بين النفي والإثبات، تتصارع الحكومة المصرية، متمثلة في وزارة الداخلية والخارجية، والهيئة العامة للاستعلامات، مع منظمة هيومن رايتس ووتش، حول نفي عمليات القتل الجماعي لمعتصمي رابعة العدوية، كما جاء بتقرير المنظمة الصادر قبل ساعات من ذكرى فض رابعة. البداية بإصدار منظمة هيومن رايتس ووتش، بيانا يتضمن التفاصيل الكاملة لعملية فض ميدان رابعة العدوية، بناء على رصد مجموعة من باحثي المنظمة، حيث شمل على ما قيل أنه رصد لقوات الأمن، وهي تطلق الذخيرة الحية على المتظاهرين، ما أسفر عن قتل المئات جراء إصابتهم في رؤوسهم وأعناقهم وصدورهم.. واستخدمت القوة المميتة دون تفرقة".
وأردف التقرير: فاض الكثير من ميادين مصر العامة وشوارعها بالدماء في أحيان كثيرة، ففي 3 يوليو/تموز قام الجيش بعزل محمد مرسي، أول رئيس مصري مدني منتخب، والعضو القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، في أعقاب احتجاجات شعبية هائلة ضد مرسي، طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة.
وعلى مدار الشهرين التاليين نظم مؤيدو الإخوان المسلمين اعتصامين كبيرين في القاهرة ومظاهرات أصغر حجماً في أنحاء مصر للتنديد باستيلاء الجيش على السلطة والمطالبة بعودة مرسي إلى الحكم. وفي معرض الرد قامت قوات الشرطة والجيش مراراً بفتح النيران على المتظاهرين، فقتلت أكثر من 1150 منهم، ومعظمهم في 5 وقائع منفصلة من القتل الجماعي للمتظاهرين.
ويشير تحقيق هيومن رايتس ووتش الذي استمر لمدة عام كامل في سلوك قوات الأمن عند استجابتها لهذه المظاهرات، إلى قيام قوات الجيش والشرطة، على نحو عمدي وممنهج، باستخدام القوة المميتة والمفرطة في عمليات حفظ الأمن، مما أدى إلى مقتل متظاهرين على نطاق لم يسبق له مثيل في مصر.
ويشتمل ما فحصناه من أدلة على تحقيقات في مواقع الأحداث بكل موقع من مواقع التظاهر، أثناء وقوع الاعتداءات على المتظاهرين أو بعدها مباشرة، وعلى مقابلات مع أكثر من 200 من الشهود وبينهم متظاهرون وأطباء وعاملون آخرون بالحقل الطبي وصحفيون ومحامون وسكان لمناطق الأحداث، وعلى مراجعة للأدلة المادية ولساعات من مقاطع الفيديو وتصريحات مسؤولين عموم، وعلى هذا الأساس تخلص هيومن رايتس ووتش، إلى أن عمليات القتل لم تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل إنها ترقى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، بالنظر إلى اتساع نطاقها وطبيعتها الممنهجة، وكذلك إلى الأدلة التي توحي بأن عمليات القتل كانت جزءاً من سياسة.
وتابع التقرير، في 14 أغسطس، وقعت أخطر وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين حين قامت قوات الأمن بسحق الاعتصام الكبير المؤيد لمرسي في منطقة رابعة العدوية بحي مدينة نصر شرقي القاهرة، قام أفراد الشرطة والجيش، باستخدام ناقلات الأفراد المدرعة، والجرافات، وقوات برية وقناصة، بالاعتداء على مخيم الاعتصام المرتجل حيث كان متظاهرون، وبينهم سيدات وأطفال، قد خيموا لما يزيد على 45 يوماً، وفتحوا النيران على المتظاهرين فقتلوا ما لا يقل عن 817 شخصا، وأكثر من ألف على الأرجح.
ووثق باحثو هيومن رايتس ووتش فض اعتصام رابعة ووجدوا أن قوات الأمن فتحت النيران على المتظاهرين، باستخدام الذخيرة الحية، فقتل المئات بالرصاص الموجه إلى رؤوسهم وأعناقهم وصدورهم.
ووجدت هيومن رايتس ووتش أيضاً أن قوات الأمن استخدمت القوة المميتة دون تمييز، إذ كان القناصة المتمركزون داخل ناقلات الأفراد وبجوارها يطلقون أسلحتهم على حشود كبيرة من المتظاهرين، وقال عشرات الشهود أيضاً إنهم شاهدوا قناصة يطلقون النيران من مروحيات فوق منطقة رابعة.
وسارعت الحكومة المصرية في إصدار بيان، ردًا على الإدعاءات الواردة بتقرير منظمة هيومن رايتس وواتش، قالت خلاله، لقد أطلعت الحكومة المصرية على التقرير الصادر يوم 12 أغسطس الجاري عن منظمةHuman Rights Watch والذي اتسم بالسلبية والتحيز في تناوله لأحداث العنف التي شهدتها مصر خلال العام 2013، وتجاهله للعمليات الإرهابية التى ارتكبها تنظيم الأخوان الإرهابي وأنصاره.
وقالت الحكومة المصرية، إنها لم تفاجأ بالتقرير في ضوء التوجهات المعروفة للمنظمة والنهج الذى دأبت علي إتباعه، وإنها ترفض التقرير وتنتقد عدم حياديته، حيث أبرز تواصل واستمرار التوجهات غير الموضوعية للمنظمة ضد مصر، وتعتبر أن ما أورده من توصيفات وسرد للوقائع التي حدثت خلال شهري يوليو وأغسطس 2013 يعكس بوضوح ليس فقط عدم مهنية كوادر المنظمة بالاعتماد على شهود مجهولين ومصادر غير محايدة وغير موثوق بها، بل تؤكد على انفصال واضعو التقرير تمامًا عن واقع المجتمع المصري وتوجهاته الفكرية والسياسية خلال السنوات الثلاث الماضية أخذًا فى الاعتبار عدم تمتع المنظمة بوضعية قانونية للعمل فى مصر وبالتالي فإن إجرائها لتحقيقات وجمع أدلة وإجراء مقابلات مع شهود على أحداث العنف دون أى سند قانوني يعد انتهاكا سافرا لمبدأ القانون الدولى المستقر بسيادة الدولة فوق أراضيها، خاصة بعد قرار المنظمة سحب طلبها إصدار التصريح اللازم لها للعمل في مصر كمنظمة أجنبية غير حكومية وفقا لأحكام قانون 84 لسنة 2002 ولائحته التنفيذية.
وأعلنت الحكومة أسفها لتغاضى التقرير عمدًا عن الإشارة إلى وقوع المئات من شهداء الشرطة والقوات المسلحة، والمدنيين من جراء أحداث العنف والإرهاب التي لا تزال مستمرة إلى الآن عن طريق هجمات وتفجيرات منسقة ومنظمة على يد من وصفهم التقرير ب"المتظاهرين السلميين".
وأوضحت أن التقرير أغفل أن أول من سقط خلال فض الاعتصام هو شهيد من الشرطة أُصيب بطلق من سلاح نارى، حيث كان مكلفُا بتوجيه المعتصمين عبر مكبر صوت للخروج الآمن من منطقة الاعتصام مما يجعل التقرير يفتقد إلى الموضوعية والمصداقية في سرد الأحداث، وتؤكد المطالعة الدقيقة للتقرير انحيازه لمزاعم ما يُسمى بتحالف دعم الشرعية وهو الواجهة الأخرى لتنظيم الإخوان الإرهابي.
وقالت الحكومة، إن المنظمة شكلت لجنة وطنية مستقلة برئاسة الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض، القاضى الدولى المعروف، لتجميع وتوثيق احداث العنف ليس فقط خلال عملية فض إعتصام رابعة والنهضة، وإنما أيضا فى أحداث العنف التى وقعت منذ 30 يونيو 2014، وتهدف اللجنة الى تجميع الأدلة لتحديد الانتهاكات لمحاسبة مرتكبيها، وعليه، فتأتى نتائج تقرير المنظمة وتوصياته استباقًا لنتائج عمل لجنة تقصى الحقائق الوطنية وانتهاكاً لمبدأ سيادة الدولة، وتدخلاً سافراً فى عمل جهات التحقيق والعدالة الأمر الذي ينال من استقلال ونزاهة القضاء المصرى.
وانتقدت الحكومة التقرير، مشيرة إلى أنه تجاهل فى الوقت ذاته الحقائق الواردة فى تقارير أخرى لمنظمات المجتمع المدنى المصرية بما في ذلك التقرير الصادر عن مركز ابن خلدون وكذا تقرير لجنة تقصى الحقائق التى شكلها المجلس القومى لحقوق الانسان، والتي تناولت الإجراءات التي اتُخذت من جانب السلطات المصرية بشكل موضوعى، وخاصة أن فض الاعتصامين قد تم بناءً على قرار من النيابة العامة، وبعد مناشدة ومنح المعتصمين فرصة للخروج الآمن وتوفير وسائل مواصلات لنقلهم خارج منطقة الاعتصام، والتزام كافة جهات إنفاذ القانون بالقواعد القانونية والمعايير الدولية والأخلاقية المتعارف عليها في فض مثل هذه الاعتصامات.
وأضافت: وأغفل التقرير أن الفض جاء بعد فشل كافة الجهود السياسية والشعبية في إقناع المعتصمين بالفض السلمي، حفاظاً على الأمن والنظام العام عقب تفاقم شكاوى واستياء السكان المقيمين بالمنطقة من اتخاذ المعتصمين لموقعي الاعتصام مُنطلقا لتنظيم المسيرات غير السلمية شكلت بؤرة إجرامية، الأمر الذي ترتب عليه ترويع الآمنين والاعتداء عليهم واستهداف المرافق الحيوية بما يمثل انتهاكاً للعديد من حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
من جانبه اعتبر مساعد وزير الداخلية اللواء أبو بكر عبد الكريم، تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية، صادر ضد الدولة المصرية بهدف إسقاطها"، واصفاً إياه ب"مسيس ويفتقد للمهنية والموضوعية"، لا سيما أن "مصادره غير معلومة وغير رسمية".
وقال ل"الأناضول"، إن "التقرير لا يتصل فقط بحقوق الإنسان، فحسب ولكنه صادر ضد الدولة المصرية والغرض منه إسقاطها والنيل من سمعة مؤسساتها، كما أنه لم يشر إلى مصدر المعلومات التي جمعها، وإنما اتخذ اتجاها مسيساً، واحداً، دون الأخذ في الاعتبار تقارير منظمات المجتمع المدني الصادرة بشأن فض الاعتصام".
وأضاف عبد الكريم أن "فض الاعتصام كان سلمياً وإن قوات الجيش والشرطة تعاملت باحترافية شديدة جدا وضبط نفس شديد، ولولا أنهم (المعتصمين) بدؤوا بإطلاق النيران وأحدثوا الشغب والعنف داخل الاعتصام أثناء حضور القوات، كان الاعتصام تم إنهاؤه دون سقوط قتيل واحد، لأنه تم توفير ممرات آمنة، كما أنه كان لا يوجد أي ملاحقات إلا لمن صدر ضدهم قرارات من النيابة العامة بضبطهم وإحضارهم".
فيما ردت الداخلية على ما تردد بشأن رفض سلطات المطار السماح لوفد منظمة هيومان رايتس واتش الدخول إلى مصر بتاريخ 10 الجارى 2014، مشيرة إلى أن المنظمة تقدمت بطلب للسلطات المصرية لعقد لقاء مع المسئولين المصريين خلال زيارتهم إلى مصر فى شهر أغسطس لإطلاق تقريرها حول فض إعتصامى رابعة والنهضة، وحرصاً على التعاون مع المنظمة واحتفاظاً بالحق السيادى لكل دولة فى إستقبال الأجانب على أراضيها فقد تم إبلاغها بتأجيل الزيارة إلى شهر سبتمبر القادم لعدم ملائمة إتمامها فى التوقيت المقترح مع التأكيد على ضرورة الحصول على تأشيرة مسبقة من بعثاتنا بالخارج قبل الدخول إلى البلاد وعدم جواز دخولهم بتأشيرة سياحية من مطار القاهرة الدولى لعدم تماشى ذلك مع غرض الزيارة المعلن من قبل المنظمة، إلا أن وفد المنظمة وصل إلى مطار القاهرة فى الموعد الذى حددوه من جانبهم دون الحصول على التأشيرة اللازمة لدخول البلاد وهو الأمر الذى يتسق مع النهج الذى دأبت عليه المنظمة من حيث اعتبار نفسها كياناً يعلو على القانون ولا يخضع لأحكامه.
وتابعت: إضافةً إلى ما تقدم فإن منظمة هيومان رايتس واتش سبق وأن قامت بسحب طلبها إصدار التصريح اللازم لها للعمل فى مصر كمنظمة أجنبية غير حكومية وفقاً لأحكام قانون 84 لسنة 2002 ولائحته التنفيذية، وعلى الرغم من ذلك فقد سعت إلى الدخول إلى مصر لإصدار التقرير وممارسة العمل دون سند قانونى.