منذ الحديث عن إنشاء ما يسمى ب "التحالف الدولي" لمكافحة داعش في سوريا، لم تنتهِ الانقسامات والشروخ بين حكومات الدول الأوروبية والغربية وبرلماناتها وشعوبها، التخبطات والانقسامات ظهرت جلية في بريطانياوفرنسا على وجه الخصوص، لكن عقب وقوع الهجمات الإرهابية في باريس منذ أيام، انطلقت الدعوات من جديد لتنشيط دور الدول المشاركة في التحالف، ومن هنا بدأت الانقسامات تبرز من جديد في هذه الدول، وسط دعوات بوقف هذا التدخل في سوريا، والذي جلب الإرهاب إلى باريس. تحت وطأة الصدمة الفرنسية من هجمات باريس، تعهد الرئيس "فرنسوا هولاند"، برد لا يرحم على الاعتداءات التي أدمت باريس وكانت الأعنف في تاريخ البلاد، وأكد "هولاند" أن عدو فرنسا في سوريا هو "داعش"، داعياً إلى إقامة تحالف موحد مع واشنطن وموسكو للقضاء على التنظيم. تنفيذًا للتعهدات والتهديدات الفرنسية وبضغوط أمريكية، بدأت المقاتلات الفرنسية تتحرك من جديد بنشاط غير مسبوق باتجاه سوريا بتنسيق مع أمريكا، حيث نفذت المقاتلات الفرنسية غارات على مدينة "الرقة" معقل تنظيم "داعش" في شمال سوريا، وحسب ما أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية فقد دمرت المقاتلات مركزًا قياديًا وموقع تدريب. في هذا الوقت كانت المعارضة الفرنسية اليمينية ترفع صوتها عاليًا من أجل تغيير السياسة الفرنسية الخارجية من خلال وقف التدخل العسكري في سوريا، والذي أرجع إليه معظم الفرنسيين مسئولية الهجمات، فيما ذهبت بعض الأحزاب السياسية إلى ضرورة التعاون مع روسيا بشأن سوريا، خاصة بعد أن أثبت التحالف الأمريكي فشلة في صد أو تحجيم أو القضاء على تنظيم "داعش". دعا عدد من النواب والسياسيين الفرنسيين الحكومة إلى تغيير سياساتها الخارجية فورًا، وتصحيح مسارها وإعادة النظر في علاقتها مع سوريا، وقال النائب "جاك ميارد"، "نحن بحاجة إلى مراجعة سياسة فرنسا الخارجية ولا سيما في سوريا، واعتقد أننا انتهجنا سياسة خاطئة ضد دمشق"، وأضاف "ميارد"، أن "عدو فرنسا اليوم هو تنظيم داعش والقاعدة وليس الرئيس بشار الأسد، ونحن لا يمكن أن نستمر في السياسة الحالية الخارجية مع وهم السيطرة على الحدود والتي أثبتت الوقائع أن من السهل اختراقها". من جهته رأى النائب "جان فريدريك بواسون"، أن نتائج الدبلوماسية الخارجية الحالية لفرنسا لم تكن في صالحها، مشيرا إلى أن انتقادات البعض الجديدة لسياسة وزارة الخارجية الفرنسية جاءت متأخرة، وقال بواسون "إننا في حالة حرب كما تحدث الرئيس فرانسوا هولاند ومراجعة سياستنا الخارجية هو أمر مطلوب"، ودعا "بواسون" الحكومة الفرنسية إلى إعادة النظر بعلاقاتها مع السعودية وتركيا وقطر وقال "من الواضح الآن أن هذه البلدان بما في ذلك السعودية تمول العديد من الخلايا الإرهابية". في الوقت نفسه دعا النائب ورئيس الوزراء الفرنسي الأسبق "آلان جوبيه"، إلى ضرورة توضيح أهداف التحالف الدولي الذي يقاتل "داعش" في سوريا، لأن عمله حتى الآن "غير فعال"، وقال "جوبيه" "إنني كنت على خط الحكومة ولكن موقفي تغير اليوم فهناك أولويات ويجب علينا سحق داعش، أولا ثم سنرى كيفية تنظيم المصالحة بين السوريين"، فيما دعا رئيس حزب الجمهوريين اليميني المعارض "نيكولا ساركوزي" إلى العمل مع روسيا التي تعتبر عنصرًا لا يمكن الالتفاف عليه في حل الأزمة، مع احتمال العدول عن طرح رحيل "بشار الأسد" كشرط مسبق لأي حل سياسي". الأمر كان أكثر تعقيدًا في بريطانيا، التي تسعى حكومتها إلى توسيع مشاركتها في التحالف الدولي، فوجدت هجمات باريس الإرهابية ذريعة مُقنعة لتنفيذ مخططاتها، فيبدو أن رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" وزراء حكومته مصرون على المضي قدمًا في محاولة إقناع أعضاء مجلس العموم بالتصويت لصالح خطتهم بتوسيع الضربات الجوية البريطانية لتشمل أهدافًا جديدة في سوريا، بعد أن كان فشل في أغسطس عام 2013 في الحصول على تفويض من مجلس العموم البريطاني بالمشاركة في عمل عسكري بسوريا. المشاركة الفرنسية النشطة الأخيرة في الغارات على سوريا، أشعلت حماس بريطانيا أيضًا، حيث جاءت التصريحات البريطانية جميعها لتشير إلى استماته الحكومة البريطانية للحصول على هذا التفويض من البرلمان البريطاني، حيث حذر رئيس الوزراء البريطانى "ديفيد كاميرون"، من تدمير بلاده فى حالة عدم مواقفة البرلمان على ضرب داعش فى سوريا، وأشار إلى أنه غير معقول أن يحترم سلاح الجو البريطانى الحدود الدولية بين العراقوسوريا فى الوقت الذى يستهدف فيه تنظيم داعش بريطانيا، وقال "كاميرون" عقب الإعلان عن انطلاق المقاتلات الفرنسية باتجاه سوريا إنه "من الأفضل أن تشاركها بريطانيا"، فيما عبر وزير الخارجية البريطاني "فيليب هاموند" في وقت سابق عن ثقته بأن الغارات الجوية ستبدأ فور الوصول لتوافق في البرلمان، فيما انتقد قائد الجيش البريطاني الجنرال "نيكولاس هوتون" اقتصار الضربات الجوية لسلاح الجو الملكي على العراق، رغم علم بريطانيا أن معقل تنظيم الدولة الرئيسي في سوريا. هذا الحماس البريطاني المكبوت منذ بدء عمليات "التحالف الدولي" في سوريا، يصطدم دائمًا بموقف رئيس حزب العمال البريطاني "جيرمي كوربن"، الرافض تمامًا لأي تدخل عسكر في سوريا دون غطاء أممي، كما يعرقله أيضًا قرار لجنة الشئون الخارجية في مجلس العموم البريطاني بعدم الإقدام على توجيه ضربات لتنظيم "داعش" في سوريا دون وجود إستراتيجية واضحة للتعامل مع الأزمة السورية.