لم تكن نتائج انتخابات البرلمان التركي مفاجئة، حيث إن الأحزاب التركية المختلفة بما فيها حزب العدالة والتنمية قد حافظت على نسب تصويتها وحجم نجاح كتلها ومقاعدها في أغلب مناطق تركيا، أما أحزاب المعارضة التقليدية، فظلت على نسبتها، واحتفظت بنسب قريبة من نتائجها في الانتخابات الماضية؛ إذ حصل حزب الشعب الجمهوري على قرابة 25% من نسبة الأصوات، في حين حقق حزب الحركة القومية نسبة 16%. إلا أن هناك متغيراً حقيقياً قد ظهر على الساحة الانتخابية خلال هذه الانتخابات، فحزب الشعب الكردى قد غير مسار الأحداث، وقد جاءت نسبته فى البرلمان بشكل قاطع خصماً من نسبة حزب العدالة والتنمية، فنسبة ال12.5 % من أصوات الناخبين التي ذهبت له قد تسببت بشكل مباشر في خسارة حزب العدالة والتنمية لأكثر من 19.5 % من الأصوات التي كان يسعى أردوغان لها والتي تتجاوز ال60%، وهنا يمكن اعتبار أن الصعود الكردى في الحالة السياسية التركية بات خصماً من العدالة والتنمية الذى بات عليه قبول فكرة التحالف الانتخابى مع الأكراد من أجل تشكيل حكومة ستكون سياساتها مهزوزة في التعامل مع الملف السورى والعراقي، كما ستواجه الحكومة معارضة قوية فيما يتعلق بالسياسات الخارجية التركية. نتائج الانتخابات هي نصراً بطعم الهزيمة لرجب طيب أردوغان والذى كان يطمح إلى أغلبية تمكنه من تعديل الدستور لتوسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا شك أن المكون الكردى الصاعد فى جنوبتركيا حقق نجاحه فى الوصول إلى البرلمان على خلفية أعمال العنف والمظاهرات ضد سياسات أردوغان الخارجية فى شمال شرق سوريا، وهنا يمكن أن نقول بوضوح إن قبضة أردوغان ضعفت وأن صلاحياته الدستورية ستظل شرفية، ولا يعنى ذلك انتهاء دور حزب العدالة والتنمية لأنه حزب الأكثرية وليس الأغلبية، لأن لفظ الأغلبية يطلق دائماً على الحزب القادر على حصد نسبة التمرير التشريعى التى هى نسبة إقرار القانون داخل البرلمان التركى. البعض يطرح السيناريو الأضعف ألا وهو اللجوء إلى سياسة عدم تشكيل الحكومة تمهيداً لإعادة الانتخابات مرة أخرى، فالدستور التركى في حالة عدم تشكيل حكومة من توافق الأحزاب يتم حل البرلمان وإعادة الانتخابات مره أخرى، وهو سيناريو بعيد لأنه لو حدث فلن يقود إلى تغيير حقيقى فى نتائج الانتخابات المقبلة، كما أنه سيضعف فعلياً قبضة أردوغان وليس العكس. فرئيس الجمهورية التركية الحالي إذا لجأ للعبة المماطلة في تشكيل الحكومة بهدف الحل سيلجأ بشكل آخر وتحت ضغوط داخلية إلى تغيير قيادة الحزب التي ثبت ضعف شعبيتها داخل الحزب وخارجه، وهنا سيضطر الحزب إلى ترشيح رئيس المخابرات التركية هاكان فيدال على رأس القائمة فى محاولة لحصد الأغلبية باحتمالات ضعيفة، وفى الغالب ستدخل تركيا حالة التصدع فى حالة اللجوء إلى هذا الخيار لأنه يعنى استمرار صعود حركات الاحتجاج فى الشوارع التركية، ولا شك أن نجاح الأكراد فى الانتخابات جاء على حساب النسبة التى كان يريدها أردوغان من مقاعد البرلمان، فإذا تمت إعادة الانتخابات لن تتغير ميول المواطنين الأكراد مرة أخرى، الخلاصة هناك حركة اعتدال فى السياسة التركية وفى توجهات حزب العدالة والتنمية، أما أردوغان سيتراجع دوره أو سيمارسه من خلف الستار دون قدرة حقيقة على الضغط أو فرض التوجهات حتى على القطع التي يريد تحريكها.