منذ بداية الأزمة السورية تشكلت تحالفات عديدة منها الداعم لحكومة الرئيس "بشار الأسد"، ومنها المُعادي لهذا النظام ويسعى لإسقاطه بأي طريقة كانت، ومنها المتلون حسب الأحداث والمصالح، وفي هذا الوقت كانت روسيا هي الدولة الأكثر تصميمًا على منع رحيل الرئيس السوري "بشار الأسد"، والأكثر دعمًا للجيش السوري ضد التنظيمات الإرهابية التي كانت تدعمها في ذلك الوقت العديد من الدول الغربية، لكن الأمر تغير كثيرًا بعد أن ضرب الإرهاب قلب هذه الدول الغربية، وباتت تعلم جيدًا أنها ليست بمنأى عن خطره، فعادت لتبحث عن حليف قوي يكافح الإرهاب بشكل فعال وحقيقي، وهو ما دفعها إلى تجاوز العديد من خلافاتها بشأن مستقبل سوريا، والشروع في التنسيق الفعلي وتأسيس تحالف دولي جديد لمحاربة تنظيم "داعش". هجمات باريس الإرهابية نقطة تحول في السياسة الخارجية للعديد من الدول الغربية، وعلى رأسها الدولة المنكوبة والتي طالتها يد الإرهاب مؤخرًا "باريس"، لتنطلق التصريحات من الرئيس الفرنسي "فرانسوا أولاند" الذي يؤكد فيها ضرورة محاربة "داعش" بفاعلية أكثر، وهو ما تبعه خطوات فعالة قامت بها الحكومة الفرنسية حيث بدأت المقاتلات الفرنسية في شن غاراتها الجوية المكثفة على معقل تنظيم "داعش" في مدينة الرقة بسوريا. فرنسا عادت للتذكر بأن "التحالف الدولي" الذي تقوده أمريكا، وتشاركت مع باريس في صنعه لم يكن له تأثير حقيقي وفعال على الأرض، خاصة بعد أن أثبت فشلة في صد أو القضاء على تنظيم "داعش"، وهو ما فضحته الضربات الروسية المباشرة في سوريا، فخلال شهر واحد تمكنت روسيا من تحقيق انتصارات ميدانية ودحر العديد من التنظيمات الإرهابية في العديد من المناطق على الأراضي السورية بدعم الجيش السوري، فيما تظل أمريكا وتحالفها يقف عند نفس النقطة التي بدأ منها، مكتفيًا بالتنظير على الدب الروسي بأنه يقصف جماعات معارضة "معتدلة" وليست إرهابية، لكنه في الوقت نفسه يمتنع عن تقديم أسماء هذه الجماعات "المعتدلة" أو أماكن تجمعها لتفادي قصفها من قبل المقاتلات الروسية. انطلاقًا من القناعة الدولية بأن أمريكا غير جادة في مكافحة الإرهاب بسوريا، وأن تحالفها لم يتقدم أي خطوة ولم يحقق أي إنجاز منذ بداية انطلاقة قبل أكثر من سنتين، وهو ما بات حقيقة واقعية تعلمها دول العالم أجمع ولا تقبل الشك، بدأت فرنسا في البحث عن حليف استراتيجي قوي، تنطلق مقاتلاتها جنبًا إلى جنب مع مقاتلاته، فلم تجد سوى روسيا التي أصبحت لها اليد والكلمة العليا في الميدان السوري. المخطط الأمريكي لإطالة أمد النزاع وعدم الجدية في مكافحة الإرهاب، أمور أدركها الساسة الفرنسيين بجانب المسئولين هناك، وبناء عليه انطلقت الدعوات إلى تغيير السياسة الخارجية الفرنسية فورًا والبحث عن حلفاء جدد وتصحيح مسار الضربات الفرنسية في سوريا، حيث دعا النائب ورئيس الوزراء الفرنسي الأسبق "آلان جوبيه"، إلى ضرورة توضيح أهداف التحالف الدولي الذي يقاتل "داعش" في سوريا، لأن عمله حتى الآن "غير فعال"، وقال "جوبيه" "إنني كنت على خط الحكومة ولكن موقفي تغير اليوم فهناك أولويات ويجب علينا سحق داعش، أولا ثم سنرى كيفية تنظيم المصالحة بين السوريين"، فيما دعا رئيس حزب الجمهوريين اليميني المعارض "نيكولا ساركوزي" إلى العمل مع روسيا التي تعتبر عنصرًا لا يمكن الالتفاف عليه في حل الأزمة، مع احتمال العدول عن طرح رحيل "بشار الأسد" كشرط مسبق لأي حل سياسي". من جانبه قال النائب "جاك ميارد"، "نحن بحاجة إلى مراجعة سياسة فرنسا الخارجية ولا سيما في سوريا، واعتقد أننا انتهجنا سياسة خاطئة ضد دمشق"، وأضاف "ميارد"، أن "عدو فرنسا اليوم هو تنظيم داعش والقاعدة وليس الرئيس بشار الأسد، ونحن لا يمكن أن نستمر في السياسة الحالية الخارجية مع وهم السيطرة على الحدود والتي أثبتت الوقائع أن من السهل اختراقها". من جهته؛ رأى النائب "جان فريدريك بواسون"، أن نتائج الدبلوماسية الخارجية الحالية لفرنسا لم تكن في صالحها، وقال بواسون "إننا في حالة حرب كما تحدث الرئيس فرانسوا ومراجعة سياستنا الخارجية هو أمر مطلوب"، ودعا "بواسون" الحكومة الفرنسية إلى إعادة النظر بعلاقاتها مع السعودية وتركيا وقطر وقال "من الواضح الآن أن هذه البلدان بما في ذلك السعودية تمول العديد من الخلايا الإرهابية". دعوات الساسة الفرنسيين وجدت أذان صاغية لدي الرئيس "أولاند"، حيث دعا إلى تشكيل تحالف واسع لتوجيه ضربات حاسمة ضد "داعش" والإرهاب، لافتاً إلى أن الأمر يتعلق بتنظيم يهدد العالم كله وليس بلدًا محددًا، وفي الوقت نفسه أعلن الرئيس الفرنسي أن الأيام المقبلة ستشهد زيارة إلى أمريكا وأخرى إلى روسيا، "ليتسنى لنا توحيد قواتنا لتحقيق نتيجة استغرقت وقتا طويلا"، حسب قوله، حيث أنه من المقرر أن يزور "أولاند" واشنطن في 24 نوفمبر، وموسكو في 26 نوفمبر الجاري.