كتاب الله عز وجل، ثانياً: يجب ان يكون الخطاب الديني قائما ومستمدا من السنة النبوية المطهرة، فالسنة شارحة ومفسرة لما جاء في القرآن الكريم، فالسنة والقرآن كلاهما من عند الله، إلا ان القرآن من عند الله بلفظه ومعناه، أما السنة فهي من عند الله بمعناها، أما ألفاظها بإلهام من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ثالثاً: أن يكون الخطاب الديني مواكباً للأحداث وهذا هو الذي يعبر عنه بالتجديد فيقوم الدعاة بمخاطبة الناس وحل مشكلاتهم وذلك عن طريق مواكبة الدعاة للمتغيرات والأحداث التي يمر بها المجتمع بأن يجدد الداعية المسلم المعلومات والأفكار وان ينوع الموعظة وان يعمل على اصلاح الفرد لان اصلاح الفرد فيه اصلاح للمجتمع، والاسلام دين عالج كل الاشياء فتراه يتحدث عن البيئة وكذا علاقة المسلمين بغير المسلمين وتنظيم الاستهلاك في المياه والطاقة، رابعاً: ان يكون الخطاب الديني قائماً على الصدق بعيداً عن الشبهات، خامساً: من مقومات الخطاب الديني المتوسط والاعتدال والتواضع حتى يكون له أثره في النفوس.
ومن جانبه أكد الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الاوقاف المصري ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية بالقاهرة ان التجديد أمر ضروري في كل شيء وتجديد الخطاب الديني بات أمراً ضرورياً لان تجديد فهم المسلمين للدين في ظل ظروف هذا العصر أمر محمود لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ان الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها».
وأضاف ان التجديد في الخطاب الديني ليس معناه تغيير الثوابت، فالتغيير والتجديد لا يكون إلا في المتغيرات لأن لكل عصر ظروفه ومستجداته.
وقال الوزير انه لا بد ان يبذل العلماء والدعاة جهداً متواصلاً للتوعية بحقائق الاسلام الصحيح للخروج بأمتهم من مأزق التخلف.8
وفي مهاية المطاف: نستنتج ان شكل المعالجة لهذه القضية هو الشكل الحواري الذي جمع اطراف عديدة بخصوص قضية هامة سياسية واجتماعية في ان واحد ,فلكل متحاور في هذه القضية وجهة نظر خاصة وله انتقادات وغيره وهكذا حتي الوصل الي حلول متباينة كلها تصلح لهذه القضية كما سبق شرحه,,واهم اطراف الحوار كانوا (للدكتور محمد موسى الشريف, محمد بن شاكر الشريف, عبد الكريم بن صنيتان العمري, شريف حافظ, د.محمد يحيي, شيخ الأزهر الشيخ محمد محمد أحمد الطيب وغيرهم ممن اختلفوا حول تناول و معالجة هذه الظاهرة "تجديد لخطاب الديني" حسب معرفة كل منهم)









قائمة المراجع:
1:
1-مقال مختصر بديع للدكتور محمد موسى الشريف
2:
2-قراءة في كتاب جديد
تجديد الخطاب الديني
بين التأصيل والتحريف
تأليف
محمد بن شاكر الشريف
:3,4,5
عبد الكريم بن صنيتان العمري
6:
6شريف حافظ -
أستاذ علوم سياسية
د.محمد يحيى:7
كتاب تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف,ص1-4,تاريخ العدد29/12/2009,دار النشر القاهرة ,مطبعة القاهرة ,طبعة اولي
شيخ الأزهر: تجديد الخطاب الديني لا يعني هدم الثوابت" في جريدة الشرق الاوسط بتاريخ " مقالة بعنوان
الجمعة 21 شعبان 1424 ه 17 اكتوبر 2003 العدد 9089


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.