أقصر الطرق للثورات الحقيقية دم الشهداء في مواجهة السلطات، الشهداء الذي مارسوا حقهم في الاعتراض والثورة، والذين قالوا وطننا أولاً، وماتوا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، وللكاتب الراحل أنيس منصور مقال بعنوان "كرة الندم" كان يقارن فيه بين كرة القدم والسياسة، وهي مقارنة في بلدنا التي تعدى فيها شهداء أحداث شغب في ملعب المصري البورسعيدي، عدد شهداء "جمعة الغضب" في 28 يناير قبل الماضي، بل وضحايا "موقعة الجمل" (2 فبراير 2011)، وفي ذكراها السنوية، جمهور ثوري منحاز للمصري البورسعيدي، قاتل وقتل جمهورًا ثوريًّا مشجعًا للأهلي المصري أيضًا.. يا لها من مهزلة، في أعقاب ليلة حما فيها أنصار الحرية والعدالة الإخواني مجلس الشعب الإخواني أيضًا من هجوم بعض ممثلي الشعب الميدانيين، نسبة إلى ميدان التحرير، وبعدها يصرخ الجميع قتلة ومقتولين مطالبين بالثأر من السلطة، فهل هذه ثورة عبرت عامها الأول!؟ كانت وما زالت كرة القدم/ الرياضة الشعبية هي المحرك الأساسي للحزن والفرح، وهي الظهير الأيمن لكرة الندم/ السياسة، وكما حمل النقاد والمحللون الذين قضوا ليلتهم في رثاء الشهداء على فضائيات كرة اللهب حكم المباراة المنكوبة مسؤولية تفاقم الأحداث، حمل أيضًا ألتراس الأهلي مسؤولية الفوضى التي هم صانعوها، ورعاتها في الميدان مرة، وأمام السفارة الإسرائيلية مرة، في شارع محمد محمود مرات، حمَّلوها للمشير طنطاوي، الرجل الذي لم يكن ليتورَّط في تحمُّل المسؤولية، لولا أن أمثالهم من الثورجية، رحبوا بتفويض من ثاروا ضده، أقصد قطعًا مبارك الرئيس السابق، له في تولي إدارة شؤون البلاد! كانت "كرة الندم" في انتظار جمهور ثورجية الأهلي في ملعب المصري، وصار الموت لعبة، يُلقى فيها بإنسان حي، بدلاً من كرة القدم من أعلى المدرجات، ودخلنا المرحلة الثانية من القتل المجاني، وتوحَّشنا فانقلب السحر على الساحر، بعد أكل لحوم البلطجية والتمثيل بجثثهم، وأصبح العنف المجاني، في كل شبر في مصر، وهو عنف تمَّت تغذيته في سنوات القهر، وضيق الصدر حرجًا بفقر البلاد والعباد، وتم توجيهه ضد رجال الشرطة في البداية، وتم حسابهم على يد البلطجية والإرهابيين أصحاب الثأر معهم، ولعب سياسيو الوطن الفشلة دور رعاة حقوق الإنسان، وهم يمنعون رجال الأمن من ممارسة عملهم في القضاء على عنف إجرامي، مجاني، ومنذ تطاول المجرمون يساندهم الثورجية على رجال الشرطة، وأسقطوا هيبتهم، في الشارع، وهتفوا حالمين: "أمن الدولة يا أمن الدولة.. إحنا الأمن وإحنا الدولة"، فكان لا أمن إلا للإخوان، ولا دولة إلا دولتهم! فهل تحمّل الثورجية مسؤولية ثورتهم وجنايتها على الوطن، بما يفعله الشرفاء في مثل هذه الفوضى؟! في الحقيقة كانوا وسيظلون يلقون بكرة اللهب/ المسؤولية، على كل من هب ودب، ويطالبون بالثأر ويا للمهزلة، والثأر لا ينبغي أن يكون من غيرهم، الذين حسبوا الوطن ملعب كرة ندم كبيرًا، وخاضوا معاركهم على طريقة تصفيات الدوري العام المصري، وصنفوا الشعب إلى فرق درجة ثالثة، وفرق ثوري ممتاز، وأخرجوا وهم أخيب اللاعبين "كارتًا أحمر" للمشير، الذي جاؤوا به على جثة مبارك وعصره ومصره، بل وأخرجوا نفس الكارت الأحمر، للشعب الذي تحدثوا باسمه، عندما خالف رغباتهم وقرر تشجيع فريق الدولة المدنية ويا للمسخرة بمرجعية إسلامية، ودخل البرلمان رواد "الليمان"، وحملهم الشعب الذي لا يعرف فلوله من ثائريه، من "البرش" إلى "العرش"! لا ننعي وطنًا يعاني خيبة المتحدثين باسمه منذ اليوم الأول لتنحي مبارك، نعم، هذه هي الحقيقة المرة، التي لا يجرؤ أحدنا على تجرعها، ونلقي باللوم من تحت قبة البرلمان، على "دولة طرة"، والثورة المضادة، وهي نفس آليات النظام السابق، عندما كان الحزب الوطني الحاكم، يلقي بكل كارثة على الإخوان المسلمين، والآن تبدلت المقاعد، ويطالب الذين حطموا هيبة الأمن المصري، بالمحاسبة على الانفلات الأمني، ولا حلول جذرية، ويطالب النائب المحترم بتطهير الأمن، والقضاء على "دولة طرة" التي لو كانت قادرة على إدارة ثورة مضادة، ما دخلوا "مزرعة طرة" من الأساس، ولكن لا عقل ولا هم يعقلون! ويتبرَّأ شعب بورسعيد من خلال نوابه، من المشاغبين، من المهزلة الكروية، الدموية، بين شعب مصر العظيم، وشعب مصر اللئيم، ولا تسقط أقنعة العنف، السياسي والكروي والديني والطائفي، من أول 28 يناير 2011، وإلى ليلة 2 فبراير، مرورًا بأكثر من 300 حدث إرهابي، ودموي، وقتل غير مبرر، ومشاجرات، واعتصامات من كل ضال أو صاحب مصلحة، ولا عزاء للمصريين، الذين لم يسمعوا صوت العقلاء من أبناء هذا الشعب، الذين قالوا لهم: وطننا مصر، ثم اجتهدوا في وقف شلالات الدم بين شعب مصر، الذي قسموه إلى إسلاميين وعلمانيين، وأفندية وعسكريين، وأقباط وسلفيين، وأخيرًا مشاهدين وإعلاميين! حتى كرة الندم لها أصول مثل كرة القدم، ونحن لا نعترف منذ يناير الفوضى بأي أصول اللهم إلا الغلبة بأي ورقة، وقبل أن نطالب الحكم بالاعتزال، يجب علينا تقديم حكمنا العادل، وكيف، ونحن كلنا مسؤولون عن غياب الأصول، وحتى لا يصبح الموت لعبًا، هوايتنا المفضلة، وننعي بعد سنوات الشعب المصري، وموطنه الأصلي الجامع والكنيسة، والنادي والنادي المنافس، وميدان التحرير وميادين التخوين، فالعند يا سادة يورث الكفر، وما نحن فيه يوصلنا إلى الكفر، لأننا نعاند كل الحقائق، وندفن رؤوسنا في رمال حكامنا!