داعب بقلمه أوراقه المبعثرة على سطح مكتبه.. وهو يرتشف من فنجان قهوته المانو.. يقلب ذكريات تلو الذكريات.. يبحر في أعماق مجهولة الشكل والعنوان.. ربما واتته الشجاعة بكتابة مذكراته.. في الصيف القادم.. كما كان يخطط.. بهت لونه.. وشعر بحاجته إلى النوم.. تردد.. وأيقن أن الكسل لغو من الشيطان.. فمازال الليل يسطر ساعاته الأولى.. ونداؤها يحوم يحوله.. يشجيه.. رغم متاعبه الوظيفية.. عنائه في معرفة عنوانها الجديد.. فراقها الذي دام أعوام؟ رغما عن أنفه.. ربما تصورته نذلا عظيما! ومعجون بماء العفاريت.. وحقير.. وابن سبعين في ستين.. فلا هى تعرف له عنوان.. ورقم هاتف.. وتاريخ ميلاد.. آه.. آه.. هوكده.. وهى عندها حق.. مين ممكن يتصور عذابي لها.. هروبي من لقائها.. حتى في لقاءاتي المعدودة بها كنت غامضا.. كأنني من كوكب آخر؟ الكلمة بحساب.. كأنني أتناول طعامي بالشوكة والسكينة ؟ ربما فسرت ذلك بخجلي الفطري.. حمرة وجهي بسبب وبدون سبب.. قلة مواردي المادية في تلك الآونة.. شاب حديث العهد بالحياة.. لا تجربة.. ربما شعرت بأحلامي المضنية.. حاجتي إلى الكتابة كرغبة ملحة.. لا تقاوم.. رغم كل الظروف التي كانت ضد الفكرة من أساسها؟ تصبب عرقا.. وكأنه في امتحان عسير.. سقطت بعض قطراته على الورق.. وهو مازال ممسكا بقلمه.. متكئًا على كرسي مكتبه.. يجرب.. يبحث عن معنى مفقود؟ يتفوه بعبارات متقطعة.. يلعن ضعفه.. يبصق على الأرض.. فتغرورق عيناه بالدموع.. ينظر إلى ساعة معصمه بعصبية.. فتأتي له صورتها من الوجه الآخر؟ لعلها تقدر شيئًا مجهولا باعد بيني وبينها.. فهى مثقفة.. ولها تجارب ثرية مع الواقع والبشر.. هكذا علمتها مهنتها.. ودربتها على التسامح.. المرونة.. التماس الأعذار غير المنطقية؟ لعلها سوف تقرأ مذكراتي ذات يوم.. ففيها حقيقة ما خجلت من البوح به.. ربما تسامحني.. وتبعث لي على إيميلي الجديد؟ ستفجر الحقيقة معنى لا يدركه كثيرون.. وليلى هى كما هى نبع الوجود.. شريان يضخ الدماء في جسدي.. عقلي.. أحلامي التي تحقق بعضها.. والآخر على وشك أن أهملني العمر في لقائها جفف عرقه.. ورتب أوراقه المبعثرة.. وارتشف ما بقى من الفنجان.. وأعاد قلمه إلى درج مكتبه.. ثم أخذ شهيقا وزفيرا.. كأنه استرد وعيه.. حريته . حقق شيئًا من وعده لها.. ليقرأ لنفسه بعضًا من فصول مذكراته المقبلة.. في عقله الباطن.. يحذف.. يضيف.. يغني.. يقفز.. يتفلسف.. يرتمي بين أحضانها يعلن لها براءته من التهم الموجه له.. فهو فارسها؟ تصفعه بكف يدها البض.. على وجهه.. صائحة كفى خداعا.. مازلت تصر على أكاذيبك.. تبرر كل شيء بمهارة.. إيه فاكرني قديسة العصر.. أمك.. أبوك.. غبية.. لا يا شاطر.. ابعد عني.. لتناوله بكفها الآخر صفعة أشد ؟ ثم تبكي لترتمي في أحضانه.. تعلن ندمها؟ لقد تأكدت من الحقيقة؟ كفاحه سنوات من أجلها.. خوفه الأزلي من فقدانها نهض من فوق كرسيه.. منتشيا.. ليلقي بنفسه بحركة بهلوانية.. على سريره المجاور.. متمتما بحروفها ل ي ل ى..